تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
سبق وكتبنا عن طبيعة الحكم الذي تمارسه هذه السلطة واصطلحنا على تسميته بمصطلح"الديمقراطيّة التعطيليّة"، واستكمالاً للطرح السابق تبدّى لنا أنّ الممارسة فرضت نهجًا لهذه الديمقراطيّة التي ابتدعها العقل اللبناني الشرير، وتمّ وضع هذا النّهج تحت مسمّى " الميثاقيّة". وأمام هذه الأساليب المبتدَعَة بالقانون والدستور تمّ ضرب نظام الحكم في لبنان، والنّظام الذي قام على هذه الأسس نظام تمّ وضع له أسس خاصّة جعلته عصيًّا على المحلّلين والمفكّرين السياسيّين. أمام هذا الواقع السياسي بتنا اليوم في بلد فيه رئاسة ولا تترأس، وفيه حكومة ولا تحكم، وفيه مجلس نيابي ولا يشرّع. لكن الاشكاليّة المطروحة تبقى: ذلك كلّه خدمةً لمَن ؟ ومَن هو المستفيد؟
هذا النّهج الذي ابتدعته هذه المنظومة السياسيّة تحت مسمّى الميثاقيّة انطلاقًا من طبيعة التركيبة اللبنانيّة الطوائفيّة جعل مفاتيح الحكم بيد الأقليّة السياسيّة. وجهدت هذه المنظومة لتأمين غطاء أمني – تخويفيّ لها ان تكون هذه الأقليّة السياسيّة، برغم كونها باتت تشكّل ما نسبته نصف الشريك المسلم في الوطن وأكثر، جهدت على تسليحها. وبالطبع استفادت هذه الأقليّة من شمّاعة المقاومة لتستأثر بحركة المقاومة كلّها حتّى بات "ح ز ب الله" اليوم يمثّل هذا الخطّ الذي يشكّل حماية عسكرتاريّة لهذه المنظومة؛ لا سيّما بعد أن سقط قناع المحتلّ السوري عنها على أثر ثورة 14 آذار 2005.
بناء على ذلك، صارت المصلحة مشترَكَة بين المنظّمة والمنظومة والهدف هو السيطرة على الدّولة. وتثبّتت هذه السيطرة مع النظام الجديد أي الديمقراطيّة التعطيليّة، والنهج الجديد لتطبيق هذه الدّيمقراطيّة أي الميثاقيّة التي تحوّلت إلى شكل لطيف من أشكال الدّيكتاتوريّة حيث تمّ القبض على الدّولة برمّـها، وصارت كلّها معتقلة في القفص الإيراني الذي يدين له بالولاء ح ز ب الله، ومن خلفه المنظومة التي يحميها.
ونتيجة لذلك كلّه،عطّلت الديكتاتوريّة المقنّعة مجلس الوزراء اليوم، ولا يمكن لأيّ دولة في العالم أو جهة مانحة ان تساعدأي بلد لا حكومة فيه. أضعف الإيمان أن يأخذ القضاء مساره الطبيعي في القضايا التي يحقَّقُ فيها كقضيّتي تفجير مرفأ بيروت وغزوة عين الرمانة مثلاً. هذان الملفّان يتمّ تعطيلهما بوساطة النهج نفسه. فأيّ دولة تسير بلا سلطة قضائيّة وسلطة إجرائيّة؟ هذا مستحيل لا بل مُحَالٌ في أيّ منطق سياسيّ للأمور. تعطيل التشكيلات القضائيّة يندرج في المسار عينه. فيتمّ بذلك تعطيل أيّ إصلاحات مرجوّة، ويصبح أيّ سياسيّ أو مجرّد مرتكِبٍ لجرمٍ ما بعيدًا من المراقبة القضائيّة المفترَضَة.
ولعلّ هذا ما دفع غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى وضع مصير الانتخابات النيابيّة والرئاسيّة المرتَقَبَة تحت مقصلة النهج الميثاقي نفسه والذي على ما يبدو سيؤدّي إلى المصير نفسه، أي التعطيل. والخوف هنا أيضًا يكمن في قدرة هذه السلطة أن تضع الشعب المنهوبة أمواله امام معادلة: إمّا القبول بكابيتال كونترول يؤمّن ملاذًا آمنًا لشركائها من خلال فرض عليه أن يكون شريكًا في الخسائر، وإمّا أن يخسر كلّ شيء.
والتمثيليّة الكبرى لهذه المنظومة في موضوع التدقيق الجنائي الذي يطفو على الواجهة السياسيّة غبّ الطلب السياسيّ تكمن أيضًا في عرقلتها أيّ عمل تشريعي قد يساهم في الوصول إلى حقيقة ماليّة ما. ذلك كلّه تحت ستار الميثاقيّة التي لا يمكن أن تستمرّ لأنّها ستؤدّي حكمًا إلى تدمير النهج الحقيقي للديمقراطيّة الطبيعيّة الذي يقوم على أكثريّة تحكم وأقليّة تعارض. لا على أقليّة ضمن الأكثريّة تتحكّم بكلّ شيء في البلد بعد أن أمّنت لها هذه الأكثريّة غطاءً شرعيًّا سياسيًّا لسلاحها غير الشرعي.
المطلوب اليوم واحد وهو استعادة الحياة الديمقراطيّة الطبيعيّة ليستطيع القضاء أن يحكم من دون أن يُعَطَّلَ، ولتستطيع الحكومة أن تأخذَ القرارات التنفيذيّة من دون أن تُعَطَّلَ أيضًا، وليستطيع المجلس النيابيّ أن يشرّع من دون أن يكون تحت مقصلة التعطيل. وهذه الحياة لا تُستَعَادُ إلا بنزع الأغطية السياسيّة عن هذه الأكثريّة بوساطة العمليّة الانتخابيّة الديمقراطيّة، أي في الانتخابات النيابيّة. أمّا إن نجح هذا الدويتّو بتعطيل الانتخابات مستخدِمًا النهج نفسه، فلا يبقى أمام النّاس الذين استعادوا رشدهم السياسي، ولقد باتوا كثرًا، أن يقلبوا الطّاولة على رأس هؤلاء جميعهم ليفرضوا واقعًا سياسيًّا جديدًا مستفيدين من أيّ دعم إقليمي ودوليّ للقضيّة اللبنانيّة.
وعلى وقع ولادة الصيغة اللبنانيّة في العالم تحت قبّة كنيسة " سيّدة العرب" في المنامة، عاصمة مملكة البحرين يمعن أصحاب هذا النهج في إسقاطها في مهدها أي في لبنان. هؤلاء هم المستفيدون من تثبيت هذا النهج، خدمة لمشاريعهم الأيديولوجيّ’ التي لا تمتّ إلى الكيانيّ’ اللبنانيّة بأيّ صلة. وهذا ما لن نسمح به طالما حيينا. ولا يسألنّنا أحد كيف، لأنّ الذين يحملون مفاتيح قبورهم في جيوبهم، حتّى الموت يخاف من مواجهتهم.
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.