تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
بداية العام الحالي انطلقت تحقيقات شملت عاملين في دوائر وأمانات السجل العقاري في جبل لبنان. فإنطلقت مسيرة التوقيفات وتعقّب مقترفي الرشى. حتى أنه حصل إلقاء قبض على الموظفين «عن بو جنب» كما يقال في العامية. لدرجة أن الموظف الصغير وبفتات ما يتقاضاه من رشى تساوى مع المديرين في حمل عبء السرقات الكبيرة التي كانت تحصل. الى ذلك أضيفت إضرابات ينفّذها موظفو الإدارات العامة في القطاع العام احتجاجاً على رواتبهم المتدنية، فتقاعسوا عن مزاولة عملهم يومياً لتعذّر وصولهم الى مكاتبهم نتيجة انهيار الراتب بفعل انهيار سعر العملة الوطنية. اليوم أمانات السجل العقاري في جبل لبنان كلّها متوقفة عن العمل، وحكماً متوقفة معها العائدات التي تعتبر ضرورية لزيادة واردات الدولة بدلاً من الاقتراض من مصرف لبنان وتصفية ما تبقّى من أموال المودعين. إلا أن تلك الدوائر ستعود الى العمل، إذ أعلنت وزارة المالية أنه «بعد الإقفال القسري الخارج عن إرادتها لعدد من أمانات السجل العقاري في أكثر من منطقة، ستبدأ بمعاودة العمل في الأيام المقبلة، بعد جهود بذلتها مع المعنيين، إضافة الى إجراءات وظيفية قامت بها بما يتلاءم مع تسيير العمل تباعاً وبشكل منتظم».
فبداية عمل الأمانات حسبما أوضحت مصادر وزارة المال لـ»نداء الوطن» «ستتركز على إنجاز المعاملات المتراكمة مما قبل فترة الإقفال (منذ تشرين الثاني 2022)، لتعاود بعدها استقبال المراجعات الجديدة بعد شهر أو شهرين». وزارة المال اعتبرت أن التعطيل أصاب واحداً من المرافق الحيوية في الدولة، فهي بدورها من المتضررين نظراً للخسائر التي تتكبّدها خزينة المالية العامة إزاء هذا الإقفال، وبالتالي تعوّل على جهود موظفيها وأدائهم ومناقبيتهم، من أجل إعادة تسيير هذا المرفق الحيوي، واسترجاع دوره الذي تراجع لأكثر من سبب».
رسوم أمانات السجل العقاري والمحاكم العقارية
ترجمة إضراب موظفي القطاع والتوقيفات التي حصلت فوّتت على الخزينة عائدات هي بأمسّ الحاجة إليها. في العام 2017 بلغت الرسوم المستوفاة عن أعمال أمانات السجل العقاري والمحاكم العقارية نحو 1700 مليار ليرة. وفي العام 2021 فيما كان لبنان يتخبّط بالأزمات المالية والاقتصادية وإقفال المؤسسات العامة على وقع جائحة «كورونا» وانهيار العملة الوطنية والرواتب، انخفضت الرسوم الى 1342 مليار ليرة لتعاود الارتفاع في العام 2022 الى 1788 مليار ليرة.
أما الرسوم الشهرية في المراكز فهي 10 مليارات ليرة في مركز بعبدا المقفل و9 مليارات ليرة في عاليه والشوف. أما في مركز المتن فهي 12 مليار ليرة. تحرم خزينة الدولة من هذه الرسوم شهرياً منذ إقفال الدوائر العقارية.
وبذلك، إذا اعتبرنا أن الأمانات لم تكن تؤدي عملها لفترة 7 أشهر تكون قد فوّتت أكثر من 800 مليار ليرة (الرقم المسجّل في الأشهر السبعة الأولى من العام 2022)، علماً أن موازنة 2022 كانت وفق سعر صرف دولار بقيمة 15 ألف ليرة وموازنة 2023 وفق سعر «صيرفة» البالغ 85 ألف ليرة.
العودة إلى العمل ليست سهلة
عودة عمل أمانات السجل العقاري يراد منها إدخال الأموال الى خزينة الدولة، علماً أن العودة الى العمل ليست سهلة إذ إن المستلزمات الضرورية من القرطاسية والأوراق والمازوت لتشغيل المولّدات غير مستكملة تزامناً مع النقص باليد العاملة نتيجة التوقيفات. والموظفون يزاولون عملهم عادة لفترة 4 أيام إلا أن استقبال الطلبات الجديدة سيحصل خلال فترة يومين فقط. فكل أمانات السجل العقاري في الشمال والبقاع وبيروت والجنوب أنهت المعاملات القديمة وتعمل على المعاملات الجديدة ما عدا جبل لبنان التي ستباشر عملها في المعاملات القديمة قريباً. ويسأل الموظفون كيف ستتمّ معاودة العمل في ظل الوضع المادي والمزري حيث لا أموال ولا حبر ولا طوابع ولا كهرباء ولا قرطاسية... علماً أن هناك موظفين طفح كيلهم ويتّجهون لتقديم استقالاتهم بسبب تدنّي قيمة الرواتب. فعدد الموقوفين في الدوائر العقارية زاد عن 100 موظف في بعبدا وعاليه والشوف والمتن بتهم تقاضي الرشى والإثراء غير المشروع. وبوقت تمّ إخلاء سبيل عدد منهم مقابل كفالات مالية كبيرة، يسود جوّ أن بعضهم لن يعود لممارسة الوظيفة.
بالنسبة الى الدوائر العقارية، الاتجاه يقتضي انتداب وزارة المال عدداً من الموظفين لتسيير الأعمال بما تيسّر. وبالنسبة الى أمناء السجل العقاري، فقد أصدر وزير المال قراراً يقضي بتعيين أمناء سجلّ عقاري بالتكليف مكان الأمناء الأصيلين الذين لا يزالون قيد التوقيف: تعيين أمين السجل العقاري بصيدا باسم الحسن مكان أمينة السجل العقاري الموقوفة نايفة شبّو، تعيين أمين السجل في مرجعيون يوسف شكر مكان أمينة سجل المتن الموقوفة ليليان داغر. تعيين أمين السجل في صور حسين خليل مكان أمين السجل المتواري عن الأنظار هيثم طربيه. وتعيين أمينة السجل في بيروت جويس عقل مكان أمين سجل المتن مايك حدشيتي.
فعملية محاسبة الفاسدين والتي انطلقت في الدوائر العقارية والتي يجب أن تتمدّد على سائر الدوائر هي بداية جيدة لو جاءت عادلة بين الموظف العادي والمسؤول، ولكن في المقابل فوّتت على الخزينة عائدات لسدّ مصاريفها على أمل تعويضها في المرحلة الراهنة وإطلاق عجلة التسجيلات ومعها تقاضي الرسوم في الدوائر العقارية والأمانات عندها ستتحرّك مياه الإستثمارات الراكدة.
باتريسيا جلاد - نداء الوطن