تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
كتب د. ميشال الشمّاعي في" نداء الوطن":
طالعتنا إحدى المرجعيّات السياسية الحاكمة في لبنان بهجوم غير بريء على مرجعيّة بكركي تناغماً مع تاريخها القريب والبعيد. وقد حاولت هذه المرجعيّة الحاكمة الإيحاء بأنّ الدور الذي يجب أن تلعبه بكركي في لبنان يجب أن يقتصر على القضايا الروحية فقط، في محاولة منها، ليست بريئة إطلاقاً، بتفريغ وتقزيم الدور السياسي الذي تمثّله مرجعيّة بكركي السياسية منذ تاريخ وجودية هذا الوطن، وحتّى هذه الساعة، وإلى يوم الساعة.
بعض الطارئين على السياسة اليوم لا يفقهون بالتاريخ شيئاً؛ والأكثر من ذلك، يقدّمون أنفسهم خدّاماً طيّعين عند مَن يريد تغيير تاريخ لبنان، بمحو تاريخ بكركي التي لها وحدها يعود الفضل في تثبيت الكيان السياسي للكيانيّة اللبنانية التي باتوا اليوم يجاهرون بعدم الإنتماء إليها. وأعني هنا بالذات، فريق "حزب الله" اللبناني؛ هذا الفريق الذي يجاهر بالعلن بانتمائه إلى ولاية الفقيه، ويفاخر بما تغدقه عليه من حسنات، وليس البيئة الحضارية التي ينتمي إليها هذا "الحزب"، والتي نجلّها ونحترم تاريخها، وتراثها وموروثها الشعبيّين، في صلب الكيانيّة اللبنانية، من جبل عامل جنوباً حتّى بعلبك والهرمل شرقاً وبقاعاً.
تاريخ بكركي لا يمحى إلا بمحو لبنان من الوجود، وهذا مُحالٌ. مرفوض التطاول والتآمر على تاريخ البطريركية المارونية. كما رفضناه بالأمس القريب سنرفضه ونقاومه اليوم وغداً وإلى الأبد. بكركي ليست مادّة سياسية لكسب شعبيّة ومودّة أحد. بكركي مرجعية كيانيّة ووطنية وهي الأساس في رسم لبنان المستقبل، كما كانت الأساس في تأسيس لبنان الدولة والجمهورية. لكنّ ذلك ينسحب على المواقف السياسية التي ترتبط بالواقع السياسي العاق الذي نعيشه اليوم بفضل اعتماد الديموقراطية التعطيلية.
وهذه الطريقة التي ابتدعتها هذه السلطة منذ انقلابها على الديموقراطية بقوّة السلاح غير الشرعي؛ هذا السلاح الذي أخضع فيه الفريق الذي ربح معركته السياسية بالديموقراطية آنذاك ترهيباً، وتمّ إغراء بعضه بالسلطة التي وصل إليها اليوم إنّما على أنقاض اللبنانيين. وما هذا التهجّم اليوم إلا خدمة للهدف عينه. فالمبادرة البطريركية لمعضلة تشكيل الحكومة هي الحلّ الوحيد الذي يمكن أن يخرج لبنان من أزمته هذه. من هنا، هذا يدفعنا الى الشكّ بنوايا هذا الفريق بالذّات، وبإرادته التعطيلية تماشياً مع أجندة حليفه الاقليمية، حتّى المباشرة بما بات معلناً من الإدارة الأميركية في الملفّ الايراني.
والنوايا المبيّتة من هذا الفريق بالذّات تجاه بكركي تبرّر هجومه الممنهج على طرح الحياد. والأنكى من ذلك، تسويقه بأنّ طرح الحياد هو لاستهداف المجموعة الحضارية الشيعية بالكامل. وبالطبع هذا مرفوض لأنّه خاطئ. فحياد لبنان لا يرتبط بأيّ نظام سياسي. ولا يقع تحت بند تطوير النظام الذي يسوّق له الوزير باسيل وفريقه تلطيفاً لفكرة المؤتمر التأسيسي الذي يلوّح به "حزب الله" لتحقيق المثالثة، وتثبيت النظام الطائفي الذي يدّعي نبذه.
والأهمّ من ذلك كلّه يبقى في ضرب فكرة الحياد التي طرحتها بكركي من الجذور لأنّها النقيض لطرح المشروع الذي يحمله هذا الفريق. فبذلك يحقّق هدفين:
ـ الأوّل، يثبّت توريط لبنان في سياسة المحاور ويلزمه بالمحور الايراني- السوري الذي ينتمي إليه فريق السلطة اليوم.
ـ الثاني، يحجّم بكركي ومرجعيتها السياسيّة ودورها الوطني لينصّب نفسه المنقذ من الضلال بالنسبة إلى المسيحيين وعلى حسابهم، كما ادّعى بمسألة استرجاع حقوق المسيحيين كمشروع انتخابي؛ وكلّنا عاينّا ذلك وما نتج بعده.
خلاصة القول، ما يقوم به ليس منفصلاً عن تاريخه في مواجهة مرجعيّة بكركي ومحاولته الاستيلاء على دورها الوطني. وما محاولة تصويره بأنّ الحياد يرتبط بأبعاد استهدافية إلا لنسف هذا المشروع. وبات واضحاً بأنّ الحياد لا يرتبط بأيّ نظام سياسي، ولا يحمل في أبعاده أيّ فكرة لضرب النظام القائم بل العكس تماماً. الحياد يثبّت الكيانيّة اللبنانية، ويحافظ على جوهر الميثاق الوطني بين المسلمين والمسيحيين، ويثبت الوفاق الوطني الذي ثبّت قاعدة المناصفة ليبقى لبنان كما أراده الآباء المؤسّسون، لبنان المحايد، ولبنان الرسالة في عيش الحضارات بالقول الحقيقي وبالفعل الكياني.