تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
كادت أن تكون القضيّة اللبنانيّة أمّ القضايا اليوم في منطقة شرق المتوسّط بالنّسبة إلى دول القرار، إلا أنّ التموضع السياسي الذي وضعت به هذه السلطة الدّولة اللبنانيّة ككلّ، حوّر اهتمام دول القرار نحو دول أخرى، لعلّ أهمّها العدوّ التاريخي للبنان أي إسرائيل. وهذا ما يطرح إشكاليّة كبيرة حول تقاطع المصالح بين هذه السلطة والعدوّ الإسرائيلي. فهل هذا وليد صدفة دوليّة –إقليميّة أم أنّ ذلك من ضمن المخطّطات المدرجة للبنان في الخمسين سنة القادمة؟
بدت لافتة الحركة الديبلوماسيّة الفرنسيّة التي تسعى إلى تليين الموقف السعودي من لبنان في زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى الرياض. فرنسا تستخدم رصيدها الديبلوماسي بالكامل لأنّ الرئيس الفرنسي لا يريد أن يفشل ديبلوماسيًّا. فهو يبحث عن تسجيل نقاط قد يستخدمها لصالحه في الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة، لا سيّما وأنّه يتلقّى دعمًا مطلقًا من نظيره الأميركي الذي على ما يبدو أنّ اهتماماته انتقلت إلى وسط غرب آسيا بعد الانسحاب الأخير من أفغانستان. جيوبوليتيكيًّا خلق دولة متطرّفة تحدّها ستّ دول وسط غرب آسيا يؤمّن للأميركي التدخّل غير المباشر لزعزعة أمن هذه الدّول ولخلق منطقة دائمة الاضطراب.
ويبدو أنّ هذه السلطة بغبائها باتت تؤمّن مصالح العدوّ الإسرائيلي. إن هي لا تعلم ذلك فهذه مصيبة، وإن كانت تعلم فهذه المصيبة الكبرى. عوض دعم القاضي بيطار ومساعدته في كشف جريمة المرفأ ها هي تتحايل على القانون بخزعبلات خنفشاريّة قانونيّة بتكفّ يده عن التحقيق. وهذا يعني بكلّ وضوح تواطؤ هذه السلطة مع المجرم الذي نفّذ هذا الاعتداء على اختلاف تعدّد الفرضيّات المحتملة لهذه الجريمة. وهذا ما دفع بالبطريرك اللبناني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بالتوجّه إلى المرجعيات القضائية لكي تتحرك بجرأة، وتدافع عن ذاتها والقضاة، وتضع حدًّا للخلافات بين القضاة، وتحصّن الجسم القضائي ضدّ أيّ تدخّل سياسيٍّ أو حزبيٍّ أو ماليٍّ أو طائفيٍّ.
يبقى أنّ هذه السلطة باتت سيّدة التضليل والكذب والتحايل على الدّستور والقضاء وكلّ شيء شرط أن تبقي على مكاسبها السياسيّة؛ هذا إن لم نقل بأنّها تعمل بكلّ وقاحة على زيادة هذه المكاسب بمختلف الطرق، بالترهيب وبالترغيب. ويبدو أنّها ستستغلّ هذه الحكومة التي هي من الأساس عرّابة ولادتها، بغضّ النّظر عن إنكارها ذلك. لكنّ الفرنسيّين لن يقدّموا أيّ شيء لهذه الحكومة قبل أن يلمسوا بأنّها قامت بإصلاحات جدّيّة. وهذا هو السبب الرئيسي لزيارة "بيار دوكان" منتصف هذا الأسبوع، بصفته منسق المساعدات الدولية من أجل لبنان والمفوض بمتابعة قرارات سيدر. حيث سيلتقي المبعوث الفرنسي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في زيارة لبيروت تستمر لأيام.
كذلك سرّبت مصادر موثوقة للثائر غضب قائد الجيش اللبناني من قضيّة الترسيم حيث تمّ التداول بأنّه سيستبدل الوفد العسكري بوفد تقني، ما يعني ذلك تراجعًا واضحًا لبنانيًّا. ومن حقّ أيّ لبناني أن يشكّك بهذا التوقيت المريب. فعلى ما يبدو أنّ هذه السلطة حريصة على مصالح العدوّ أكثر من نفسه، في محاولة منها لتقديم أوراق اعتماد للأميركي عسى أن يسمح لها بالاستمرار في الحكم ويحوّلها إلى مفاوِضٍ رئيسي على حساب وجع النّاس.
وعلت صرخة البطريرك اللبناني مطالبًأ من جديد بإنهاء " الحالة الشاذة التي يعيش فيها لبنان كدولة تحتاج إلى وحدة القرار والمؤسسات والقوى المسلحة." هذا الالتقاء بين بكركي والسياديّين ليس غريبًا عن الواقع السيادي اللبناني الذي على ما يبدو بأنّه سيشهد اصطفافات إضافيّة. وذلك مقابل ثلّة من المضلّلين الذين يعملون على عرقلة مسيرة المواطنين نحو الولاء للوطن خدمة لولائهم لحزب الله صاحب العقيدة الأيديولوجيّة التي يريد بناء لبنانه على قياسها. وقد نجح هؤلاء مع بعض اليوضواسيّين حيث انتزعوا منهم الحرّيّة التي وهبهم إيّاها ربّ السماوات مقابل مكاسب أرضيّة رخيصة لن يأخذوا معهم منها شيئًا.
يبدو أنّ هذه ليست صدفة إنّما خطّة يُعمَلُ لها منذ ما بعد العام 2006، واستصدار القرار 1701 الذي حوّل المقاومة الاسلاميّة إلى حرس حدود للحدود الإسرائيليّة، ولن نتمكّن كلبنانيّين سياديّين من إثارة القضية اللبنانية عربيًّا ودوليًّا، توصّلا نحو طرح موضوع حياد لبنان الذي يبقى الضامن لنجاح جميع الحلول إلا إذا استطاع اللبنانيّون توحيد موقفهم من الحقيقة في لبنان أولا، ومن القضيّة اللبنانيّة ككلّ التي تبدأ بما قاله البطريرك الراعي: “لبنان بحاجة إلى التحرّر من المضلّلين والكذبة الذين يستغلّون طيبة الشعب بالكلام المعسول فيما هم يمعنون في الفساد، ونهب مال الدولة، والتفلّت من الضرائب، فإذا بالدولة تنهار والشعب ينوء تحت ثقل الفقر."
ويبدو أنّه في ظلّ هذا الانقسام العامودي الذي صار واقعًا سياسيًّا مُعاشًا سيبقى لبنان بحالة تجمّد سياسيٍّ ولن تتمكّ، الديبلوماسيّة الأوروبية من تسجيل سوى بعض الخروقات الاجتماعيّة ليس أكثر، بانتظار الحلول الكبرى للمنطقة والتي على ما يبدو أنّها باتت وشيكة. وعلى جبهة السياديّين التي بدأت تتشكّل نواتها أن تعمل على رصّ صفوفها أكثر لا سيّما في المحافل الدّوليّة، وعلى أن تكون مشاركتها بالانتخابات النيابيّة مشاركة واضحة تحت مشروع سياديّ واضح لتتمكّ، من فرض أمر واقع جديد بالسياسة كي لا تنزلق الأمور إلى ما قد لا تحمد عقباه. "والشاطر يخلّص نفسو".