تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
كتب الدكتور الفرد رياشي ** في "النهار" يقول:
تتعالى الأصوات والمطالب بين الحين والآخر من قِبل أطراف عديدة من مختلف القوى السياسية التي يناقض بعضها الآخر لطرح مطالب تصل احياناً إلى حد الوهم عبر تسويقها لطروحات عدة للخروج من "الأزمة اللبنانية" التي اوصلتنا الى النتائج الكارثية التي عانينا وما زلنا نعاني من تبعاتها، كالانهيار الحالي الذي لم يسبق له مثيل منذ نشأة "دولة لبنان الكبير".
فهناك مثلاً مَن ينادي بـ"إلغاء الطائفية السياسية" وانتخاب مجلس نواب يكون خارج القيد الطائفي، وفي الآن نفسه يدعو الى تبني "مجلس الشيوخ" تتمثل فيه الطوائف الروحية! ولكن في واقع الأمر أن هذا الطرح لا يعدو كونه قمة الانفصام أو "السيكزوفرينيا" السياسية، بحيث يطمح الداعون لهذا الطرح الى أن يلغوا الطائفية من مكان ويكرسونها في مكان آخر متناسين اننا "طوائف" بعيدا من المعنى الديني "للطائفة" كفرق دينية والتي تكوّن ما يُعرف بـ"هويتنا المجتمعية"، حيث إن لهذه الهوية المجتمعية التي يمكن ان تتميز عن "الهوية الفردية" جذورا تاريخية منها تكونت العادات والتقاليد، كما لمسار تاريخي وسياسي وثقافي وصولا الى وجود رمز يمثل وجدانها... اذاً لا يمكننا أن نلغي الطوائفية بـ"شحطة قلم" اذ ان طروح كهذه سوف تؤدي حتماً الى تكريس "الطائفية العددية"، ناهيك بأن تجربة مجلس الشيوخ فشلت ولم تدم أكثر من بضعة أشهر وذلك بين العام 1926 والعام 1927 أي بعد وضع الدستور اللبناني وتبنّيه بوقت قصير.
من ناحية ثانية، فثمة من يريد أن يكافح الفساد فيضع كل مصائب العقود المنصرمة في وجه ما يسمونها "الطغمة الحاكمة"! طبعاً وليس دفاعاً عن هذه الطبقة السياسية التي استفحل الفساد والمحسوبية في معظم أركانها، ولكن علينا أن نلفت نظر المطالبين بطروحات كهذه الى أن هذه الطبقة هي نتيجة النظام "المركزي الهجين" كونها شجعت مفهوم الخوف بين الطوائف الى درجة اضحت كل طائفة توكل مجموعة تعرف بـ"الحزب" وعلى رأس هذه المجموعة قائد ابدي سرمدي يدعى "الزعيم"، ويكون لدى هذا الزعيم وكالة حصرية يستمدها من هواجس طائفته من أجل الدفاع وتأمين حقوقها وصونها وذلك عبر محاولة "نتش" ما يمكن الاستحواذ عليه من السلطة المركزية، فيتعزز الفساد والمحسوبية، وبالتالي تغيب المحاسبة، وإن كان لا بد من المحاسبة، فيكون ذلك عبر تقديم "كبش محرقة" لتصبح بحسب قاعدة "ستة وستة مكرر".
أيضا والاهم هناك من يطرح نظرية "انّو حلّوا قصة سلاح حزب الله ومن خلفه الاحتلال الايراني المقنَّع وبيمشي الحال"! طبعاً وليس دفاعاً عن هذه الحالة الشاذة المتمثلة في وجود ميليشيا طائفية مسلحة نعاني منها اليوم الويلات، الا انه يجب ألا ننسى أنه مرت علينا منذ تأسيس هذه الدولة، دولة لبنان الكبير في العام 1920 خمسة احتلالات (فرنسا، الفلسطينيون، سوريا اسرائيل وإيران) واحداث الـ 1958 وحرب ضروس امتدت بين العام 1975 والعام 1990 واحداث أمنية وصلت الى الذروة في السابع من ايار من العام 2008 وكادت أن تشعل حرباً أخرى، والتي انتهت بهدنة ما سُمي "اتفاق الدوحة".
وفي الآونة الاخيرة، برزت طروحات كتشكيل حكومة جديدة او اجراء انتخابات نيابية مبكرة!. يتناسى أصحاب هذه الطروحات أنه مر على لبنان منذ الاستقلال في العام 1943 ولغاية يومنا هذا 76 حكومة بينها 12 حكومة "تكنوقراط" لم تفلح اي منها في تقديم حلول جذرية. اما في ما يخص أصحاب طرح الانتخابات النيابية المبكرة، فيبدو أن ذاكرتهم قصيرة إذ إنه في انتخابات العام 2009 رجحت الكفة لمصلحة قوى تحالف 14 اذار، الا أن هذه القوى لم تستطع أن تحكم بفاعلية وبقيت الاشكاليات الخلافية مستفحلة.
اذاً وبعد استعراض كل المقاربات، يتبين لنا أن معظم الطروحات تحاول معالجة "النتيجة" (او النتائج) وليس السبب المتمثل في فشل هذا النظام الذي لم يحاكِ التعددية المجتمعية الطوائفية "بنجاح"، وتكرر هذا الفشل بما عُرف بـ"اتفاق الطائف" الذي حافظ على لب الخلاف الجوهري المتمثل في مركزية هذا النظام.
لذلك وبالتشخيص، فان الراسخ في هذه الطروحات التي لا يمكن تشخيصها إلا كونها حالة تصح تسميتها "الميوپيا السياسية"، أي مرض قِصر النظر .
لذلك تأتي الدعوة لتبنّي النظام الفيديرالي - الاتحادي المبنية على احترام الخصوصيات المجتمعية الطوائفية من خلال فيديرالية "جغرافية - ديموغرافية" لنؤسس لوطن تسوده العدالة والمساواة بين جميع مكوناته، كما تؤهل لبناء الاستقرار والازدهار لنتمكن من احتلال مركز يضعنا في مقدم الدول المتطورة في هذا الشرق، وربما في خريطة العالم.
**المؤتمر الدائم للفيديرالية