أين سيصل الدولار؟ ...الوضع المالي بالأرقام، وخطوات لوقف التدهور! |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
كتب رئيس التحرير: " اكرم كمال سريوي "
تعاني مالية الدولة اللبنانية من وضع فوضوي لم يسبق له مثيل، في غياب سلطة قادرة وفي ظل حكومة تصريف الأعمال، تم تجاوز كافة القوانين، وسادت المضاربات غير المشروعة، فحلّق سعر صرف الدولار، وبات يتقلب بين ليلة وضحاها بشكل جنوني، مما جعل البعض يتوقع وصوله إلى أرقام تكاد تكون خيالية، بحيث قد يتجاوز المئة الف ليرة للدولار الواحد، في حال استمر التأزم السياسي في البلاد، ولم تُتخذ الخطوات اللازمة للأصلاح ووقف الأنهيار. فما حقيقة الأمور وإلى أين نتجه ؟
أولاً :الوضع المالي:
قدم وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزنة، مشروع موازنة عام 2021 بصفر عجز، حيث ساوى بين حجم الانفاق المقترح والواردات المتوقّعة ، فتجاوز إجمالي الموازنة مبلغ 18 الف مليار ليرة بقليل، وتحديداً (18,259,420,387,000) يُخصّص 35,9% منها لتغطية رواتب موظفي القطاع العام.
ووفقاً لأرقام وزارة المال فإن كلفة هذه الرواتب تبلغ حوالي 6,560 الف مليار ليرة، موزعة؛ 4,258 الف مليار هي كلفة القسم الأول من رواتب وأجور الموظفين والمتعاقدين والأجراء، ويتوزع هذا القسم إلى (67% الأسلاك العسكرية ، 19% الهيئة التعليمية، 14% ملاك الإدارات العامة)
أما القسم الثاني: المتقاعدون الذين تجاوز عددهم اليوم 103841 موظفاً فهم يتقاضون اكثر من 2,302 الف مليار ليرة.
فيما انخفض القسم الثالث (تعويضات نهاية الخدمة) كثيراً بعد قرار الحد من الإحالة على التقاعد، وكان قد بلغ هذا الجزء 802,5 مليار ليرة عام 2018 حيث ارتفع عدد المتقاعدين من 97764 إلى 103218 شخصاً.
شكّل إقرار سلسلة الرتب والرواتب عام 2017 خطوة غير مدروسة في مالية الدولة، فارتفعت تكلفة رواتب القطاع العام بمقدار 1,977 الف مليار ليرة، إي ما يعادل مليار و 318 مليون دولار وفقاً لسعر صرف الدولار آنذاك. أما اليوم فلم تعد رواتب الموظفين تُشكّل معضلة في مالية الدولة وميزانها الاقتصادي، بحيث تدنت قيمة هذه الرواتب وفقاً لسعر الصرف الحقيقي للدولار اليوم (14500) ليرة بما يعادل عشرة أضعاف تقريبا، فأصبحت رواتب موظفي القسم الأول تعادل 293 مليون دولار والقسم الثاني 159 مليون دولار تقريباً.
سعر الدولار:
بلغت موازنة عام 2018 ما يعادل 22 مليار دولار وفقا لسعر صرف ثابت 1517 ليرة مقابل الدولار ، وبلغ حجم الاستيراد ما يقارب 18 مليار دولار . وفي منتصف تشرين الأول عام 2019 كانت السيولة تقدر بنحو 6,59 الف مليار ليرة، وتضاعفت خلال سنة بنسبة 3,8 مرة لتفوق 25 مليار ليرة في تشرين أول 2020 . أما اليوم فلا أرقام دقيقة لحجم السيولة، وتقدّرها بعض المراجع الاقتصادية بأكثر من 38 الف مليار ليرة، أي بنسبة تضاعفت 5,7 مرة،. وهذه الزيادة تسببت إضافة إلى أسباب أُخرى بارتفاع سعر صرف الدولار بشكل قياسي، حتى بات يلامس 15 الف ليرة اليوم.
لا يمكن اعتبار كامل الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، قابلة للمبادلة بالدولار، في حال فتح السوق وتحرير سعر الصرف فهناك قسم كبير سيكون لدى المصرف المركزي والمصارف ومراكز الدولة الأخرى. ومن الناحية العملية سيكون هناك أقل من نصف هذا المبلغ قابلاً للتحويل، وفي حال تهافت المواطنون على شراء الدولار، ووفقاً لتقديرات معظم الخبراء، فأنه سيتم تحويل قرابة 20 مليار ليرة إلى دولار، مما يعني أنه في حال ضخّ مصرف لبنان مبلغ 5 مليارات دولار سيكون سعر الدولار 4000 ليرة تقريباً وفقاً لميزان العرض والطلب.
والسؤال البديهي لماذا لا يفعل مصرف لبنان ذلك؟
هناك عدة عوامل أُخرى تؤثر على سعر الصرف، غير معيار العرض والطلب بين الليرة اللبنانية والدولار . فهناك السيولة بالليرة السورية والتي يسعى معظم التجار والنازحون السوريون إلى تبديلها بالدولار، عبر المصارف ومحلات الصيرفة في لبنان، وهذا يخلق طبعاً ضغطاً إضافياً على طلب الدولار ورفع سعره . إضافة إلى ذلك عمليات تهريب البضائع إلى لبنان والتي يستبدلها أصحابها خاصة السوريون بالدولار، الذي يذهب إلى خارج الحدود.
ورغم توقف المصارف جزئياً عن تحويل العملات الصعبة إلى الخارج، ما زال هناك عمليات تسرّب وتهريب عديدة للدولار. والأهم من ذلك الشح الكبير الذي لحق بمصادر دخول الدولار إلى لبنان، خاصة لناحية انقطاع الاستثمارات والسياحة والودائع والتصدير وغير ذلك.
شكّلت سياسة الدعم التي اعتمدها المصرف المركزي الخطأ الأكبر الذي اضعف قدرته على التدخل في السوق، لضبط سعر الصرف، واستنزف احتياطه بالعملات الصعبة. ويقدّر حجم الدعم بملياري دولار سنوياً للكهرباء، ونحو 6 مليارات لدعم المحروقات والمواد الغذائية.
8 مليارات دولار سنوياً يذهب معظمها إلى جيوب التجار والمهرّبين، إضافة إلى استفادة الأغنياء منها أكثر من الفقراء، وكذلك اللاجئون، وقوات الطوارئ الدولية، وحتى أن البواخر الأجنبية باتت تدخل إلى المياه الأقليمية اللبنانية، تارةً للتزود بالوقود المدعوم، وطوراً لتهريبه إلى الخارج.
لم يعد لدى المصرف المركزي من دولارات سوى الاحتياط الإلزامي ألذي هو ملك للمودعين، وفي غياب حكومة فاعلة وخطة نهوض اقتصادي، لا يمكن للمصرف المركزي التدخل وضخ الدولار في السوق لوقف تدهور سعر صرف العملة الوطنية.
والأخطر من ذلك أنه هناك من يمنع رياض سلامة من وقف الدعم، ويبدو أن هؤلاء وضعوا أعينهم على آخر دولار لدى المركزي لآخذه مهما كان الثمن، حتى ولو أدى ذلك إلى إفلاس لبنان، فالمهم هو خدمة مشاريعهم الخاصة ومشاريع اسيادهم في الخارج.
لهذه الأسباب يتوقع جميع الخبراء استمرار ارتفاع سعر الدولار ووصوله إلى أرقام قياسية، وقد يتجاوز الخمسين الف أو أكثر إذا استمر الفراغ السياسي وغياب المعالجات.
الحلول الضرورية:
رغم هذه المأساة الاقتصادية في لبنان، فهناك عدة إجراءات، ستكون قادرة على وقف التدهور وإعادة النهوض الاقتصادي:
- اولاً؛ استعادة سلطة الدولة القادرة على تطبيق القانون على الجميع، وتنفيذ الإصلاحات اللازمة، والمشاريع المنتجة. وهذا يبدأ طبعاً بتوافق الجميع أو على الأقل معظم القوى السياسية على حكومة، تأخذ على عاتقها استعادة هيبة وسلطة الدولة .
- ثانياً: الحصول على دعم ومساعدة صندوق النقد الدولي ، وتحقيق التدقيق المالي الجنائي ، واستعادة الدعم الفرنسي والدولي، والأموال التي كانت مقررة لمساعدة لبنان في مؤتمر سيدر.
- ثالثاً: وقف دعم السلع والتحوّل إلى دعم الليرة، عن طريق ضخ الدولار في السوق، وتخصيص قسم منه للعائلات المحتاجة، والتي باتت تُقدّر بحوالي 600 الف عائلة. فإن تخصيص مبلغ مئتي دولار شهرياً لكل عائلة، سيعادل سدس ما يتم إنفاقه الآن على دعم السلع، وسيكون كفيلاً بخفض سعر صرف الدولار في السوق الموازي إلى النصف .
- رابعاً: تشكيل مجلس النقد، الذي سيوقف طبع المزيد من العملة اللبنانية وزيادة التضخم ، وسيضع خطة مالية تُعيد الثقة بلبنان، عن طريق تثبيت سعر صرف الدولار عند هامش معين، وهذا سيسمح بعودة دخول الودائع والاستثمارات إلى لبنان .
- خامساً: إعادة هيكلة الدين العام والقطاع المصرفي ، وحصر التداول في لبنان بالعملة الوطنية، ومنع تبديل الليرة السورية أو غيرها بالدولار في البنوك ولدى الصرافين اللبنانيين، فلا يمكن للبنان تغطية السيولة بالليرة السورية.
- سادساً: الذهاب باتجاه مشاريع إنتاجية، وتلزيمها إلى القطاع الخاص، لتقوم الشركات بتنفيذها من حسابها الخاص ، دون دفع أي مبلغ من الدولة، مقابل منحها مدة استثمار محددة، على أن تعود ملكية المشاريع إلى الدولة بعد انقضاء هذه المدة. ومن بين هذه المشاريع ؛ الكهرباء، سكك الحديد، مصفاة النفط، الهاتف ، مرفأ بيروت، قطار انفاق العاصمة(مترو) وغيره.
- سابعاً: تطبيق سياسة النأي بالنفس بشكل فعلي، وتحسين علاقات لبنان بدول العالم، خاصة تلك القادرة على تقديم المساعدة الاقتصادية، كالدول الخليجية، وأوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية.
- ثامناً: البدء باستخدام الثروات الطبيعية، خاصة الثروة النفطية الموجودة في المياه الأقليمية ، وكذلك منجم الحمّر الموجود في منطقة الجنوب قرب حاصبيا، ومشروع المياه الجوفية والذي يمكن بيعها إلى عدة دول عربية.
في الختام نقول: أن لبنان بلد غني جداً وقادر على النهوض وإن ما يحتاجه فقط هو: إرادة وطنية جامعة، وتوافق أبنائه، وقادة مخلصون.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|