تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
كتب ابراهيم الصياد
وكيل وزراة الاعلام المصرية الأسبق
لاشك أن الإعلام أصبح صناعة مكلفة ويتطلب إمكانات مادية لكي يطوّر الشكل والمحتوى وحتى لا يصبح مايسمى ب ( التطوير ) رتوشاً سطحياً يُبهر لفترة قصيرة ثم تملّه عين المتلقي وتزهده، وفي النهاية تضيع الملايين وتذهب سدى بما يعتبر إهدارا للمال العام !
ولكن ليس معنى أن « الإعلام مكلف» أننا يجب أن نتعامل معه - كدولة أو حكومة - بمنطق ( انسف حمامك القديم ) إلى الحد الذي جعل البعض يعتقد أن الحل هو خصخصة الإعلام مالياً، مع بقائه تحت عباءة حكومية بشكل أو بآخر !
هذه الصيغة قادت إلى فكرة نقل مهام الإعلام، وهنا أتحدث تحديداً عن الإعلام الرسمي المملوك ملكية مباشرة للدولة، والمتمثل في مبنى ماسبيرو بكل ما يعنيه مادياً ومعنوياً بالنسبة للمصريين . أقول : إن نقل مهامه إلى نوافذ إعلامية خاصة، أو كانت ملكاً لبعض رجال الأعمال، ثم تعثرت نتيجة التأرجح في سوق الإعلام الفضائي، هو ما أدّى إلى وصول كثير منها إلى حد الإفلاس ، وعجزت عن تدبير رواتب العاملين فيها لأشهر عديده! وفي اعتقادي الشخصي أن السبب الرئيسي في الإفلاس الإعلامي قبل الإفلاس المالي لهذه القنوات، هو عدم الفصل بين الملكية والإدارة ، بعبارة أُخرى إن الفشل جاء نتيجة تدخل المالك بشكل سافر في السياسة التحريرية لقناته، التي يعتبرها ضيعة خاصة به ، تروّج لأنشطته، وإلّا لماذا يكلّف نفسه أموالاً طائله دون مردود أو ربح ؟
وكما نعلم أن رأس المال جبان، ومن ثم كان قرار أو ( هوجة) بيع هذه القنوات ، وأصبح الطريق ممهداً أمام شركات الدعاية والإعلان لتشتري أو تدير بعضها، وبدأت التغييرات في سوق القنوات، على ما اعتقد بالقنوات الرياضية، ثم تفشى مرض البيع إلى بقية القنوات!
وبات المشهد الإعلامي تحت مظلة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ، وهي شركة متخصصة في الإنتاج الاعلاني والدرامي ، وطبيعي في الوضع الجديد، أن تكون الوظيفة الإعلامية اعتمدت في مهامها على مجموعة من الصحفيين الذين وجدوا في العمل التليفزيوني ضالتهم، وبزغ نجم بعضهم في رئاسة تحرير ، أو تقديم برامج التوك شو المسائية، وإحقاقاً للحق لقد جذب بعضهم الأنظار إليه، بينما فشل آخرون، لعدم وجود درجة قبول لهم عند الجمهور...!
وفي الوقت نفسه وجد أبناء ماسبيرو أنفسهم يتساقطون جراء سحب السجادة رويدا رويدا من تحت أقدامهم ، بحجة ما يسمى بالتطوير تارة، أو لأنهم، أي أبناء ماسبيرو، ينقصهم الإبداع ويتعاملون مع وظائفهم الإعلامية كموظفين ، تارة أخرى !
وزاد من صعوبة الموقف عدم قدرة الهيئة الوطنية للإعلام في إدارة اعلام الدولة، باليات جديدة أفضل من اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق ، ناهيك عن الديون التي ورثتها الهيئة من الاتحاد ، ومعظمها ديون حكومية لبنك الاستثمار القومي ، يرجع عمرها لعشرات السنين! وبالتوازي مع هذا الموقف، تم الغاء وظيفة وزير الإعلام، مع الإبقاء على الوزارة، التي آلت في النهاية إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وأعتقد رئيسه أن معنى ذلك أنه هو الوزير، ولن ننسى الصراع بين رئيس هذا المجلس ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام، على المكاتب والسيارات المتعلقة بوزير الإعلام !.
ثم قُسّمت التركة بينهما، وحُلّت المشكلة على السطح، حتى جاء وزير دولة للإعلام وشعر الجميع بالخطر، وبغض النظر عن تقييم دور الوزير أو ما قدمته هذه الوزارة، تابعنا مسلسل صراع آخر ، تجسّد في تحالف الجميع من صحفيين وإعلاميين ونواب في البرلمان، ضد الوزير، حتى أجبروه، في موقف غير مسبوق في وزارة تُعتبر من الوزارات السيادية، أن يقدم استقالته! .
إذن أصبح المشهد الإعلامي على النحو المتقدم ضبابياً، وفقد الإعلام دوره التنويري في توعية وبناء وعي ووجدان الأمة، وسادت قيم البلطجة والتحرش والعنف والقدوة السيئة على أعمالنا الدرامية، إلّا مارحم ربي في بعض المسلسلات، التي تخاطب قيم المصلحة العامة والاحتشاد الوطني ! .
ولاحظنا تراجع التغطيات الإخبارية للأحداث الكبرى الطارئة، وتركّزت على التغطيات التقليدية الرسمية فقط، واختفت شبكة المراسلين، ولم تعد هناك (لايفات) من موقع الحدث داخل او خارج مصر، وأعتقد أن الرئيس السيسي ألقى باللوم في أكثر من مناسبة على الإعلام في عدم مواكبته الموضوعية للأحداث، بل وأذكر أنه في إحدى المناسبات طالب بقناة اخبارية متطوره، وإن كنت أعتقد أنه لم يقصد نسف الموجود والعودة للمربع صفر، إنما أراد تطوير قناة مثل النيل للأخبار، وقيل إنها ستتحول إلى شركة أخبار ولم يحدث ذلك ، أو قناة مثل اكسترا نيوز، وهي أثبتت وجودها في كثير من الأحداث ! على أي حال .
من هنا جاء التفكير في صياغة جديدة لإعلام الدولة، يكون فيها بعيداً عن الملكية المباشرة للدولة! بعبارة أدق يكون بعيداً عن مبنى ماسبيرو، وينتقل إلى قنوات تابعة للشركة المتحدة، مثل الحياة، واون، والمحور، ودي ام سي ، وغيرها!
وهنا تُحقق الحكومة إنجازاً مهماً يتمثل في رفع العبء المالي عن كاهلها، حيث يتم تمويل الإعلام ذاتياً، وهو ما عجزت عنه الهيئة الوطنية للإعلام! وعندما جاء الحديث عن قناة إخبارية مصرية على المستويين الإقليمي والدولي، وجدنا أنفسنا أمام ثلاثة بدائل :
1️⃣ تطوير قناة النيل للأخبار وضم النيل الدولية إليها، وهي الإعلام بلغات الآخر !
2️⃣تطوير قناة اكسترا نيوز حتى لا يتم اللجوء لماسبيرو مرة أخرى، لانه يعاني مشكلات يجب البعد عنها، لكن لامانع من الاستفادة من بنيته التحتية !
.3️⃣ نسف كل التجارب السابقة والتخطيط لانشاء قناة إخبارية تليق باسم مصر على أعلى مستوى مهني وتقني، يجري تمويلها من خلال (المتحدة ) وتتمتع بقدر من الحرية، وبذلك ترفع عن الحكومة عبء التمويل والحرج في تناول بعض الأخبار !
ويبدو أن البديل الثالث هو الأقرب للتنفيذ، لكن قبل أن تنسف حمامك القديم ،وقبل البدء في تنفيذ الجديد، لابد من محاسبة المسؤول عن تجارب التطوير السابقة !
ودعونا نقول وسط الأفكار الجديدة وصيغ التطوير المنتظرة ، واحياناً عدم وضوح رسالة الإعلام، يجب ألّا ننسى أن الإعلام هو أمن قومي، وإحدى القوى الناعمة المهمة في عالم اليوم، بل إن الإعلام مرآة الأمة ، يعكس آمالها وهمومها، ويوقظ وعي ابنائها ، ويكون وجدانهم! .
على الرغم من تسليمنا بأن الإعلام صناعة مكلفة ، إلا أن الإعلام الراقي ليس صفقة ربحية، لكنه يقوم بتوظيف الفلوس ، من أجل بناء النفوس، وأتمنى أن تكون رسالتي وصلت إلى الجميع !