تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
كتب رئيس تحرير "الثائر" اكرم كمال سريوي -
مع سقوط الاتحاد السوفياتي، انهار النظام الشيوعي، وانتصرت الايديولوجية الرأسمالية، وسيطرت الثقافة الغربية والنمط الاقتصادي الرأسمالي على العالم.
السقوط المفاجئ والسريع للشيوعية، جعل البعض يعتقد أن النظام الرأسمالي انتصر، وأن أمريكا هي من قضى على الاتحاد السوفياتي.
الحقيقة أنه في هذا الحكم، كثيرٌ من تسطيح الأمور وتبسيط الموضوع، وعدم الواقعية العلمية.
فالرأسمالية بمفهومها القديم، سقطت قبل الشيوعية بسنوات عديدة.
إذا القينا نظرة موضوعية على دول العالم، خاصة الدول المتقدمة، لوجدنا أن شعار "دعه يعمل دعه يمر" سقط وتناثر كلوح زجاج، ولم يعد له أي أثر على الاطلاق.
كانت الرأسمالية حتى منتصف القرن العشرين، "متوحّشة" بشكل فعلي، ولم يكن هناك نقابات، ولا ضمان اجتماعي، ولا حقوق للعمال، وكان يسود نظام الاستغلال والقهر، وقوانين ظالمة، تحمي استبداد أصحاب رأس المال، ولا تحمي أو تكترث للعمال.
أما الديمقراطية فكانت أسيرة رأس المال، ومعظم الانظمة الانتخابية، كانت تستثني المرأة من حق الانتخاب، والمشاركة في الحياة السياسية.
في الأول من أيار عام 1949 أسس كمال جنبلاط، مع نخبة من رجال الفكر اللبنانيين، الحزب التقدمي الاشتراكي،. وأرادوه أن يكون المدافع الأول عن؛ حقوق العمال، والعدالة، والقيم الانسانية، والعروبة، وحكم النخبة.
وفي عام 1976 طرح كمال جنبلاط كتابه: من أجل اشتراكية أكثر إنسانية
Pour un socialisme plus humain وكان يومها قد استشف من التجربة السوفياتية، أخطاء الأنظمة الشيوعية، وعدم قابليتها للاستمرار والنجاح.
وانتقد تحوّلها إلى نمط شمولي جامد، في السياسة والاقتصاد، حيث باتت أقرب إلى الدكتاتورية والاستبداد، منه إلى العدالة والمشاركة الشعبية في الحكم، التي كان ينادي بها لينين.
أفكار عديدة طرحها كمال جنبلاط في كتابه، ومن أهمها مراعاة مبدأ المراحل في تطور المجتمع، فالجماعة تعيش في حركة دائمة، ومسارها تقدمي، وبالتالي فهي عكس السكون، ولا تقبل التحجر والانغلاق.
واعتبر جنبلاط أنه في هذه المرحلة، تُمثّل الملكية مرتكز حرية الفرد وطمأنينته واستمراره وبقاء الأسرة وعامل انتاج وحافز للمبادرة الشخصية، وحذّر من تحويلها إلى ثروة عقيمة، أو عامل سلطة وتسلط، أو وسيلة ضغط، ويجب أن لا تتعارض مع مقتضيات التملك العمومي، الذي يخدم مصلحة الجماعة ككل.
قيم العدالة والحرية والمساواة، ومجموعة قوانين عادلة، تؤمن الانسجام بين الرأسمال والعمل، من أجل تحقيق الرخاء. هذا ما جاء في صلب برنامج الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي انتقد إقامة السوفيات لرأسمالية الدولة أو رأسمالية الموظفين، بدل الرأسمالية الخاصة في الغرب.
يقول كمال جنبلاط: "إن فكرة الحزب التقدمي الاشتراكي، في نموها وتطورها وتبدلاتها وتكوينها المتنوع والكادح، هي محاولة صهر الفكر والتجربة الانسانيتين.
إن الحزب التقدمي الاشتراكي هو حزب الانصهار، فلا نريد أن نكون شموليين، ولن نرفض أي عنصر ثقافي أو فكري.
الانسان هو القيمة الأساسية، ويجب التوفيق بين الانضباط والحرية، والنظام والتطور، والمثالية والواقعية".
لم يعد العالم كما كان، فلقد تغيّر كثيراً، لكن هناك ثوابت أساسية لن تتبدل، فمن وجهة نظر كمال جنبلاط، الاقتصاد هو الحكمة، وهذا يعني المشاركة والتعاون والتعاضد الانساني، في إطار أنظمة وقوانين، تؤمّن الانسجام والتوافق، بين مصلحة الفرد والمجتمع.
شهدت دول العالم تطوراً كبيراً، وباتت الضريبة التصاعدية على الدخل ورأس المال، مبدأً أساسياً وجامعاً لهذه الدول، وتعاظم دور النقابات، وساد الضمان الاجتماعي والصحي، وضمان الشيخوخة، في كل الدول المتقدمة، لا بل أصبحت هذه الأمور، من المميزات والمعايير الأساسية لقياس الحضارة والتقدم.
تحولت الدولة إلى ناظم أساسي، ومُتدخّل مباشر في الاقتصاد وحركة رأس المال، وأصبحت حقوق الإنسان؛ في التعليم، والطبابة، والحرية، والتعبير عن الرأي، والمشاركة في القرار السياسي، وغير ذلك، في صلب المبادئ الدستورية، وجوهر شرعة حقوق الإنسان، التي اقرتها الأمم المتحدة.
فأين هي اليوم تلك الرأسمالية، التي تحدث عنها فردريك انجلس وكارل ماركس، وولّدت نقيضها لديهما في النظرية الشيوعية؟؟؟
لا يمكن لأحد أن يدّعي أن الحزب التقدمي الاشتراكي لم يُخطئ، فالخطأ هو من طبيعة العمل البشري، ولكن الخطأ الأكبر هو في عدم التعلّم من الأخطاء.
ربما حان الوقت للقيمين على الحزب اليوم لإجراء مراجعة شاملة، وتقويم للتجارب التي مر بها عبر خمسة وسبعين عاماً.
فالشجرة المثمرة تحتاج إلى تشذيب كل عام، لتحافظ على استمراريتها، وإعطاء الثمر الجيد.
فبعد خمسة وسبعين عاماً لا تسألوا أين رحل كمال جنبلاط، فهو ما زال موجوداً في كل فكر تقدمي، وكل نفحة إنسانية، وستجدونه في كل عمل من أجل الغاية الأسمى"تحقيق الانسانية في الانسان".
إذا لم تكن اشتراكياً، فانت حقاً ما زلت بعيداً عن الإنسانية.