تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
رغم شبه إجماعٍ من الأطراف اللبنانية على ضرورة الحوار كمخرج وحيد للأزمة، ورغم أهمية النقاط التي طُرحت، فشلت دعوة رئيس الجمهورية الأخيرة في جمع السياسيين اللبنانيين حول طاولة للحوار، والسبب هو نقطة واحدة.
التوقيت طبعاً هو الذي أفشل حوار بعبدا. فلقد تأخر فخامة الرئيس مدة سنتين في الدعوة إلى ذلك، بحيث بات الآن كما جاء على لسان معظم رؤساء الكتل والأحزاب: أنه بلا فائدة.
والأصح أن لا أحد يريد أن يُقدّم هدايا مجانية للعهد وتياره على أبواب الانتخابات النيابية، فنجاح أي مبادرة حوارية الآن، سيقطف ثمارها الرئيس عون وفريقه، بالدرجة الأولى.
أخطأ الفريق المحيط بالرئيس في تقدير الموقف، فبدل أن تأتي الدعوة للحوار في صالحه، صبّت في الاتجاه العاكس، ومثّلت نقطة سلبية، وزادت من فشل العهد في إجراء أي عملية إنعاش للمصالحة، مع من خاصمهم بضراوة منذ أكثر من سنتين، بدءاً بالقوات اللبنانية التي كان لها دورٌ كبير في إيصال عون إلى بعبدا، لكن صهره جبران باسيل رفض إرضاء القوات ولو ببعض الوظائف، من حصة المسيحيين التي استحوذ عليها بالكامل، وعلى قول المثل "الطمع ضر ما نفع" فكان الفراق مع القوات. وتكرّر الحال ذاته مع المردة.
تمسَك عون وباسيل بإبعاد سعد الحريري عن الحكم ومَنعِه من تشكيل حكومة، فكان لهما ما أرادا، رغم أن الحريري كان المبادر الأول في عقد التسوية التي أوصلت عون إلى بعبدا. لكن اليوم بات الشرخ بينهما كبيراً، ولم يعد بالإمكان إصلاح ما انقطع.
أما مع جنبلاط فالأمور أسهل، والسبب حرص جنبلاط على العلاقة بين الدروز والمسيحيين في الجبل. لكن جنبلاط أيضاً ليس بوارد تقديم الهدايا لباسيل الآن، خاصة أنه يخطط لتحالف انتخابي مع المستقبل والقوات.
المشكل الآخر هو مع رئيس المجلس نبيه بري، فالتسوية التي حُكي عنها سقطت. وبري متمسّك بتطبيق أحكام الدستور فيما يتعلق بمحاكمة الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر، أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فيما يرفض التيار الوطني الحر التصويت لصالح هذا المخرج في المجلس النيابي، بحجة أن هذا التصويت سيأكل من رصيده الانتخابي.
وبالتالي فالأزمة على خط بعبدا عين التينة هي العقدة الأساسية الآن التي تحتاج إلى حوار وإيجاد مخرج لعودة اجتماعات مجلس الوزراء، وفي ظل إصرار كل طرف على موقفه، يبدو أن التعطيل مستمر إلى ما بعد الانتخابات النيابية (هذا إن حصلت طبعاً) وربما حتى نهاية العهد.
كان بإمكان رئيس الجمهورية التنازل قليلاً فيما مضى، والدعوة إلى طاولة حوار، عندما جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القادة اللبنانيين في قصر الصنوبر، وربما يومها كان هناك إمكانية لأحياء التسويات مع جميع الأطراف، وإنقاذ العهد من كبوته وإنقاذ لبنان من محنته، فيومها كان باقٍ للرئيس نصف ولايته، وليس تسعة أشهر فقط كما هو الحال الآن، وكان من الصعب على جميع الأطراف رفض الدعوة إلى الحوار .
أمّا اليوم فقد فات الأوان على ذلك، وبات على اللبنانيين انتظار ما سيحمل إليهم هذا الصيف من تفاهمات دولية، قد تُسفر عن اتفاق جديد، وعهد جديد، يبدأ معه انتعاش لبنان. لكن إذا لم يحصل الاتفاق الدولي، فإن حرارة الصيف ستزيد من حرارة جهنم القائمة في لبنان، ولن يُطفئها ثلج المساعدات الانسانية، ولا القليل الذي ستُقدّمه بعض الصندوق ، ولا وعود الإصلاح الكاذبة، واللبنانيون يعلمون جيداً أن لا أحد يهتم لشؤون المواطنين الحياتية، وها هي الدولة ككل مرة يتم تعطيلها، من أجل وزارة أو وزير أو حتى تمرير قرار أو مرسوم.
بند واحد يمكن أن يُنقذ لبنان، ولا قيمة لأي خطة إصلاح أو مشاريع موازنة أو قوانين كابيتال كونترول، أو مفاوضات مع صندوق النقد، أو تعاميم لحاكم مصرف لبنان، فما فائدتها كلها طالما هي لا تُطبّق.
الخطوة التي يمكن أن تُنقذ لبنان هي الاتفاق على بناء الدولة القادرة فعلاً على اتخاذ القرارات وبسط سيادتها على كامل أراضيها وكل مواطنيها، بحيث لا يبقى فيها جُزر أمنية أو أشخاص فوق سيادة القانون، وفقط حين ذاك يصبح هناك قيمة لخطط الإصلاح، والنهوض الاقتصادي، وغيره من بحث في اللامركزية، وتطوير الصناعة، والزراعة، وغير ذلك.
فالحل يبدأ وينتهي ببناء الدولة، وكل ما عدا ذلك مضيعة للوقت، لكن الرئيس عون عالق في تحالفه مع حزب الله، الذي لديه مشروعه الخاص وتحالفاته الإقليمية، فلا يمكن لعون الخروج من التحالف، ولا يمكنه الفرض على حليفه بتسليم سلاحه، والقبول بمشروع الدولة، ولهذا السبب فمعاناة لبنان ما زالت طويلة.