تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
لن يكون مثول الوزراء والقادة الأمنيين أمام القضاء سهلاً كما يعتقد البعض، ولن يستمع القضاء لإفاداتهم ويتركهم أحراراً بكل بساطة، فالجرائم المدعى بها عليهم عقوباتها سنوات من السجن، وتصل إلى حدود الأشغال الشاقة والإعدام. ولن ينفع الإدعاء بأنهم كانوا لا يعلمون، فالتحقيق سيتطرق إلى المسؤولية التقصيرية، والواجب الذي كان عليهم القيام به ، فهم رؤساء تراتبيون بحكم القانون، ومسؤولون عن أي إهمال أو تقصير في إداراتهم، خاصة أولئك الذين ثبُت تبلّغهم مذكرات الضباط المرؤوسين، بخطورة الاحتفاظ بمواد متفجرة من نيترات الأمونيوم على المرفأ.
بغض النظر عن الجدل القانوني الدائر حول رفع الحصانة عن النواب (الوزراء السابقين) ، والمرجع القضائي الصالح لمحاكمتهم، أكان المجلس العدلي الذي أحيلت إليه قضية تفجير مرفأ بيروت، أم كان المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فإن المهم هو هل سيخضع هؤلاء للمحاكمة؟؟؟ أم سيتفلّتون من العقاب نتيجة الاحتيال على القانون ؟؟؟.
العقوبة تصل إلى الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة، وفقاً للمادة ٥٤٩ عقوبات، واستناداً لادّعاء القاضي بيطار، حيث ادعى عليهم بجناية «القصد الاحتمالي لجريمة القتل» وأيضاً بجريمة «الإهمال والتقصير» فماذا يقول القانون اللبناني؟
المادة ٥٤٧ عقوبات : من قتل إنساناً قصداً عوقب بالأشغال الشاقة من ١٥ إلى ٢٠ سنة. وتشدد المادة ٥٤٩ (المعدلة بالمرسوم الاشتراعي ١١٢ تاريخ ١٩٨٣/٩/١٦ ) العقوبة وترفعها إلى الإعدام إذا تم ذلك عمداً أو باستعمال المواد المتفجرة.
وعن القصد الاحتمالي في الجرم تنص المادة ١٨٩ عقوبات : تُعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن ؛ الفعل أو عدم الفعل ، قصد الفاعل ، إذا كان توقّع حصولها وقبل بالمخاطرة.
ولقد رسى اجتهاد القضاء اللبناني على اعتبار القصد الاحتمالي، أنه يأخذ حكم القصد المباشر، فيُسأل من توافر لديه القصد الاحتمالي عن جريمة القتل العمد . وفي قرار لمحكمة جنايات بيروت رقم ٦١٠ تاريخ ٢٠١٦/٧/١٤ اعتبرت الجريمة مقصودة كون النتيجة كان متوقعاً حصولها وقبل الجاني بالمخاطرة.
أمّا المادة ٥٦٤ عقوبات فتنص على : من تسبب بموت أحد، عن إهمال أو قلة احتراز، أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة، عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات .
انطلاقاً من أحكام قانون العقوبات اللبناني، وتوافر وتحقق أركان الجريمة، يتبين أنه يجب على القضاء محاكمة المسؤولين عن جريمة القتل الكبيرة التي أودت بحياة مئتي مواطن وإيذاء أكثر من ٦ آلاف شخص آخر، ولا يجوز أن يفلت هؤلاء المسؤولون من العقاب، أكانوا علموا بوجود الخطر وقبلوا بالمخاطرة، أم علمو بوجود المواد الخطرة وأهملوا القيام بما يلزم وفقاً لواجباتهم الوظيفة لتجنيب الوطن هذه الكارثة دون أن يكون لديهم نية المخاطرة.
وفي كلا الحالين، يجب أن تتم معاقبة كل شخص بحسب دوره ومسؤوليته.
لقد وُجدت الحصانة للنائب أو الوزير في القانون، لحماية دوره كنائب وحماية حريته السياسية من أي كيد سياسي يُمكن أن يُمارس بحقه، وليس لإعفائه من العقاب عن الجرائم التي يرتكبها . واستناداً إلى مبدأ العدالة والمساواة أمام القانون، يجب محاكمة هؤلاء المسؤولين، ولا يجوز استخدام الحصانة أو مجلس القضاء الأعلى، كسبيل لتفلّتهم من العقاب.
لا يمكن لنا أن ندعو إلى مخالفة أحكام الدستور، الذي ينص بشكل واضح على محاكمة الرؤساء والوزراء، في جرم الإخلال بالواجب الوظيفي، أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، لأن القبول بخرق الدستور في هذا الأمر الآن يُشكّل جريمة، بغض النظر عن أهمية قضية تفجير المرفأ. فمن يستسهل خرق الدستور الآن ، سيفعل ذلك غداً، في أمر آخر، وهذا لا يجوز السماح به ، خاصة من قبل القضاء أو نواب الأمة المؤتمنين على الدستور والقوانين.
ثم من قال أن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لن يكون نزيها ، وسيستنكف عن إحقاق الحق وتحقيق العدالة ؟؟؟ !!!!! فهذا المجلس يضم ثمانية من أعلى القضاة رتبة في لبنان، وسبعة نواب ، إضافة إلى النائب العام الذي تعيّنه محكمة التمييز كممثل للنيابة العامة أمامه . فهل يجوز التشكيك ببساطة بمصداقية ونزاهة هؤلاء القضاة والنواب ؟؟؟
لذلك من الأجدى اليوم، عدم تضييع التحقيق في زواريب الخلاف على تحديد المرجع القضائي الصالح، فكما تم القبول بمحاكمة القضاة المتهمين بالملف أمام محكمة التمييز، دون استدعائهم أمام قاضي التحقيق العدلي، يجب القبول بمحاكمة الوزراء أمام المجلس الأعلى، كما ينص الدستور والقانون.
وإذا كان هناك من مطلب مُحقٍّ ومشروع لدى بعض النواب والمواطنين، فيجب أن يكون المطالبة بإلغاء كافة المحاكم الخاصة، بدءاً بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وصولاً إلى المحكمة العسكرية، وإسقاط الحصانات عن كل المسؤولين والموظفين، والذهاب فوراً إلى تعديل الدستور والقوانين، بما يضمن تحقيق العدالة، ومساواة جميع المواطنين أمام القانون.
هذا هو الطريق السليم، إذا أردنا الحفاظ على دولتنا ودستورنا وسلامة تطبيق القانون، وحذار من استسهال خرق الدستور وتجاوز الأنظمة والقوانين، لأن في ذلك مخاطرة كبيرة لتدمير الدولة والدستور والقضاء ، وإن تفصيل العدالة بأثواب تلائم اليوم هذا الشخص، وتناسب غداً شخصاً آخر، فيه الكثير من التجنّي والإسفاف ويُشكّل قمة الظلم ، والإساءة إلى القضاء والعدالة ولبنان.