تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
دخل لبنان في إجازة الأعياد وكذلك الرئاسة، وقد ختم المجلس النيابي جلسة الخميس الأخيرة على غرار نكهة سابقاتها من الرتابة والترف السياسي و"القفشات" من هذا النائب وذاك، ما أقرّ به رئيس المجلس نبيه برّي أمام أصدقائه إذ توقّع أن يكون الحوار مدخلاً للخروج من هزال جلسات الانتخاب حيث الناس سئموا منها، كما أشار برّي، وفي الحصيلة طار الحوار ولا جلسات في ما تبقّى من العام الحالي.
والسؤال المطروح: لماذا لم تُعقد جلسة الخميس المقبل؟ هنا، يشير أحد المقرّبين من رئيس المجلس الى مؤشرات دولية تشي بتسوية، وذلك ما تبلغه من السفيرتين الفرنسية آن غريو والأميركية دوروثي شِيا، ولهذه الغاية لا يريد بري تحديد جلسة لجملة اعتبارات منها فترة الأعياد، والأهم أيضاً الإستياء العارم من جلسات انتخاب الرئيس، وكل ما يواكبها من أجواء غير مألوفة على كل الصعد.
في السياق، تقول مصادر سياسية مطلعة لـ"النهار"، إن أجواء الساعات الماضية كانت قاتمة داخلياً ودولياً على صعيد الملف اللبناني وصعوبة انتخاب الرئيس في ظلّ الإصطفافات المحلية وحالة الإنقسام بين المكونات السياسية والحزبية، وكذلك صعوبة تسجيل أي خرق للتشاور أو التوافق على مرشح إجماع، في ظل تمترس كل فريق خلف مواقفه التي "لا تُحرق ولا تُغرق" بالنسبة اليه، وتالياً معظم العائدين من الخارج، وتحديداً من باريس وواشنطن، يؤكدون أن لبنان ليس أولوية ربطاً بالحرب الروسية – الأوكرانية وتفاعلها ميدانياً واقتصادياً، وصولاً الى التدهور المخيف في الاقتصاد الأوروبي وحتى الأميركي. ولكن ما تمّ تسريبه عبر القنوات الديبلوماسية والصداقات التي تربط بعض المسؤولين اللبنانيين بكبار مستشاري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نقلوا معطيات ستبرز معالمها في وقت قريب جداً من خلال كثافة اللقاءات والاتصالات التي يقوم بها ماكرون من الدوحة الى مؤتمري بغداد وعمان، وربما بيروت إذا اقتضت الظروف ذلك، في حال حصول خرق دولي وعربي يتيح للرئيس الفرنسي زيارة العاصمة اللبنانية، بمعنى أن يكون حاملاً أجواء تُطلق التسوية ولو بعد الأعياد، في حين ثمة معلومات عن زيارة مرتقبة للأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الى لبنان خلال الأيام القليلة المقبلة لحضور مؤتمر اقتصادي تشارك فيه شخصيات عربية وخليجية تحديداً، وأُفيد أنه سيلتقي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وربما مسؤولين آخرين للبحث في الشأن اللبناني، لا سيما الاستحقاق الرئاسي، حيث تقوم الجامعة العربية باتصالات مع المعنيين عربياً ودولياً، الى متابعة مقرّرات مؤتمر قمة الجزائر وخصوصا البند المتعلق بلبنان.
وتتابع المصادر أنه في ظل كثافة الاتصالات واللقاءات الجارية شرقاً وغرباً، فالتعويل، وفق المتابعين والمواكبين، يتمحور حول الدور الأميركي – الفرنسي – السعودي، باعتباره المحرك الأساسي والفاعل لإنتاج التسوية والحل والدعم للبنان، وقد أكّد السفير ديفيد هيل خلال زيارته الأخيرة لبيروت ولقائه أحد أصدقائه القدامى، أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن أعطى هامش الحرية والتفويض للرئيس الفرنسي بشأن الاستحقاق الرئاسي والملف اللبناني بشكل عام، من هنا تلفت المصادر الى صيغة باتت في متناول ماكرون وقريبة الى حد بعيد من تسوية الدوحة، أي انتخاب الرئيس والتكليف والتأليف في سرعة قياسية، مع تعيينات أمنية وإدارية في الفئة الأولى، وذلك من خلال تسريبات تملكها مرجعيات سياسية ونيابية تقضي بانتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، وذلك لم يعد سراً وان كانت كل الاحتمالات واردة، وهذا الخيار يأتي بالتكافل والتضامن والتوافق بين واشنطن وباريس والرياض ومعظم الأطراف اللبنانية.
وتخلص الى أن الأسباب الآيلة لاعتماد هذا الخيار يعود لصعوبة ترشيح "حزب الله" للنائب السابق سليمان فرنجية، وكذلك استحالة تقريب المسافة بينه وبين رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل والحزب، وعلى رغم كل التحليلات والاستنتاجات عن خلافات عميقة مع "التيار البرتقالي"، يعتبر باسيل ممرا الزاميا لانتخاب فرنجية أو سواه. وفي المقابل، لم يعد بوسع حارة حريك المناورة والتعطيل على وقع انهيار البلد على كل المستويات، في وقت أن باريس والرياض تتخوفان من جرّ لبنان مجدداً الى منزلقات أمنية واهتزاز الأمن فيه، وما جرى أخيراً من سلسلة أحداث انما هي مؤشر خطير بأبعادها الطائفية والمذهبية، وتعطيل الاستحقاق الرئاسي يعطي البعض هامشاً لخلق فوضى شاملة يتم استغلالها على خلفية التدهور الاقتصادي المخيف، وفي الخلاصة لا مناص الا بالتسوية الشاملة وانما في موازاة ذلك وفي خضم ما يحصل في الداخل والخارج تبقى اللعبة مفتوحة على كل الاحتمالات.
وبحسب "الجمهورية" معلوم انّ الملف الرئاسي اللبناني يشكّل محط متابعة فرنسية حثيثة، ودخلت قطر أخيراً على هذا الخط، ولا شك في انّ باريس التي تشكّل الجهة الراعية للقمة، ستستفيد من مشاركة الرياض وطهران لإثارة بعض الملفات الشائكة في المنطقة ومن ضمنها الانتخابات الرئاسية في لبنان، حيث تصرّ باريس ومعها واشنطن على ان يحصل إنتاج السلطة في لبنان بما يتوافق مع المبادئ التي أُعلنت في البيان الثلاثي مع الرياض التي يشكّل دورها صمام أمان للبنانيين.
ومع تراجع دور الداخل من أجل الخروج من المأزق الرئاسي، تحوّلت كل الأنظار إلى دور الخارج المعلن منه على غرار قمة «بغداد 2»، والمضمر منه لجهة اللقاءات الديبلوماسية والكواليسية مع بعض المرشحين والمعنيين في هذا الاستحقاق. فهل تفتح القمة التي تستضيفها عمّان، الطريق إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، خصوصاً انّ أبرز المشاركين في هذه القمة يتابعون الملف اللبناني من قرب؟ وهل ستنجح باريس في تحقيق الاختراق الرئاسي من خلال اللقاءات الجانبية المتوقع ان تجريها مع العواصم المعنية؟ وهل ستتجاوب إيران مع المسعى الفرنسي أم ستتذرع بعدم التدخّل في شأن يتعلق بـ»حزب الله»؟ وهل طهران ستهدي الورقة الرئاسية لباريس أم تتطلع إلى إهدائها لواشنطن؟
ويصعب على الخارج ان يحقق الاختراق الرئاسي المنشود ما لم تصل القوى السياسية في الداخل إلى اقتناع بضرورة الخروج من الاستعصاء الرئاسي، فهل وصلت إلى هذا الاقتناع؟ وهل البحث في الأسماء التوافقية بدأ يسلك طريقه؟ وهل تشكّل قمة «بغداد 2» بداية العد العكسي لإنهاء الشغور الرئاسي؟