تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
تفاعَل الحدث المفجع الذي تجلّى في غرق “مركب الموت” وأدى الى سقوط عدد من الضحايا. وفيما أمضى لبنان، امس، يوماً من الحداد العام على الضحايا، تمّ أمس تشييع عدد منها، بالتوازي مع تواصل محاولات الإنقاذ والبحث عن المفقودين، فيما رجّحت مصادر طبّية لـ”الجمهورية” صعوبة العثور على ناجين، تتكثّف التحقيقات لجلاء ملابسات ما حصل، وتحديد المسؤوليات، بدءاً من لحظة انطلاق “مركب الموت” ووصولاً الى لحظة الغرق المشؤوم وكيفية حصوله.
من جهة أخرى، كشف مصدر عسكري لـ"الأخبار" تفاصيل انطلاقة المركب فجر السبت من نقطة تقع بين منطقتَي البحصاص والقلمون شمال لبنان، وكان ركابه يخططون للهجرة نحو إيطاليا مباشرة. وبحسب المعلومات: «تم رصد المركب عبر رادارات الجيش اللبناني، وفوراً تحرّكت البحرية البنانية باتجاه المركب بعد تحديد نقطته في البحر». يرفض المصدر الروايات التي جرى تناقلها عن تورّط الجيش في إغراق المركب «هذه روايات غير دقيقة، وهي تهدف إلى خلق بلبلة ضد الجيش اللبناني للتعمية عن المخططين والمنفذين، فالأوامر التي تعطى لعناصر البحرية تقضي بعدم التعرّض لأيّ من المهاجرين، وقد رُصدت حالات كثيرة حاول خلالها الجيش ثني المهاجرين عن إكمال طريقهم، وعندما كانوا يبدون إصرارهم كانت مراكب البحرية ترافقهم إلى حدود الـ 12 ميلاً، وهي الحدود البحرية الدولية المسموح الوصول إليها، ولم يحدث مرة أن أعيد مركب هجرة غير شرعي بقوة السلاح أو العنف».
وبشأن ما حدث داخل البحر هذه المرة، يقول المصدر: «فور اقتراب مركب البحرية اللبنانية من المركب المهاجر، رفض السائق الامتثال للأوامر العسكرية والتوقف أو العودة إلى مرفأ طرابلس، ما خلق بلبلة على المركب». ويوضح أن المركب الغارق «يعود إلى عام 1974، وهو من النوع الصغير إذ يبلغ طوله عشرة أمتار وعرضه 3 أمتار، والحمولة المسموحة له هي 12 شخصاً كحد أقصى ولا وجود لوسائل أمان فيه. لكن العدد الكبير الذي كان على متنه ساهم في زيادة الضغط على مؤخرته، ما سمح للمياه بالدخول إليه نتيجة الحمولة الزائدة، ونتيجة للحركة والفوضى التي حدثت فور وصول مركب البحرية، بالإضافة الى حركة الارتطام بمركب الجيش. كل تلك العوامل ساهمت في غرق المركب ومن عليه».
وفي هذا الإطار، أكدت معلومات خاصة أن عدد الركاب على متن المركب يفوق المتداول، ويتوقع أن يصل إلى الـ 100 شخص، بينهم ٢٥ طفلاً، وفق ما أكد مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر، لافتاً إلى أنّ كلّ الأرقام التي تنشر حول عدد الركاب غير نهائية ولا يزال من الصعب تحديد عدد المفقودين لأن من كانوا على متن المركب ليس كلهم من يعرفون بعضهم بعضاً أو أسماء بعضهم، وهو ما يطرح فرضيّة وجود مزيد من الأشخاص غرقوا دون إحصائهم. أما العدد الذي يجري تداوله على وسائل الإعلام فيرتكز على بيانات وإفادات تقدّم لدى المراكز العسكرية عن مفقودين، وبالتالي من المرجح أن يرتفع عدد الضحايا أكثر.
أما بالنسبة إلى مسؤولية المهرّبين عن المركب، فتشير المعلومات إلى أن شخصاً من آل الدندشي هو من كان يخطّط لتلك الرحلة وعمد إلى تقاضي مبالغ مالية تراوحت بين 4 آلاف و8 آلاف دولار أميركي. لكن على الرغم من المبالغ الكبيرة التي دفعها المهاجرون، إلا أن أحداً منهم لم يكن يرتدي سترة نجاة لا يتجاوز سعرها العشرة دولارات!
يذكر أنه بعيد حادثة «عبّارة الموت» في أيلول 2020، والتي انطلقت من منطقة المنية شمال لبنان، تمكنت الأجهزة الأمنية من توقيف الرؤوس المدبرة لعملية الهروب، وهم: (بشار الخير، أحمد صوفان، وأحمد علي السبسبي) الذين لا يزالون قيد التوقيف، وكانت قاضية التحقيق الأولى في الشمال القاضية سمرندا نصار قد طلبت بقرارها الظني الإعدام لهؤلاء. لكن على الرغم من الجهود التي تبذلها القوى الأمنية، وعلى رأسها الجيش اللبناني، لم تعد عملية التوقيف تتخطى فترة الشهر الواحد في معظم الأحيان، لأن الإجراءات والأحكام القضائية غالباً ما تكون متساهلة ومخفّفة بحق هؤلاء المهربين.
وتفيد المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» بأنّ شخصاً من آل دندشي اشترى القارب من منطقة جونية عبر وكالة بيع، وأنّ عملية الشراء تمّت بعد اتفاق عدد من العائلات كانت تنوي الهجرة بهذه الطريقة بعدما دفعوا مبلغ 50 ألف دولار ثمناً له، وتقاسم ركّاب القارب الذين بلغ عددهم 75 راكباً ثمنه، قبل أن يحدّدوا الساعة الصفر وموعد تجمّعهم ومكانه قبل إبحارهم. وذكرت المعلومات أنّ بعض الركاب كانوا يدفعون ما يتوجّب عليهم من مال في اللحظات الأخيرة قبل الصعود إلى القارب.
يعزّز صدقية هذه المعلومات أن معظم الركّاب ليسوا من الفقراء، بل هم مرتاحون مادياً، كما يقول أشخاص فقدوا أقرباء لهم كانوا على متن القارب. من بين هؤلاء، سمر قالوش، ابنة بلدة المجدل في عكار والموظفة في صيدلية هوشر في القبة، إذ إنها «كانت تتقاضى راتباً جيداً، كما أنّ ابنها المقيم في أميركا لم يكن يبخل عليها في شيء، وكانت تحضّر أوراقها للسفر إليه بعد شهرين، ما أثار الاستغراب حول سفرها على هذا النحو».
غير أنّ محمد سبسبي لم يكن مرتاحاً مادياً كما بقية ركّاب القارب، فهو عقد خطوبته على فتاة قبل ثلاثة أيّام من سفره، ووعدها بأنّه سيعود سريعاً إلى لبنان ليذهبا معاً إلى بلد آخر أفضل لهما من حيث العيش وفرص العمل وتأمين المستقبل، لكنّ الفتاة التي كانت قبل 3 أيّام تتقبل التهاني بخطوبتها على محمد، باتت اليوم تتقبل التعازي برحيله. ومثل محمد، كان هناك على متن القارب عامل تنظيفات، وأجير وبائع جوّال على عربة.
إلى هؤلاء أيضاً كان هناك جندي في الجيش اللبناني من آل الجمل، يروي مقرّبون من عائلته أنّهم جميعاً وهم تسعة أفراد، الأب والأم وابنان وزوجتاهما و3 أطفال، باعوا كلّ ما يملكون من منزلين وفرش وذهب وسيارات، وخاضوا غمار البحر، لتكون النتيجة أنّ الأم عادت جثة هامدة، بينما مصير بقية أفراد العائلة لا يزال مجهولاً.
أقرباء هذه العائلة يسألون باستغراب كيف خاطر أفرادها برحلة على متن قارب غير آمن وغير مؤهّل لرحلات بعيدة، ولماذا لم يشتروا سترات واقية من الغرق، أقلّه لأطفالهم، وهي لا تكلّف الكثير بينما أنفقوا أموالاً طائلة لهذه الرحلة، وهل هم لا يدركون مخاطر الرحلة أم أنّه جرى استغلالهم من قبل المهرّبين؟
هؤلاء المهرّبون الذين أوقف بعضهم سابقاً ازدهرت أعمالهم في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ بداية تفاقم الأزمة المعيشية والانهيار المالي قبل أقل من 3 سنوات. تلفت مصادر أمنية متابعة لـ»الأخبار» إلى أن العام الماضي «شهد نشاطاً ملحوظاً لأعمالهم إلى أكثر من الضعف، مقارنة بالسنتين السابقتين، وأنّ المهاجرين غير الشرعيين يتوزّعون بين جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية تحديداً، أغلبهم تقريباً من مناطق شمال لبنان أو يقيمون فيها».
وأضافت المصادر الأمنية إنّ هؤلاء المهرّبين «يستغلون جهل الناس وسعيهم للخروج من لبنان بأيّ طريقة، وعدم خبرتهم في البحر وكيفية السفر فيه، فيوهمونهم بأنّ السفر آمن وليس هناك أيّ خطر عليهم، لكن عندما يحين موعد السفر يتبيّن لهم أنّهم خدعوا وأن اليخت الموعود هو عبارة عن قارب بسيط».