تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
=== خاص "الثائر"===
- " د. ميشال الشمّاعي "
لم يكد اللبنانيّون يهنؤون بلحظة هدنة أمنيّة حتّى عادت الفتنة وأطلّت برأسها من بوّابة خلدة/ الأوزاعي، على خلفيّات ثأريّة بين عرب خلدة وحزب الله المتمركز بسراياه المقاوِمة هناك، إضافة إلى الدّعم الذي حصل عليه ممّا يعرَف عنده بكتيبة الرّضوان. ولا يستخفّنّ أحد بما حصل البارحة وبتداعياته السياسيّة. لا سيّما في ملفّ تشكيل الحكومة التي قد تصبح تحت شرط جديد من شروط المُسَيطِر على الدّولة، أي ح ز ب الله.
وعلى ما يبدو أنّ هذا الملفّ سيشهد اليوم على وقع اللقاء بين الرئيسين عون وميقاتي توتّرًا جديدًا، لكن هذه المرّة من طبيعة أمنيّة، إذ بقبول الرئيس ميقاتي هذا الواقع يعني ذلك أنّه سلّم بخضوع منظومة الدّولة من جديد لمنظومة السلاح المتفلّت بقيادة ح ز ب الله. وبالطبع هذه مسألة لن تكون مساعِدَة لميقاتي من حيث دعم المجتمع الدّولي لحكومته الموعودة. مرّة جديدة ذكّرنا هذا الحزب في أيّ دولة نعيش، وتحت أيّ كنفٍ اليوم نحاول بناء هذه الدّولة.
من هنا بالذّات يقارب المجتمع الدّولي أداء المؤسسات الأمنيّة التي يدعمها، ولكنّها مقوّضة سياديًّا إذ لا تستطيع أن تضرب بيد من حديد اليد التي تحمل السلاح غير الشرعي. وهنا لبّ المشكلة التي باتت تهدّد وجوديّة الكيان اللبناني. فالمشكلة الأساسيّة أنّ هذا السلاح لا يرتبط بوجوديّة الدّولة لأنّه لا يُستعمَل لهذه الغاية فقط، بل يُستعمَل عند كلّ مفترَق يهدّد وجوديّة هذا الحزب بالذّات، أو أيّ جماعة تحمله. والأدهى من ذلك هو الارتباط الإقليمي لهذا السلاح بمشروع أيديولوجي ما وراء الحدود اللبنانيّة. وهنا أيضًا بيت القصيد في إشكاليّة وجوده.
ذلك كلّه يفضي إلى استنتاج وحيد: أنّ السلاح المتفلّت يقوّض سيادة الدّولة وقدرة أجهزتها الأمنيّة وجيشها القويّ. وهذا ما قد يعرّض المساعدات التي تتلقّاها هذه الأجهزة لخطر الزوال لأنّها غير قادرة على القيام بدورها. وبالطبع هذا ما لا يريده لا الجيش ولا أيّ جهاز أمني، لأنّه سيكون بمثابة قطع الأوكسيجين عن عسكرهم وضبّاطهم لا سيّما في هذه الظروف القاسية. لكن على ما يبدو أنّ المجتمع الدّولي لن يتهاون بعد اليوم في هذه المسألة لأنّها تطال الدّولة في سيادتها الكاملة على أراضيها. وهذا ما سيعرّضها بالكامل لموضوع عقوبات جديدة هي بالغنى عنها وسط أزماتها كلّها.
من هذا المنطلق، لن نستطيع درء أيّ فتنة في لبنان إلا إذا استعادت الدّولة سيادتها كاملة على كلّ شبر من أشبار ال 10452 كم2. وذلك لا يكون إلا ب "ضبضبة" كلّ سلاح خارج إطار مؤسسات الدّولة الشرعيّة لأن لا صفة له، أي للسلاح، إلا "غير الشرعي". فلا حجّة المقاومة عادت سارية المفعول، ولا حجج أمن المخيّمات والأمن الذاتي تمشي مع وجود دولة. على الدّولة إذًا أن تضرب بيد من حديد كلّ مَن لا يسير في قطار سيادتها الذي يجب أن يبدأ بالمفاوضات السياسيّة، لا سيّما مع ح ز ب الله لأنّه حزب منظّم وله تمثيله في تركيبة الدّولة. أمّا الأفرقاء الذين ينعمون بسلاحهم لأسبابهم الخاصّة، أكانوا لبنانيّين أو من غير جنسيّات، فهذه ظاهرة يجب أن تنتهي بالمطلق. والمجتمع الدّولي اليوم يقف بقرب الجيش الوطني والأجهزة الأمنيّة لتدعيم وجوديّـتها التي تعتبر من صلب وجوديّة الدّولة.
ومتى تأمّنت هذه الحالة، يثبُت الكيان، وتثبت الدّولة، وتصبح الجمهوريّة قويّة. وعندها يمكن لأيّ فريق لبنانيٍّ أن يطرح في المؤسسات اللبنانيّة كالمجلس النيابي، أيّ تطوير للنّظام من دون أن يأتي هذا التطوير تحت وطأة السلاح فيغلّب فريقًا على آخر. ويضرب التوازن الكياني في تركيبة الكيانيّة اللبنانية. فالحلّ واضح للقضيّة اللبنانيّة.
إن لم يُجمِع اللبنانيّون على استعادة سيادتهم بأنفسهم قد نصبح تحت أمر واقع دولي سيفرض على المنظومة اللبنانيّة حلّ ذاتها بذاتها، أو قد يصل الأمر حتّى حلّها وتمزيقها إربًا إربًا كي لا تجتمع مرّة ثانية ليُصار إلى بناء لبنان الجديد. وعندها فقط نئد أيّ فتنة ممكن أن تطلّ برأسها، ويصبح لبنان جمهوريّة قابلة للحياة بأقلّ تعديل للمئة سنة القادمة. فهل سيُبادر اللبنانيّون لإنقاذ دولتهم وجمهوريّـهم وكيانهم، أم ستترك هذه المهمّة لغيرهم؟