تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
من الواضح أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يستعجل فتح النار ضدّ رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والمحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار . فالرئيس الثاني كان يعتقد أنّ هناك فرصة لا تزال سانحة لترتيب الوضع والفوضى القائمة في العدليّة.
لكن بعد مرور الوقت، باتت الصورة جليّة بالنسبة إليه: لم يعد الفريق العوني جزءاً من الحلّ، لا بل هو جزء من الإشكالية! وهنا بيت القصيد.
الفوضى القضائية غير المسبوقة في تاريخ العدليّة سببها فرز قضاتها مذهبيّاً وطائفيّاً بشكل يُفقد هذه السلطة صدقيّتها ومكانتها، لتصير مرآةً للصراع السياسي القاتل. والدليل على ذلك أنّ كلّ الدعاوى القديمة والجديدة ستكون حلقات إضافية في مسلسل الحرب المفتوحة بين القوى السياسية فحسب. والمرجّح أن تشتدّ أكثر مع انعدام التوافق على أيّ تسوية قد تُرضي كلّ الأطراف بعدما جرى تضييع الفرصة التي أتاحتها المبادرة التي قادها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في عيد الاستقلال، والتي ظنّ البعض أنّها ستؤدّي إلى فصل مسارات التحقيق لإلحاق السياسيين بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مقابل بقاء القاضي البيطار في موقعه محقّقاً عدليّاً.
لا تزال تلك المحاولة في ذهن رئيس مجلس النواب نبيه بري حتى اللحظة. هو الذي خرج فجأة عن هدوئه المعتاد ليصف المحقّق العدلي بـ"المتآمر" في هجوم كان الأول والأعنف له، من دون أن يوفّر القاضي عبود من تصويبه المباشر.
لا يتردّد برّي في استعادة شريط أحداث تلك المبادرة أمام مَن يلتقيهم، مؤكّداً بحسب "أساس" أنّ رئيس الحكومة كان جادّاً في محاولته، حين تولّى الاتصال برئيس مجلس القضاء الأعلى على مسمع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ليستوضح منه مدى قدرة الهيئة العامة لمحكمة التمييز على تحقيق هذا الفصل وإعادة السياسيين إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. فطلب القاضي سهيل عبود من ميقاتي التواصل مع رئيس الجمهورية. عندها سلّم ميقاتي هاتفه لرئيس الجمهورية الذي بدا حريصاً على التأكّد فقط من أنّ هذا المخرج لا يتنافى مع مقتضيات القانون.
وعلى هذا الأساس انفضّ الاجتماع الثلاثي الذي خرج منه الرؤساء الثلاثة بانطباع أنّ الهيئة العامة لمحكمة التمييز ستتولّى وضع حدّ للصراع السياسي الحاصل الذي يكاد يأخذ البلاد إلى مطارح خطيرة. إلا أنّ اللقاء، الذي جمع ميقاتي في اليوم التالي مع وزير العدل هنري خوري، بيّن أنّ اتفاق بعبدا لم يصمد أكثر من دقائق قليلة، وأنّ ثمّة مَن يرفض تحقيق هذه التسوية لكي يبقي يدي البيطار طليقتين.
لا صلح ولا تسوية
إذاً لا مكان للصُلح. لا مبادرات ولا محاولات جدّيّة للتخفيف من حدّة التوتّر. ولا يبدو أنّ الرئيس برّي بصدد القيام بأيّ خطوة من شأنها أن تلبّي مطلب الفريق العوني بعقد جلسات لمجلس الوزراء.
في الأساس ميقاتي ليس متحمّساً، ويُنقل عنه أنّ بعض الوزراء، ولا سيّما في المواقع الخدماتية والأساسية، يقومون بمهامّهم على أكمل وجه وكأنّ مجلس الوزراء ينعقد يومياً. وبالتالي لن يغيّر انعقاد مجلس الوزراء كثيراً في المشهد السياسي أو الاقتصادي. ولا يبدو أنّ الثنائي الشيعي أو رئيس الحكومة بصدد ملاقاة الفريق العوني إلى نصف الطريق، أقلّه في هذه الأيام.
هكذا غرقت التحقيقات في قضية المرفأ، ومعها الحقيقة، في مستنقع الصراعات الداخلية غير المعزولة عن الضغط الخارجي ومصالح بعض الدول المعنيّة. الأسوأ من ذلك أنّها تحوّلت إلى ورقة يلعبها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على مرأى من أهالي الضحايا والموقوفين. الأمر الذي يدفع "حزب الله" إلى العضّ على الجرح، والانتظار، لأنّه وإن كان حريصاً على علاقته بباسيل، إلا أنّه لن يساوي "الابتزاز" الذي يمتهنه جبران راهناً، بالدعم التاريخي الذي قدّمه له ميشال عون خلال عدوان تموز 2006، ليقبضه لاحقاً أصواتاً رئاسية في الصندوقة الانتخابية. فيما باسيل يستخدم ورقة الشارع تحت عنوان المزايدة التي يطوّقه بها خصومه، ليصبّ الزيت على النار أكثر.
توقيت خوري الغامض
في هذه الأثناء، تقدّم المحامي العام التمييزي، القاضي غسان الخوري، بدعوى مداعاة الدولة أمام الهيئة العامة التمييزية ضد الغرفة السادسة من محكمة التمييز برئاسة القاضية رندة كفوري بعدما كفّت في 25 تشرين الثاني، يده عن ملف المرفأ، بفعل دعوى مقدمة من نقابة المحامين. وفي توقيت غامض طلب الخوري التراجع عن قرار كفوري "نظراً للخطأ الجسيم الذي يؤدي إلى تعطيل عمل النيابات العامة"، و"لأنّ قرار كفوري قبول الدعوى لمجرّد إعطاء النيابة العامة رأيها، يخالف طبيعة عمل الأخيرة المفترض أن تبدي رأيها في القضايا المحالة أمامها".
السبب الوحيد الذي قد يفسّر إقدام القاضي الخوري على هذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات هو اشتداد الصراع السياسي من جانب المعترضين على سلوك المحقّق العدلي طارق البيطار، ومن خلفه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، والذي تجلّى أخيراً بإصرار المحقّق العدلي على توقيف الوزير السابق علي حسن خليل. وقد استتبع بإشارة النيابة العامة التمييزية بتنفيذ مذكّرة التوقيف فور انتهاء دور العقد العادي لمجلس النواب، أي مطلع عام 2022.
هذا ويُتوقّع أن يتمّ تبليغ القاضي البيطار بطلب إعادة النظر في دعوى ردّ أعاد التقدّم بها أمام رئيس الغرفة الأولى في محكمة التمييز القاضي ناجي عيد كلّ من الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر. لأنّ عيد بات المرجع المختصّ بطلبات الردّ. ويُفترض أن يُصار إلى كفّ يدي البيطار في الساعات المقبلة، بانتظار أن ينظر القاضي عيد في مضمون الدعوى التي رُفِضت في المرّات السابقة بالشكل "بسبب عدم الاختصاص".