تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
لا يمكن فصل الأزمات المتلاحقة التي تضرب الوطن عن الأزمة السياسية الحادة التي ترفع منسوب باقي المشكلات، لذلك فإن المشكلة الأساس تبقى العجز عن تأليف الحكومة.
تسقط كل الوساطات الداخلية والخارجية أمام الضربات التي يوجّهها أفرقاء الحكم، وهذه التصرّفات تدفع الوسطاء إلى اليأس سواء كانوا خارجيين أو من أقطاب الداخل.
وفي هذه الأثناء، يرتفع منسوب الخوف الأمني مع تزايد حدّة الأزمة الإجتماعية، فالخطر لم يعد فقط يأتي من الحدود الجنوبية أو البقاعية أو الشمالية أو من نشاط الجماعات الإرهابية والحركات التخريبية، بل إنّ الأزمة الكبرى اليوم هي اتّساع رقعة الجوع وسط غياب المعالجات الجذرية.
وعلى رغم الإرتياح الأمني إن كان على الحدود أو في الداخل، إلا أن الهاجس الأكبر والأهم يبقى إندلاع ثورة الجياع، عندها لن تكون هناك أي قوّة قادرة على ضبطها.
وفي السياق، فإن الوضع اليوم مختلف كلياً عن الأوضاع التي كانت سائدة لحظة 17 تشرين 2019 وما بعدها بقليل، وقتها كان يوجد نواة دولة وكان العسكري مكتفياً إلى حدّ ما، وكان الوضع السياسي مختلفاً كلياً، وكان هناك أمل بالحلّ.
أما اليوم، فإن الأمور إنقلبت رأساً على عقب، الأزمة الإقتصادية والإجتماعية تزداد، الناس جاعوا، المواد الأساسية مفقودة وآخرها البنزين والمحروقات، والأهم من هذا كله أن العسكري بات يعاني مثله مثل بقية الشعب وإن لم نقل أكثر.
ومن الزاوية الأمنية، وبحسب التقارير، تُسجّل يومياً حالات فرار فردية من السلك العسكري ككل، لكنّ هذا الفرار يبقى في الإطار الفردي ولم يصل إلى مرحلة تهديد ترابط أي سلك أو جهاز أمني، وبالتالي فإن الأمور لا تزال مضبوطة لكن هذا لا يسمح لقادة الأجهزة بالنوم على حرير لأن الأزمة ستتفاقم، ما يزيد من نسبة العناصر العسكرية الفارّة.
أما الأهم، فهو عدم رغبة الأجهزة بقمع الشعب في حال ثار مجدداً، خصوصاً وأن الأزمة أصابت العسكري مثل المدني، في حين أن قيادة الجيش اتخذت مع بقية الأجهزة قراراً بعدم الإصطدام مع الشعب وعدم التساهل مع المخرّبين، وهذا الأمر يُفقد السلطة السياسية الحاكمة إحدى أهم أدواتها القمعية منذ عقود، في حين أن المشكلة تبقى أن الشعب لا يثور.
ومن جهة ثانية، تُبدي الأجهزة الأمنية في آخر تقاريرها، مخاوف جدية من تفلّت الوضع في كل أنحاء البلاد نتيجة الأزمة الإقتصادية، حتى ذهب البعض إلى القول إن "الجيش يمكن أن ينزل إلى محطات البنزين ليضبط الوضع"، في صورة تعكس عمق الأزمة الحاصلة وغياب الحلول.
وأبلغت غالبية الأجهزة الأمنية القيادة السياسية بخطورة الأوضاع، وأن حلّ المشكلات لا يتمّ باستعمال العصا الأمنية أو قمع المواطنين، خصوصاً وأن الأزمات والطوابير تتلاحق، فمن المصارف إلى الزيت والسكر المدعومين والبنزين والمازوت وصولاً إلى جديد الطوابير على البن، كلها أزمات متلاحقة تخلق إشكاليات في كل مكان.
وأمام كل هذه المعطيات، فإن تحذيرات الأجهزة باتت واضحة بأن الإنفجار الكبير بات قريباً ولا يمكن إيقافه، وهذا الإنفجار هو كناية عن مشاكل متنقلة في كل مكان ومن الصعب ضبطه، لأن التعامل مع الجائع مغاير تماماً للتعامل مع الثائر أو الذي يتظاهر من أجل مطالب سياسية او إصلاحية.
ما يُبقي بارقة الأمل موجودة هو وجود قرار دولي بدعم الجيش ومنع لبنان من الإنهيار، لكن هذا الأمر لا يكفي إذا لم يترافق مع حلول جذرية للأزمة اللبنانية.