تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
كتب ظافر مراد
=== خاص «الثائر» ===
لا يخفى على أحد أن العمل العسكري في الصراع، هو وسيلة أساسية للوصول إلى المكاسب السياسية. فالحرب لم تكن يوماً غاية مستقلة بحد ذاتها، ولم تكن الجيوش والتنظيمات يوماً، سوى أداة بيد السياسيين صانعي القرار لتحقيق الأهداف السياسية وحماية المصالح الوطنية، كما أن القوة العسكرية لم ولن تكن يوماً مؤشر رفاهية وضمان حياة رغيدة.
إن قرار الدخول في الحرب أو الاستمرار بها، يجب أن يصدر عن عقلاء ومفكري السياسة والعسكر، حيث يجب أن تُدرس وتحلّل بعمق أهداف الحرب، وتحدد الأهداف العسكرية التي تؤمن الأهداف السياسية. وفي العادة يجب أن تكون صورة الواقع الميداني، أكثر وضوحاً وتعبيراً عند أصحاب القرار السياسي، فهم يتحكمون بها، وهم يختارون أين وكيف ومتى يزجّون أدواتهم العسكرية، وهم يقررون مقدار التضحيات والخسائر في العتاد والأرواح والبنى التحتية، مقابل ما سيتم تحقيقه من واقع ميداني، بحيث أن الواقع الميداني، يجب أن يجعلهم أكثر ثباتاً وقوة في العملية السياسية.
قد يؤمن الانتصار في بعض المعارك، أوراق قوة تزيد من فرص تحقيق مكاسب في أي عملية تفاوض، ونحن نلاحظ دائماً، أن العمليات العسكرية والمواجهات تتسارع وتيرتها وتزداد عنفاً قبل مواعيد المفاوضات، سواء كانت هذه المفاوضات محلية، إقليمية أو دولية. ومهما كانت درجة ونوع ومستوى الصراع، بدءاً من الصراعات الحزبية المحلية وصولاً إلى الحروب العالمية الكبرى، فعندما يتعذر الحسم العسكري، أو يكون مكلفاً جداً، تصبح المفاوضات هي السبيل الوحيد لإنهاء الصراع، أو تُعتمد إستراتيجيات أخرى لتحقيق هزيمة الخصم، وتدمير كيانه.
تُعتمد في الحروب استراتيجيتين مختلفتين؛ الأولى تسمى استراتيجية السحق: حيث يكون التفوق العسكري لأحد الطرفين مؤكداً وحاسماً، تخلقه القدرات العسكرية مع ظروف مؤاتية من حيث المكان والزمان، وتقوده قيادة سياسية-عسكرية على مستوًى عالٍ من المعرفة والخبرة، فيتم ضرب الخصم وسحق قدراته العسكرية وربما الإقتصادية بضربة حاسمة تُنهي الصراع، وهذا ما حدث في حرب الخليج الثانية. وفي هذه الحالة يكون النصر واضح المعالم، ولا يستغرق هذا العمل وقتاً طويلاً، ويفرض المنتصر شروطه على المنهزم، وربما يكون ذلك لصالح المهزوم، حيث يخلع عن نفسه عبء الصراع ويلتفت إلى قضايا أخرى، وهذا ما حدث مع اليابانيين والألمان بعد الحرب العالمية الثانية.
تسمى الثانية إستراتيجية التآكل: ويعتمدها أحد طرفي الصراع ضد خصمه، وذلك يكون بسبب عدم قدرته على سحق الخصم بشكل نهائي، أو بسبب عدم نيته القضاء على قدرات الخصم العسكرية، حيث أن بقاء هذا الخصم بشكله وتنظيمه العقائدي والعسكري، قد يكون أهم نقاط ضعفه، والثغرة الأساسية التي تدمر ذاته. ويكون هدف العدو في هذه الإستراتيجية ليس فقط القدرات العسكرية للخصم، بل كافة أدوات قوته الوطنية، وفي هذه الحالة يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، وتكون معالم النصر مبهمة وغير واضحة في باديء الأمر، حيث أن الخسائر لا تكون بسبب أعمال عسكرية مباشرة، ولكن في آخر المطاف يتأكد النصر، وتكون الخسائر السياسية وربما الإقتصادية هائلة ومدمرة، وهذا ما حصل مع الإتحاد السوفياتي السابق.
قد يكون إنهاء الصراع بأقل خسائر ممكنة في بعض الأحيان، أفضل بكثير من استمراره دون جدوى، خاصة عندما تنتفى شروط الصمود، وعندما تتآكل عناصر القوة الوطنية، وتستهلك قدرات الدولة، فيصبح الاستمرار برقصات الموت، نوعاً من النرجسية السياسية، ويصبح المجتمع بأكمله أسير المباديء الفارغة والشعارات البالية، ويصبح القادة السياسيون والعسكريون أنفسهم، المنفذين الأساسيين لإرادة العدو، وذلك عن طريق المضي بسياساتهم وقراراتهم الخاطئة، وبسبب جهلهم لكيفية إدارة الصراع، وتقوقعهم في فكرة الحرب والقتال، ويصبح وجودهم واستمراريتهم في السلطة وفي مراكز القرار، عاملاً مباشراً وأساسياً في نجاح إستراتيجية التآكل التي يعتمدها العدو، ويتلقى مجتمعهم أبشع أنواع الهزائم وأشدها قسوة.