تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " الهام سعيد فريحة "
في حضرةِ الموتِ الكبيرِ، ليسَ لنا إلاَّ أن ننحنيَ إجلالاً ونُصلّي…
في حضرةِ الموتِ الكبيرِ، كلمةٌ واحدةٌ نقولها لكم يا أولادنا وأحفادنا وإخوتنا،
يا مَنْ وهبتمْ الأرواحَ على مذبحِ الشهادةِ، والابتسامةُ تغمرُ وجوهكم الطيّبةَ: سامحونا!
سامحونا لأننا سنتابعُ حياتنا هنا،
ولأنكمْ ستتابعونَ موتَكمْ هناك…
سامحونا إذا أخذتنا الحياةُ أحياناً، وتَلهَّينا عن حزننا الكبيرِ أحياناً…
ولكنْ، وَعدُنا لكم، وبكلِّ صِدقٍ ورجاءٍ:
لن ننسى شهادتَكمْ ما حَيينا، ولن نفرِّطَ بأمانةِ دمائكم،
على عهدِكم باقونَ، وبكمْ سننتصرُ…
***
عشيةُ الذكرى، بعضٌ من التأمُّلِ: هذهِ المجزرةُ المرعبةُ، في 4 آب 2020، هل جاءت معزولةً عمَّا قبلها وعَمَّا بَعدها، أم هي حلقةٌ في مسارِ الفسادِ الذي يبدأُ ولا ينتهي؟
أليستْ المجزرةُ تتويجاً لـ 25 عاماً، على الأقلِ، من إنتهاكِ الدستورِ واستباحةِ القوانينِ والاستقواءِ على الناسِ وامتهانِ الكراماتِ؟
ألا تحملُ المجزرةُ توقيعَ فاسدي الفسادِ الذينَ أوصلوا البلدَ إلى الكارثةِ؟
ألا يتهرَّبُ هؤلاءُ اليومَ من مسؤولياتهم عنها، كما يتهرَّبونَ من كلِّ مسؤولياتهم عن كلِّ مجازرِ النهبِ والإفقارِ والتجويعِ؟
***
إنه أخطبوطٌ واحدٌ، أخطبوطُ الفسادِ القاتلِ، أوصلنا إلى 4 آب، وما بعد 4 آب...
ولطالما كتبْنا، ورفعْنا الصوتَ كأيِّ مواطنٍ يتحمَّلُ المسؤوليةَ وصاحبِ ضميرٍ،
ولطالما حذَّرْنا من الكوارثِ الآتيةِ، لكن أحداً لم يسمعْ النداءَ…
واليومَ، في الذكرى الجليلةِ، وفي حضرةِ الشهداءِ، نقولها لكم مرّةً أخرى يا منظومةَ السلطةِ والفسادِ:
في مساركم هذا، الذي تصرُّونَ عليهِ، نحنُ ننزلقُ إلى كوارثَ جَماعيَّةٍ لا تقلُّ فظاعةً عن 4 آب…
فسادُكم يقودُ إلى موتِ شعبٍ بكاملهِ…
فأيُّ ذَرَّةٍ من ضميرٍ بقيتْ عندكم؟
حتى الوحوشُ، في شريعةِ الغابِ، تأكلُ حاجتها من الفريسةِ وتشبعُ… وأما أنتم فلا تَشبعونَ!
***
عهدٌ علينا يا أهلنا الأحبَّةَ الذين طَواكُم الترابُ في 4 آب،
وعهدٌ علينا يا كلَّ الجرحى والمتألمين،
يا كلَّ الذينَ بقيت في أجسادكمْ وعيونكمْ ونفوسكمْ بصماتُ الجريمةِ،
ويا كلَّ الذينَ خسرتمْ المنزلَ والرزقَ وجنى العمرِ وأحلامَ المستقبلِ،
عهدٌ علينا أَلا نكُلَّ ولا نَمَلَّ حتى إحقاقِ الحقِ والعدالةِ،
وستبقى دماؤكم وأوجاعكم أمانةً غاليةً في أعناقنا…
ومعنا ستصلي وتنتفضُ وتغضبُ كلُّ بيروتَ، وكلُّ لبنانَ، وكلُّ لبنانيٍّ شرَّدهُ الفسادُ في أقاصي الأرضِ...
***
ألفُ زهرةٍ لطيبِ ذكراكمْ، يا أطفالَ البراءةِ وصبايا الورودِ،
وألفُ إكليلِ غارٍ على جبينكم يا أبطالَ الإطفاءِ،
وألفُ قبلةٍ لذكراكمْ يا كلَّ أبٍ وأمٍ، وأخٍ وأختٍ، وحبيبٍ وحبيبةٍ، وجدٍّ وجدَّةٍ، تركوا الأحبَّةَ قسراً... ورحلوا إلى دارِ الخلودِ...
قضيتُكمْ هي قضيتنا، هي قضيةُ الوطنِ،
ونَكبتكمْ هي نكبةُ الوطنِ بكاملهِ.
وبشهاداتكم الغاليةِ، وبسواعدِ أبناء شعبنا الحضاريِّ الأصيلِ، سنتابعُ المسيرةَ حتى ننقذَ الوطنَ مهما تجبَّرَ الظالمونَ.
وكونوا على ثقةٍ بأن لبنانَ الذي باركهُ الربُّ سيعودُ،
وسيبرأُ من الفسادِ، ويتحرَّرُ من الفاسدينَ.