تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
يعمد حاكم المصرف المركزي رياض سلامة ، الملاحق بتُهم تبييض أموال في سويسرا وفرنسا ولبنان، إلى إصدار تعاميم مخالفة للدستور اللبناني، الذي يكفل حرية الملكية الفردية والتصرف بها، وكذلك لقانون التجارة، وقانون النقد والتسليف.
ويتخبط سلامة في قرارات عشوائية متناقضة، جعلته موضع شبهة منذ فترة طويلة، حتى في نظر المؤيدين والداعمين له سياسياً.
يحاول سلامة أن يقسم صف المودعين ويعاقب قسماً منهم ، بحيث نصت مسودة التعميم الرشوة الذي يُعدّه، لإلزام المصارف بدفع مبلغ ٤٠٠ دولار للمودع، بأن يستفيد منها فقط أصحاب الحسابات بالدولار، التي كانت مفتوحة قبل ٣٠ تشرين الأول ٢٠١٩ ، أما المودعين الذين فتحوا حسابات، أو نقلوا حساباتهم من بنك إلى آخر، بعد هذا التاريخ، فسيتم حرمانهم من هذه المكرمة، وتبقى أموالهم محتجزة، وخاضعة للتعميم السابق رقم ١٥١، الذي سبق وأبطله مجلس شورى الدولة، لعدم قانونيته وإجحافه بحق المودعين.
لم يرتكب المودعون الذين نقلوا حساباتهم أو فتحوا حسابات جديدة بالدولار، بعد ٣٠ تشرين الأول ٢٠١٩، أي مخالفة للقانون. وكل تلك العمليات تمت وفقاً للأنظمة والقوانين اللبنانية المرعية الإجراء، فكيف يحق لرياض سلامة أن يحل مكان القضاء والسلطة التشريعية وأن يُصدر تعاميم مخالفة للقوانين؟؟؟
وكيف يحق له أن يُصنّف المودعين بهذا الشكل المجحف، خاصة أن قسماً منهم نقل أمواله جراء إغلاق بعض البنوك، أو جراء الخوف من إعلان إفلاسها، وهذ حق مشروع للمودع وأمر مكفول في الدستور والقانون؟
عندما استدعت القاضية غادة عون رياض سلامة للاستماع إليه في دعوى هدر المال العام، جراء التعميم الذي أعطى بموجبه كميات من الدولار إلى الصرافين، وقيامهم بالتلاعب بسعر صرف العملة الوطنية، اعتبر البعض أن تحرك القضاء جاء لأهداف سياسية ، وحظي سلامة بحماية سياسية جعلته فوق المحاسبة والقانون.
لم يعد سلامة حاكم المصرف المركزي فقط، بل أصبح القابض على أموال ومستقبل اللبنانيين، فبات يُشرّع مكان المجلس النيابي، وإذا تجرأ القضاء على إبطال تعاميم المركزي، سوف تتم معاقبة القاضي وتأنيبه . فسلامة يحدد المبلغ الذي يجب أن يُدفع للمودع، وحتى يمكنه أن يحدد لأي مودع، ويحرم من يشاء، وكذلك الحال بالنسبة للتجار الذين يصرف لهم سلامة الدولارات وفقاً لسعر الصرف الرسمي، من دواء ولحوم ومواد غذائية وغيرها، فهناك جماعة محددة، تحظى برضى سلامة وتحصل على دولارات المركزي وفق استنسابية غريبة.
وآخر هذه الإبداعات لحاكم المركزي، هي في تأمين الدعم على وقود الديزل (المازوت) لأصحاب المولدات الكهربائية، الذين يتقاضون ١٢٥٠ ل.ل. ثمن الكيلواط من المواطنين ويجنون أرباحاً طائلة ، في حين امتنع عن تأمينه لصالح كهرباء لبنان ، التي تتقاضى ثمناً يتراوح بين ٨٠ الى ٢٠٠ ليرة كسعر للكيلواط، وباتت تُهدد المواطنين بالعتمة الشاملة بعد أيام ، واشترط لذلك حصوله على قرار وتغطية من الحكومة، مما دفع بوزير المال غازي وزنة لإرسال كتاب لفتح اعتماد سلفة استثنائية، تمت الموافقة عليها أمس على عجل ، من قبل رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال، ليشكّل ذلك حلاً مؤقتاً حتى آب المقبل، على حساب المودعين ومن أموالهم طبعاً.
ما زال قانون الكابيتال كونترول عالقاً في متاهة اللجان النيابية، ويرفض رياض سلامة تزويد اللجنة بالأرقام والمعلومات الصحيحة المتوافرة لديه، لا بل أكثر من ذلك يسعى للعب دور البطل، ويسابق المجلس النيابي على تسجيل نقاط، لاسترضاء وإسكات بعض المودعين، بعد أن صنّفهم إلى مستحق وغير مستحق، وكأن الآخرين قاموا بسرقة هذه الأموال، أو هم من تسبب في نقلهم لحساباتهم بهذه الأزمة المالية، وبالتالي يجب معاقبتهم من وجهة نظر سلامة.
تناقض غريب في سلوك حاكم المركزي، الذي راح يضرب خبط عشواء، وكأنك به كقول زهير بن ابي سلمى:
رأَيْتُ الْمَنايا خَبطَ عشواءَ من تُصب تُمِتْهُ وَمَنْ تُخطئ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ .
يختم رياض سلامة حاكميته للمصرف المركزي بأبشع صورة . فالحاكم الذي كان يُكرّم لإنجازاته وذكائه، بات اليوم ملاحقاً بتُهم عديدة، وراح يتخبط بين قرارات ظالمة، أهدر بها حقوق أناس قضوا حياتهم يكافحون ليدّخروا ما يكفيهم لحياة كريمة، فإذا بهم لا يحصلون ولو على القليل القليل من أموالهم، التي ائتمنوا البنوك عليها، فأهدرها هؤلاء لدى رياض سلامة وسياسته المالية العبقرية، في هندسات السرقة والغش وإضاعة حقوق الناس.