تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
-" د. ميشال الشمّاعي "
ما حصل البارحة في نقابة أطبّاء الأسنان هو نقطة سوداء تسجّل في الحياة الديمقراطيّة التي باتت شبه مفقودة، وذلك بفعل الفئة نفسها التي ابتدعت نهجًا ديمقراطيًّا خاصًّا بها اصْطَلَحْتُ على تسميته في كتاباتي السابقة ب " الديمقراطيّة التعطيليّة". وذلك تحت ستار حكومات الوحدة الوطنيّة التي أثبتت عقم إنتاجيّتها، وأدّت إلى ما وصلنا إليه. فما هو السبيل للتغيير في ظلّ هذا الستاتيكو؟ وهل ستتمكّن القوى التغييريّة من الحكم في حال نجحت بتحقيق التغيير المنشود؟
في معلومات خاصّة لموقع الثائر، حول حقيقة ما جرى في النقابة؛ فعلى أثر مطالبة مرشّحة حزب الكتائب اللبنانيّة بإجراء فرز يدوي بعد تأخّر الفرز الإلكتروني بسبب عطل تقني، تدخّل عناصر تابعين للثنائي الحاكم، أمل وحزب الله، بعضهم لا ينتمون إلى النقابة، وبعضهم الآخر أطبّاء أسنان معروفة هويّتهم؛ وذلك بحجّة وجود مواطنين مع لائحة الثورة لا ينتمون بدورهم إلى النقابة أيضًا، فساد القاعة هرج ومرج قام عناصر الثنائي بعدها بتكسير الصناديق ما أدّى إلى إلغاء الانتخابات برمّـها.
فإن دلّ ذلك على شيء فهو يدلّ حتمًا على المنهجيّة التي سيتعامل بها ممتلكو فائض القوّة بوساطة سلاحهم غير الشرعي، مع نتائج أيّ انتخابات مقبلة قد لا تكون لصالحهم. أمام هذه الواقعة الجزئيّة في موقع حدوثها، والعامّة بنتائجها، تُطرح إشكاليّة الانتخابات النيابيّة القادمة، وفيما إذا كانت إمكانيّة إجرائها ما زالت قائمة. أو حتّى في حال أجريت تحت مختلف الضغوطات التي يتمّ الحديث عنها، مع إمكانيّة إبطال نتائجها بفعل فائض القوّة غير الشرعي.
هذا كلّه على وقع دعوات وجّهتها المجموعات الشعبيّة الثورويّة بدءًا من فترة بعد ظهر الأحد، لإعلان العصيان وإقفال شوارع بيروت وطرابلس الرئيسيّة والمدن اللبنانيّة كلّها اليوم الإثنين. فالنّاس لم يعد باستطاعتهم انتظار عجلة المؤسسات الديمقراطيّة للتغيير، لا سيّما بعدما تجاوز سعر صرف الدّولار ال 25000 ليرة لبنانيّة. وبات الحدّ الأدنى للأجور بالكاد يوازي العشرين دولار أميركي. لكن أمام هذا الواقع غير المنظّم لهذه المجموعات، يُستَبعَدُ أن تستطيع تسجيل خرق تغييري يسبق التغيير المؤسّساتي. لكن يبقى انتظار غير المنتظر هو سيّد المواقف في الساحات كلّها.
ويبدو أيضًا أنّ هذا الأسبوع سيكون حافلاً أمام هذه الوقائع، ما قد يضع المعطِّلِين المعروفين أمام واقع جديد قد يصبحون أمامه مجبورين بالإفراج عن الحكومة المعتقَلَة في سجن قوّتهم، لأنّ الجوع بات عامًّا. لكن هذه الحكومة التي باتت بشبه المستقيلة لن تستطيع أن تنقذ لبنان إنقاذًا جذريًّا، بل على الأقلّ قد تسير العجلة الإقتصاديّة نحو العمليّات التفاوضيّة الإقتصاديّة، لا سيّما مع صندوق النقد الدّولي الذي لن يتحدّث إلا مع سلطة شرعيّة، يبدو أنّها جهدت لتطيير التدقيق الجنائي عمدًا للوصول إلى الفراغ الإقتصادي الذي بات مطلبًا من مطالب القوى المسيطِرَة.
والسبب الرئيس الذي عطّل الحكومة هو تحقيق القاضي بيطار الذي لم توفّر المنظومة الحاكمة أيّ جهد لتطييره. لكن على ما يبدو أنّ القضاء اللبناني ما زال صامدًا أمام هذه الهمجيّة الوقحة. لا بدّ لهذا الستاتيكو أن ينكسر من مكان ما؛ حيث بتنا في سباق بين التطيير والتغيير. ويبدو أنّ غضب النّاس لن ينتظر كثيرًا، وهذا ما سيضع المنظومة الحاكمة في حالة سباق منهجي مع مَن تسعى إلى إخضاعهم بتجويعهم. وفي الوقت عينه، يضع دويتّو المنظّمة والمنظومة شرط تطيير المحقّق العدلي ليحرّر الحكومة المعتقَلَة.
من هنا جاءت صرخة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بدعوة إلى فصل السلطات كلّها، ولتمارس كلّ سلطة دورها باستقلاليّة تامّة. وعدا ذلك نكون أمام واقع انتحاريّ. من هنا، تبدو قوى التغيير الحقيقي بحالة كودرة مستمرّة على وقع تجدّد الاتّصالات بين أقطاب 14 آذار السابقين، أي القوات اللبنانيّة والحزب التقدمي الإشتراكي وتيار المستقبل. وذلك من خلال إعلان نوايا بدا واضحًا بأنّ÷ سيشكّل خارطة طريق لإعادة إحياء التحالف القديم.
فهذه القوى التغييريّة مزمعة على الحكم إن وصلت. ولن تقبل بتكرار تجارب الماضي مهما كان الثمن. لكن الإشكاليّة الكبرى ستكون في حال إصرار الفريق الحاكم اليوم على هدم الهيكل قبل الوصول إلى الإستحقاق الإنتخابي؛ لذلك يعمل الدويتّو جاهدًا على تمديد المهل عساه يتمكّن من تحقيق هدفه المنشود. والتغيير الذي يريده هذا الدويتّو لن ينجح بالقوّة، ونموذج نقابة أطباء الأسنان أمس لن يمرّ مجدّدًا. تغيير الصيغة والهويّة والوجه اللبناني لن يمرّ. قالها غبطة البطريرك. ولن نضحّي بلبنان كرمى عيون أحد. هويّتنا الأساسيّة لن تضيع، وقيمة لبنان الحضاريّة ستبقى، وسنحافظ على هذا الواقع. وما رأيناه البارحة وما قد نراه في الأيّام القليلة القادمة لن يمرّ. ومن له أذنان للسماع ... فليسمع !