تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
الافتتاحية
#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
انتهت إستراحة العيد السياسيّة التي لم تخلُ من التشنّجات الاقليميّة والمحلّيّة على وقع الأحداث الدائرة في غزّة النّازفة. وترافقت هذه الأحداث مع لامبالاة لبنانيّة على أثر مغادرة الرئيس الحريري لبنان لزيارة عائليّة. إلى ذلك، طفت على الواجهة رسالة الرئيس اللبناني إلى الرئيس الفرنسي بعد زيارة وزير خارجيّته لودريان إلى بيروت الأسبوع الماضي.
• من غزّة إلى تلّ أبيب
يبدو أنّ حجر الرّحى الفلسطيني لم يكن كما توقّعه العدو الاسرائيلي. فسياسة الصواريخ على قدر ما كانت موجعة لتلّ أبيب على قدر ما أوجعت فلسطينيي غزّة. واللافت في هذه الأحداث ردّة فعل عرب 1948 الذين انتفضوا لكرامتهم الوطنيّة التي سلبها العدو الاسرائيلي طوال تلك السنين كلّها، مؤمنًا بسياسة تذويب الهويّة الفلسطينيّة في بحر من العنصريّة المبطنة وهو الذي فشل اليوم بتأمين أمن إسرائيل. النتائج الانسانيّة لهذا العدوان أتت كارثيّة على الفلسطينيين وانقلبت عكسيًّا على الاسرائيليّين لتثبّت مرّة جديدًا مدى غطرسة هذه الدّولة. والمطلوب اليوم عدم السكوت أمام هول هذه الكارثة التي حتمًا ستكون نتائجها سلبيّة جدًّا على اسرائيل، مقارنة بما حدث في لبنان في عدوان تموز 2006 الذي انتهى بقرار أممي حفظ لإسرائيل أمنها الشمالي طيلة 15 سنة. فهل ستخرج إسرائيل منتصرة ديبلوماسيًّا بقرار أممي جديد يبنّج جبهة غزّة طيلة ال15 سنة القادمة؟ أم أنّ المقاومة العسكريّة الغزّاويّة أسقطت قبّة إسرائيل الحديديّة؟
• سياسيًّا
قد تنجح إيران اليوم في استغلال أحداث غزّة سياسيًّا بعرض نفسها ضابط إيقاع المقاومة الفلسطينيّة. وهي حتمًا ستسارع إلى هذا الطرح لما لها من تأثير في حركة حماس والجهاد الاسلامي. وبنهاية المطاف ما وصلت المقاومة الفلسطينية إلى هذه القدرة لولا مساعدات إيران، إن كان بالمباشر وإن كان غير مباشرة عبر حزب الله اللبناني الذي صرّح أمينه العام في أكثر من مناسبة عن " مساعدة الاخوة في غزّة."
ومن المؤكّد في السياق السياسي أنّ الهدف من أيّ مقاومة ضدّ دولة إن لم تلقَ مساعدة من دولة أخرى فهي حتمًا لن تستطيع تحقيق النّصر الذي تبغيه. ويكفي أن نأخذ مثالا عن المقاومة الفرنسيّة التي حظيت بمساندة الحلفاء مجتمعين فوصلت إلى تحرير بلدها بالكامل. وهذه الحالة تتقارب هنا لكن مع اختلاف جوهري بأنّ الدّاعم للخطّ المقاوِم هو دولة تئنّ تحت نير العقوبات الدّوليّة، وتعاني من انقسامات إثنيّة لا بدّ وأن تطفو إلى الواجهة في الأيّام القادمة. لذلك، الهدف السياسي الذي ستحقّقه ستعتبره نصرًا إلهيًّا كذلك الذي حقّقه حزب الله في لبنان على أثر القرار 1701 في العام 2006. هذا القرار الذي شكّل لطرفي النزاع a win win situation، وهذا ما سيتمّ تحقيقه نتيجة أحداث غزّة اليوم لأنّه على ما يبدو أنّ إزالة إسرائيل من الوجود لن يتحقّق على أقلّه الآن.
• من بيروت إلى باريس
بعد زيارة لودريان وما تبعها من تسريبات عن العقوبات المرتقبة من فرنسا والاتّحاد الأوروبي، وجّه الرئيس اللبناني رسالة للرئيس الفرنسي. وعلى ما يبدو أنّ هذه الرسالة لا تتعدّى عن كونها رسالة عتب عمّا قام به لودريان وتمنٍّ في موضوع الأسماء التي ستوضع على لائحة العقوبات الأوروبيّة. لكن تمسّك الأوروبيّون بالأسماء التي يريدون وضعها على لائحة العقوبات يزداد كلّ يوم أكثر من يوم، وقاعدة الاختيار هنا لا تعتبر سياسيّة فقط بل تعطيليّة؛ حيث يعمل الاتّحاد الأوروبي على فرض العقوبات على المعرقلين الأساسيّين للمبادرة الفرنسيّة. وعلى ما يبدو أنّ الفريقين الرئاسي والحكومي في لبنان هما الأكثر تضرّرًا. مع الانتباه أيضًا إلى دخول بريطانيا على خطّ العقوبات بقوّة على غرار ماغنيتسكي الأميركي. وهذا ما سيعيق حركة الأذرع المتحكّمة بالدّولة والتي تعيث فيها فسادًا وخرابًا.
• محليًّا
لا يبدو أنّ سياسة العقوبات قد حدّت من حركة المنظومة الحاكمة؛ لكن ممّا لا شكّ فيه أنّها قد أزعجت بعض رموز هذه المنظومة، وستزعج أكثر بعض من يملك حسابات في بعض المصارف الأوروبيّة، ومنهم مَن يحمل جنسيّات بعض هذه الدّول. لكنّ ذلك سيزيد حتمًا من تمسّك هذه المنظومة بقدرتها التعطيليّة التي حقّقتها على مسارين متوازيين: بقوّة سلاح حزب الله غير الشرعي، وبالاحتيال على الدّيمقراطيّة بالتعطيل أو أحيانًا بالترغيب لبعض صغار النّفوس.
• العودة إلى المدارس
على وقع الأحداث كلّها، والأزمات المتزايدة في لبنان، إن من حيث موضوع رفع الدّعم، واستخدام الاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان لإكمال هذا العهد، وإن من حيث العتمة القادمة التي ستسحب على خدمات اخرى إن في المجال الصحّيّ أو في مجال الاتّصالات والانترنت؛ ناهيك عن أزمة انقطاع البنزين واحتكاره وتهريبه إلى سوريا، وسط هذه المشهديّة أصدر معالي وزير التربية قرارا يقضي بالعودة إلى التعليم المدمج، تاركًا الحريّة للمؤسّسات الخاصّة، بينما أتى الأمر رسميًّا إلى المدارس والثانويّات الرّسميّة، مع الأخذ بعين الاعتبار إلى أنّ العمليّة التلقيحيّة للأساتذة لم تتخطّى ال 30 % بعد. أمام هذا الواقع تبدو هذه العودة معرقَلَة قبل الانطلاق بها. لماذا لا يؤخذ القرار بإنهاء العام الدّراسي للصفوف ما دون الشهادات الرسميّة، على أن تتمّ متابعة هذا العام في أيلول المقبل، مع أن تجري الامتحانات الرسميّة للصفّ الثانوي الثالث وفق الشروط التي وضعتها الوزارة؟
• حكوميًّا
لا تبدو في الأفق السياسي أيّ انفراجة حكوميّة موعودة بعد انتقال الأهميّة اليوم إلى معركة المنطقة التي استجدّت بين الفلسطينيين والاسرائيليّين، ويبدو أنّ الارتباط في ملفّ المنطقة التفاوضي يزداد يومًا بعد يوم. لا سيّما بعدنا أيقن حزب الله أنّ الموضوع اللبناني لن يكون على مائدة التفاوض. لذلك قد يستمرّ هذا التعطيل حتّى نهاية العهد في ستاتيكو تعطيلي سينسحب على ما تبقى من روحيّة عمل مؤسّساتي في الدّولة اللبنانيّة. وسيعمد الحزب إلى تأجيل أيّ عمليّة انتخابيّة قد تطيح بأكثريّـه المسيحيّة التي يبدو أنّه فقد الأمل باستعادتها نتيجة لممارساتها السياسيّة. ما يعني ذلك أنّ الحكومة لن تولد إلا بعد الانتخابات الرئاسيّة المقبلة التي سيحقّقها الحزب بسياسته المعروفة. إلا إذا استطاعت المعارضة لهذا النّهج الحاكم أن تتحوّل إلى جبهة صلبة تحت العنوان السيادي الذي عندما فقدته هذه المجموعات فقدت جوهر وجودها السياسي. وعندها فقط تستطيع هذه القوى فرض واقع جديد انتخابي، تحت إشراف مباشر من الأمم المتحدة، لأن لا ثقة لدينا بهذه السلطة لتشرف على أي عمليّة انتخابيّة، لأنّها عمليًّا محتلّة من ذراع إيران أي حزب الله.
• إجتماعيًّا
يمرّ اللبنانيّون اليوم بأزمة لم يمرّوا بمثيلاتها حتّى في أعتى سنين الحرب اللبنانيّة البغيضة. ويبدو أنْ لا انفراجات في الأفق على وقع رفض المسّ بالاحتياطي الالزامي الذي تطالب المنظومة الاستمرار بالصرف منه للانتهاء تمامًا من مقدّرات الشّعب. وإقرار قانون الكابيتال كونترول المرتقب. مقابل عدم السير في الحلول التي تقدّمت بها بعض الجهات المحليّة والأوروبيّة لحلّ معضلة الكهرباء في لبنان التي باتت تشكّل أزمة وجوديّة كونها ترتبط بسائر الملفّات الحياتيّة لا سيّما الملفّ الصحّي.
كذلك العتمة تطرق الأبواب اليوم أكثر من أيّ يوم لأنّ هذ المنظومة بأكملها تحوّلت إلى منظومة ظلام لتحافظ على مكتسابتها التي حقّقتها في جنح الظلام. غير آبهة بقدرة اللبنانيّين على الحلول محلّ الدّولة في قطاع الكهرباء، حيث تعالت صرخات أصحاب المولدات الخاصّة في ظلّ عجز هؤلاء عن تأمين الكهرباء 24/24 .
أمام هذه الوقائع، يبدو أنّ الانفجارات تغلب الانفراجات، ولا يبدو أنّ الضوء قد لاح في آخر النفق، بل ما زلنا نسير ملاصقين للحائط كي لا نقع في حفر لا نرى مدى خطورتها. لكن مع ذلك كلّه، قناعتنا راسخة بأنّ الشرّ لا يمكن أن ينتصر على الخير، وتمسّكنا بقناعاتنا اليوم أكثر من أيّ يوم، هو وحده الخيار الذي سينقذ لبنان. وعدا ذلك لن يتمّ الخلاص إذا ما شمّرنا عن سواعدنا لنفرض أمر واقع جديد بالسياسة لأنّنا لا نريد الحرب. ومن له أذنان للسماع فليسمع !