تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " الهام سعيد فريحة "
والدي الحبيب
هي الذكرى السادسةُ والاربعونَ عاماً لغيابِكَ عنا، عائلتِكَ الحبيبةِ وعني، وعنْ لبنانكَ الحبيبِ، وعنْ عالمِكَ العربيِّ الواسعِ ...
انتَ تعرفُ أنكَ لم تغبْ عنْ بالي وعقلي وعينيَّ وصلاتي لحظةً، وتعرفُ أنني أحاكيكَ كلَّ ليلةٍ قبلَ أنْ اغفوَ،مستنجدةً بحكمتكَ وفطنتكَ وذكائكَ لإتابعَ المسيرةَ في وطنكَ الحزينِ...
هلْ أضيفُ إليكَ اخباراً عنْ لبنان؟
لنْ أحمِلَ جديداً عمَّا قلتهُ لكَ العامَ الماضي، فنحنُ في حالِ موتٍ بطيءٍ لبلادٍ وزَّعتَ عليها "انواركَ" إينما كانَ، ورَميتَ شباكَكَ في كلِّ زاويةٍ وبيتٍ ودارٍ،
فإذا بها تنتهي بلا رئيسٍ وبلا مؤسساتٍ وبحالةِ إفلاسٍ وإنهيارِ قطاعاتٍ وجوعٍ وبطالةٍ وناسٍ تفتِّشُ عنْ مصيرها في آخرِ اصقاعِ الارضِ.
***
والدي الحبيب
لبنانُ الذي تغنيتَ بهِ ورفعتَ اسمهُ عالياً وخلَّدتَ كبارهُ لم يعدْ موجوداً.
لبنانُ العزِّ والليلِ والسهرِ والقِيَمِ ذهبَ إلى غيرِ رجعةٍ..
لبنانُ الكلمةِ الطريفةِ والنقدِ الذي لا يجرحُ،يندثِرُ ليسيطرَ فيهِ بعضُ التافهينَ على بعضِ مواقعِ القرارِ والمسؤوليةِ...
لبنانُ الذي أطلقتَ منهُ "الصياد" والانوار والشبكة يمحو ذاكراتهُ الجميلةَ بعضُ منْ يدَّعونَ العلمَ والثقافةَ والصحافةَ اليومَ،
لتحلَّ التفاهةُ محلَّ المعرفةِ، والسخافةُ محلَّ الثقافةِ،
ولتنطفىءَ شيئاً فشيئاً "انوارُ" عاصمةٍ سَهِرْتَ فيها حتى الصبحِ، وشممتَ فيها رائحةَ الحبرِ والورقِ كما العرقِ والتعبِ،
هو لبنانُ الذي كانَ فيهِ عطرُ الحبرِ أنعشَ منْ كلِّ عطورِ العالمِ...
يتحوَّلُ شيئاً فشيئاً إلى مساحاتٍ للبشاعةِ والتلوُّثِ والنفاياتِ، ورقعةٍ جغرافيةٍ لا أكثرَ لاجيالٍ لا يعرفونَ التعلُّمَ منْ كبارِ الماضي ليبنوا المستقبلَ.
***
والدي الحبيب
سعيد فريحه العربيُّ الأصيلُ،ماذا أخبركَ عن فلسطين الحبيبةِ وشعبها الجريحِ مع غزة المنكوبةِ وصولاً إلى جنوبنا الصامدِ منذُ أيامكَ،
دافعاً الثمنَ بدماءِ أبنائهِ عنْ كلِّ القضايا وكلِّ الافرقاءِ...
ننتظرُ كما انتظرنا معكَ يومَ الخلاصِ لتعودَ فلسطين إلى اهلها،
وليعودَ الجنوبُ واحةَ جمالٍ وبساتينَ زيتونٍ وليمونٍ وخيرٍ..
شممنا فيهِ رائحةَ الترابِ في "الصالحية" الجنوبيةِ مسقطِ رأس أم البنين : امنا الفاضلةِ "حسيبة" ،رفيقةِ الدربِ بحكمتها وحزمها وذكائها.
***
والدي الحبيب
اليومَ أستلهمكَ في كلِّ لحظةٍ واكتبُ منْ وحيِكَ، وشتانَ ما بينكَ وبيني،ويتعرَّفُ عليكَ الجيلُ الجديدُ عبرَ قلمي المتواضعِ امامكَ، وكتاباتي التي تنطلقُ منْ ثوابتكَ في الوطنيةِ والعروبةِ والإيمانِ وإحترامِ الآخرِ والحريةِ والقِيَمِ الإنسانيةِ وحقوقِ الانسانِ..
وقد تعهدَّتُ أنْ أكملَ مسيرتكَ وأنْ تبقى صورتكَ نوراً في مسيرتي وفي مسيرةِ اجيالٍ جديدةٍ في لبنانَ والعالمِ العربيِّ الحبيبِ.
***
ابي الحبيب، سعيد فريحه،
المؤسِسُ والكبيرُ والعصاميُّ المكافحُ حتى الرمقِ الاخيرِ، بعدَ نصفِ قرنٍ إلاَّ اربعِ سنواتٍ على غيابكَ، تبقى "آسِراً" افكارَ وقلوبَ كُثُرٍ مِمنْ عرفوكَ ومِمنْ يتعرفونَ عليكَ منْ ارشيفِ الزمنِ الماضي.
فكيفَ إذا كنتُ الأبنةُ "الهامُكَ" التي حضنتها ودلَّلتها وعلَّمتها دروسَ الحياةِ والكلمةِ والاخلاقِ والقِيَمِ والعطاءِ...
والدي، هلْ يُعقلُ مني الإنسلاخُ عنْ ماضيكَ،
وهلْ يُعقلُ أنْ اضعَ زيحاً بينَ الماضي والحاضرِ والمستقبلِ؟
***
انتَ الماضي والذاكرةُ والتراثُ والأملُ، وتبقى حاضراً في الحاضرِ وللمستقبلِ ايقونةً في الاخلاقِ والكِبَرِ والعصاميةِ والكرمِ والكلمةِ الحرَّةِ!