تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
في توقيت مريب، وبينما يجري البحث في عقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل يكون على جدول أعمالها حصراً بند «معالجة أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها»، أصدر مجلس شورى الدولة قراراً نهائياً أبطل فيه قرار مجلس الوزراء الرقم 3 الصادر بتاريخ 20/5/2022 في شقه المتعلّق بـ«إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف وذلك لخفض العجز في رأسمال مصرف لبنان وإغلاق صافي مركز النقد الأجنبي المفتوح للمصرف». دعوى الإبطال قدّمتها جمعية المصارف التي أبدت رفضاً واسعاً للمشروع الذي تنوي الحكومة مناقشته. وبالتزامن مع صدور القرار انطلقت حملة إعلامية تؤكّد أن بعض الوزراء سيمتنعون عن حضور الجلسة المنوي عقدها لتطيير كل ما يخصّ مشروع قانون «معالجة أوضاع المصارف». وبدا من تسارع الأحداث، أن عمل الحكومة تجاه معالجة إفلاس المصارف بات مقيّداً بما تريده المصارف التي حصلت على دعم قضائي عبّرت عنه في بيان يشيد بموقف «الشورى» ويحدّد بنود التفاوض حول أي مشروع لإعادة هيكلة المصارف، والتي «لا يجوز التراجع عنها بأي شكل»: «أن يتضمن المشروع نصاً واضحاً وصريحاً لا يقبل التأويل أو الاجتهاد يوضح أن الأزمة المالية الحالية في لبنان هي أن تتحمل الدولة جميع التزاماتها القانونية خاصة فيما يتعلق بتغطية الخسائر في ميزانية مصرف لبنان، ما يعود بالمسؤولية على الدولة ومصرفها المركزي لإعادة جميع الإيداعات من مصرف لبنان إلى المصارف لكي تعيدها بالكامل إلى المودعين».
بمعزل عن هذه الشبهات، يقول خبراء في القانون، إن قرار الشورى ينطوي على شوائب دستورية وقانونية بما يخدم مصالح المصارف حصراً. يتبيّن ذلك من مسار دعوى الإبطال التي قدّمتها جمعية المصارف بتاريخ 28/6/2022. إذ صدر بعد أسابيع، أي في 11/8/2022، قراراً إعدادياً رقمه 284/ 2021-2022 ويقضي بردّ طلب المصارف لأن المجلس لا صلاحية له للنظر في الدعوى. لكن شيئاً ما استجدّ في مجلس الشورى دفع نحو إصدار قرار إعدادي ثان مخالف للأول، بل يوافق على النظر في الدعوى ويفتح المحاكمة. القرار الإعدادي الثاني، أعدّته القاضية ميراي داود، وفيه تبنّت كل حجج جمعية المصارف المتّصلة بتحميل الدولة المسؤولية وتحميلها الأعباء الكافة. ثم نام الملف حتى أصدر رئيس مجلس الشورى القاضي فادي الياس القرار النهائي بتاريخ 6/2/2024 مطابقاً لما ورد في القرار الإعدادي الثاني. ما بين التقريرين، سُجلّت زيارة بتاريخ 19 تموز 2023 قام بها رئيس مجلس شورى الدولة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري لتسليمه مشروعاً لحماية أموال المودعين وإعادتها على دفعات. وقد تلقى الياس وعداً من بري بأنّ المشروع «سيسلك طريقه». يومها لم يعلن الياس بأي صفة أعدّ مشروع قانون يفترض أن يكون من صلاحيات الحكومة ومجلس النواب، إلا أنه يصعب عدم الربط بين تبدّل مسار القضية في مجلس الشورى فجأة، وبين طموح القاضي بالإعداد لمرحلة ما بعد خروجه من المجلس. كما لا يمكن الفصل بين القرار الإعدادي الرافض لمراجعة جمعية المصارف والقرار النهائي الذي يتضمن مجموعة مغالطات وشوائب فنّدها قضاة وقانونيون:
- أي طعن أمام مجلس الشورى يكون ضدّ القرارات الإدارية النافذة، أي تلك التي ينتج منها ضرراً بليغاً. أما قرار الحكومة، فليس سوى استراتيجية أو مجموعة طروحات لم تقترن بأي عناصر تنفيذية كالمراسيم ومشاريع القوانين، علماً أن الطعن بمشاريع القوانين التي تحوّل إلى مجلس النواب يتم أمام المجلس الدستوري لا «الشورى» الذي نصّب نفسه مرجعاً لمراقبة النقاشات والآراء. اللافت أن داود اعتبرت في تقريرها أنه بمجرد موافقة الحكومة على مضمون استراتيجية النهوض بالقطاع المالي يخالف المادة 108 من نظام «الشورى» التي تتيح إبطال الأعمال الإدارية المشوبة بعيب «مخالفة النصوص التشريعية أو التنظيمية الصريحة وعدم تقيّد السلطة الإدارية بالقاعدة القانونية التي يشكل الدستور أسماها».
- استند التقرير على قراءات أوروبية وفرنسية متعددة لتأكيد حماية الملكية الفردية التي تشكل الوديعة إحداها. لكن مصادر قانونية ترى الأمر بمثابة «حشو» متعمّد يخلط بين الملكية الخاصة والملكية العقارية. فضلاً عن أن الدستور واضح عندما يشير إلى أن «أي نزع للملكية الخاصة يجب أن يكون وفقاً للقوانين التي توضع لهذه الغاية»، أي إن سحب الحقّ لا يُنزع إلا بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب. ففي ظل عدم وجود أي قانون صادر بهذا الصدد لا تملك الحكومة أي صلاحية لشطب الودائع أو تحديد قيمة التعويضات. ما يعني أن تمسّك مجلس الشورى بسردية الملكية الفردية لاتخاذ قرار مماثل غير واقع في مكانه لعدم توافر أيّ من العناصر النافذة والمضرّة بحقّ المودع. فضلاً عن أن الاستراتيجية لم تأت على ذكر أموال المودعين بل أموال المصارف التي يمكن أن تكون ناتجة من فوائد أو هندسات مالية أو غيرها. ما يعيدنا إلى السؤال حول الغرض من وراء قفز «الشورى» إلى استنتاجات لا تخدم سوى المصارف وأصحابها.
الأخبار