تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
لا يمكن فهم الملفّ اللبناني من دون النّظر إلى كيفيّة رؤيته من قبل المجتمع الدّولي؛ وبالتّالي يستطيع القارئ عندها استشراف مسار الأحداث في لبنان، لا سيّما في الملفّ الحكومي الذي يستأثر بحراك الساحة السياسيّة في لبنان في هذه المرحلة. وهذا ما يضع لبنان أمام خيارات محدودة. فإمّا حكومة تسوية ومهادنة مع الأكثريّة الحاكمة، وإمّا مواجهة شاملة مع هذه الأكثريّة مع كامل إدراك مفاعيل هذه المواجهة. فهل الساحة اللبنانيّة مستعدّة لهذين الخيارين؟ وأين سيكون موقع لبنان عالميًّا بعد اليوم؟
يبدو أنّ الوضع اللبناني داخليًّا آيل أكثر فأكثر إلى المهادنة من التسوية التي يطمح إليها فريق الحكم مع الرّئيس الحريري الذي يسعى بدوره إلى استعادة زمام الأمور في الساحة السياسيّة. ولكن على ما يبدو إلى حينه، أن لا نضوج لهذه التسوية، أو على الأقلّ الرئيس الحريري يتريّث أكثر فأكثر ليحسّن شروطه. وهو في ذلك يراقب التحرّكات الاقليميّة، لا سسيّما تحرّك راعيه الاقليمي تاريخيًّا، أي المملكة العربيّة السعوديّة التي على ما يبدو ستتّجه إلى الحسم أكثر في القضيّة اليمنيّة. وهذا ما قد يريح الحريري أكثر.
وهذا كلّه، لأنّ الحريري لا يستبشر أيّ خير من المجتمع الدّولي في الساحة اللبنانيّة لا سيّما بعد الابطاء المتعمّد الذي ترتكبه إدارة بايدن في تأخيرها إصدار نتائج التحقيق الفدرالي في قضيّة انفجار مرفأ بيروت. لكأنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة تبدو شريكة في التآمر على دماء بيروت وضحاياها مع الراعي الايراني الذي تعدّ ملفّ التفاوض معه. وهذا ما قد يشي بتورّط ما للإيرانيّين والسوريّين، بينما يعمل الأميركيّون جاهدين ومستغلّين قضيّة بيروت للمفاوضة عليها مع الايرانيّين والسوريّين. وهذا ما لا يُستساغ لبنانيًّا، لا سيّما وأنّ إدارة ترامب السابقة لم تخذل اللبنانيّين في قضايا الارهاب وحقوق الانسان.
من هذا المنطلق، لا يبدو بأنّ الحريري مستعدّ لهذه المواجهة سيّما وأنّه لا يملك أدواتها، على الأقلّ بالحدّ السياسي. لذلك سنشهد مناورات جديدة في جولات مختلفة سيختبر فيها الحريري صبر الحزب على عمليّة سبيلبرغيّة جديدة قد يترجمها بأحداث في بيروت تشبه سابقاتها. وذلك لأنّه مدرك أنّ الحزب، وإن أقدم على هكذا عمل، فهو لن يتمادى كما فعل في ال 2008 بل سيقتصر عمله على اصطدام جديد مع الشارع الثائر للحدّ من فعاليّته أكثر؛ وذلك لأنّه المتأثِّر الأوّل أكثر من الحريري نفسه.
أمّا بالنّسبة إلى التّدويل الذي يتوسّله أكثر من نصف اللبنانيّين الذين قالوا كلمتهم مع سيّد الصرح في بكركي يوم 27 شباط، فيبدو حزب الله وفريقه مرتاحَين لأنّهما يدركان مسبقًا عدم حماسة المجتمع الدّولي لهكذا طرح. فانشغاله أكثر في الانتهاء من الأزمة السوريّة للإنصراف إلى الإستثمار في إعمارها. ولا سيّما في ظلّ وجود ثلاثة رعاة: الروسي الذي يمثّل الراعي الدّولي، والايراني الذي يمثّل الراعي الاقليمي، وحزب الله الذي يمثّل الراعي المحلّي في الميدان السوري.
وما رشح من خطاب نصرالله الأخير عن حكومة تكنوسياسيّة يؤشّر أكثر إلى أنّ الأزمة الحكوميّة ما زالت بعيدة من الحلّ، لا سيّما وأنّ الفريق الحاكم، بإيعاز من المايسترو حزب الله، ما زال مصرًّا على عمليّة تصفير لمشروع الحريري في حكومة الاختصاصيّين؛ وهو في ذلك سيستغلّ الفراغ الدّولي في لبنان ليتحرّك على راحته، حتّى لو توجّه لبنان برمّته إلى الانهيار الاجتماعي. مع تحفّظه على الوصول إلى هذا الحدّ لخوفه من تفلّت الأمور من تحت سيطرته لأنّه فقد جزءًا كبيرًا من شارعه نتيجة الجوع والعوز الذي استطاع الحدّ منه عند محظيّيه فقط.
وتأتي زيارة موسكو في هذا السياق، حيث سوّق الحزب نفسه المايسترو القادر على ضبط إيقاع اللعبة في الدّاخل اللبناني كي لا يتحوّل لبنان إلى حديقة خلفيّة ترعى حركة اعتراضيّة ما في الدّاخل السوري، قد تزعج الرّوس حتمًا. وهذا ما قد يترجم لما قاله المين العام للحزب من حيث خطّة الطوارئ خارج الدّولة اللبنانيّة.
إنطلاقًا من هذه المعطيات كلّها، لن يستطيع لبنان إحداث أيّ خرق إلا إذا تمكّن من فرض أمر واقع جديد؛ على غرار ما حدث عشيّة ال 75، حيث اعتقد المجتمع الدّولي الذي تخلّى عن لبنان آنذاك، أنّ القضيّة العربيّة قد انتهت بوهب لبنان لمنظمة التحرير، ففوجئ بأفواج المقاومة اللبنانيّة تقود مقاومة شرسة واجهت فيها الفلسطيني، وقلبت الموازين كلّها. ولن يستطيع اللبنانيّون الوصول إلى الحياد إلا إذا تمّ فرض أمر واقع جديد، وقد لا يكون من الضروري بفعل قوّة المواجهة المسلّحة، بل نتيجة لحراك جماهيريّ بالتّزامن مع حركة سياسيّة واضحة الأهداف. فهل سيستطيع اللبنانيّون إعادة أحداث التاريخ ولكن هذه المرّة سياسيًّا؟