تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
يبلغ عدد الذين يحق لهم بالتصويت في الولايات المتحدة الأمريكية 239,247,182 ناخباً، توزعوا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة على الشكل التالي:
80,026,721 ناخباً صوتوا للمرشح جو بايدن، و 73,890,295 ناخباً صوتوا لدونالد ترامب، و 85,330,166 امتنعوا عن التصويت لعدة أسباب، أهمها عدم اقتناعهم بأي من المرشّحَين للرئاسة.
لقد حصل الرئيس الفائز على نسبة 33,4% من أصوات الأمريكيين الذين يحق لهم الاقتراع، أي ما يمثّل الثلث تقريباً. وهذا يعني أنه لم يؤخذ برأي ثلثي الشعب الأمريكي. فهل يمكن علمياً أن نُطلق على هذا التمثيل كلمة «حكم الشعب»، التي يرتكز إليها مصطلح الديمقراطية ؟ .
عندما انطلقت فكرة الديمقراطية في أثينا، كانت تقضي بان تحكم أكثرية الشعب الحقيقية، على أن يكون قبول الأقلية بهذا الحكم، بمثابة حل سلمي للخلافات، وكوسيلة لعدم الانقسام ، والحفاظ على وحدة الجماعة أو الدولة.
ولإضفاء الشرعية الشعبية على هذه الديمقراطية يجب توافر ثلاث شروط:
١- أن يمثّل الحاكم أغلبية الشعب. أي على الأقل أكثر من 50% من الذين يحق لهم بالانتخاب. واشترطت عدة دساتير في دول العالم، أن تتوافر في المسائل الهامة أكثرية الثلثين .
وكذلك فرضت بعض قوانين الانتخاب ضرورة حصول المرشّح في الدورة الأولى، على أكثر من نصف عدد أصوات الناخبين في الدائرة، لإعلان فوزه، وإلّا يتم إجراء دورة انتخاب ثانية. ويهدف هذا الإجراء للأخذ بعين الاعتبار حالات المقاطعة الشعبية للانتخابات، كحالة اعتراضية لا يجوز تجاهلها، وفوز المرشّح بعدد قليل من الأصوات.
٢- أن تقبل الأقلية طواعية برأي الأكثرية. ولهذا السبب يجب أن تكون الأكثرية حقيقية، وليست أكثرية وهمية، قد تتحول إلى أوليغارشية مستبدة، تحكم بالموت على أكثر من نصف الجسم الانتخابي، وتحوّل اللعبة الديمقراطية إلى عملية خداع للشعب، تُصادر باسمها حريته وخياراته الحقيقية.
٣- أن لا تتعسف الأكثرية باستعمال هذا الحق، خاصة في المسائل الهامة. لذا يجب حصر استخدام مبدأ الأكثرية في نطاق ضيق، أي في المسائل الثانوية فقط. لأن استخدام هذا المبدأ في مسائل مصيرية، قد يؤدي إلى الانقسام والانفصال، وتهديد وحدة الدولة.
صوّت البريطانيون على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وجاءت النتائج لصالح هذا الخروج بنسبة ضئيلة. وتم ذلك مؤخراً بعد اتفاق بروكسل. لكن المشكلة أن الانقسام داخل المملكة المتحدة، أخذ بعداً مناطقياً، بحيث صوتت إسكتلندا والأطراف لصالح البقاء في الاتحاد، ولهذا سمعنا المسؤولين فيها مؤخّراً يدعون إلى الاستقلال عن بريطانيا .
إذا كان نظام الحزب الواحد هو أبرز مظاهر الحكم الاستبدادي وقمع الحرية، فإن نظام الثنائية الحزبية هو دكتاتورية مقنّعة، وعملية إلغاء لرأي أكثر من نصف الجسم الانتخابي، وهو في حقيقته أوليغارشية تحكم باسم الديمقراطية المزيّفة .
وحده نظام التعددية الحزبية يستجيب للعبة الديمقراطية، ويعطي مساحة كافية من الحرية للناخبين، ومجالاً واسعاً للتعبير عن أرائهم. فحيث تنعدم الحرية، تنعدم الديمقراطية. ولا يجوز حشر الناخبين بين خيارين إثنين قد يكون كلاهما مُرّ ، فيصبحون كمن يختار بين السيء والأسوأ.
ورغم التطور التقني والإعلامي ما زال العالم يشهد نسبة مشاركة منخفضة في الانتخابات، ويعتكف قسم كبير من المواطنين عن الإدلاء بأصواتهم، وهذه المشاركة لا يُمكن فرضها بالقوة بل بالتحفيز.
عندما يشعر المواطنون أنه هناك قيمة لصوتهم، وأن الشخص الذي يمنحونه أصواتهم يُعبّر فعلاً عن أرائهم وتطلعاتهم، عندها قد نشهد نسبة مشاركة مرتفعة جداً في كافة العمليات الانتخابية، مما قد يُسهم في تطبيق صحيح وسليم للديمقراطية في العالم. وهذا ما يتم البحث عنه حالياً في تطوير قوانين الانتخاب .
إن نظام الثنائية الحزبية الذي ورثته الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا ، أصبح نظاماً جامداً لا يتناسب مع الانفتاح والتنوع الذي أحدثته ثورة التكنولوجيا والمعلومات في العالم. وهذه بوادر انحلاله تتظهّر فيما ينتجه من أزمات؛ بدءاً من التصويت في بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وانتهاءً بما شهدته الولايات المتحدة الأمريكية من خلافات حول نتائج الانتخابات الرئاسية .
سيواجه عهد الرئيس بايدن معارضة شرسة في الشارع، من شريحة كبيرة تتجاوز ال ٧٤ مليون ناخب، الذين صوتوا لصالح دونالد ترامب. فقد ينظم إليهم عدد من الذين قاطعوا الانتخابات أيضاً، ثم ستنتقل عدوى هذه المعارضة إلى المؤسسات الأخرى، خاصة مجلسي النواب والشيوخ. وستشتد مع موعد الانتخابات النيابية القادمة في العام 2022 .
وهذا سيجعل إدارة الرئيس جو بايدن مكبّلة في المرحلة القادمة، وقد تكون في مواجهة شريحة واسعة من الأمريكيين أمام كل استحقاق، أكان داخلياً أم على صعيد السياسة الخارجية. ورغم حنكته وخبرته السياسية الطويلة، قد لا ينجو الرئيس بايدن، داخل حقل الألغام والأسلاك الشائكة، الذي نصبه له الرئيس المنتهية صلاحيته دونالد ترامب .
رئيس التحرير " اكرم كمال سريوي "