تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
الأخطاءُ لها أسبابُها وقدْ تكونُ قاتلةً أحياناً، وأكثرُ الأنواعِ حماقةً وخطراً، هو ما يُسمّىَ بتأثيرِ «دانينج - كروجر»، الذي يَحدُثُ عندما تفوقُ الثقةُ بالنفسِ القدراتِ الحقيقيةِ للشخصِ ، كأن يتخيلَ البعضُ نفسَهُ ، أنّهُ قادرٌ على الطيرانِ فيسقطُ في هاويةٍ دونَ قرارْ.
ومع متلازمةِ الإنفصامِ هذهِ، قد نظنُّ أنفُسَنا أننا في أفضلِ حالاتِنا، بينما نكونُ في الحقيقةِ في أسوئِها، فنجازفُ بكلِ شيءٍ ونزيدُ الخسائرَ بدلَ أن نقومَ بتخفيفِها.
أما النوعُ الثاني: فهوَ الأخطاءُ الغبيةُ ، التي عادةً يرتكِبُها السياسيونَ، وتكونُ عفويةً تتمثّلُ بخطوةٍ غير مدروسةٍ جيداً، أو ردِ فعلٍ في حالةِ غضبٍ، أو زلةِ لسانٍ تُثيرُ ردودَ فعلٍ عكسيةٍ لدى جماعةٍ معينةٍ، فتُسقطُ في طريقِها كلَ ما تمَّ بناؤهُ لسنوات.
والنوعُ الثالثُ من الأخطاءِ، يحدثُ عندَ فقدانِ التركيزِ، فيُصيبُنا ما أصابَ لاعبَ الكرةِ الأمريكيةِ روي ريجلز، عِندما انتزعَ الكرةَ من لاعبِ الخصمِ، وراحَ يعدو بها بسرعةٍ في الاتجاهِ المعاكس لفريقه.
نادراً ما يتمكّنُ إنسانٌ من جمعِ كلِ هذهِ الأخطاءِ في شخصهِ دفعةً واحدةً، لكن فارينور لبنان فَعلَها يا سادة.
هو لا يحبُ قراءةَ التاريخِ ويتجاهلُه تماماً، إِلَّا ذكرى الفتنِ وإثارةِ الأحقادِ والضغائنِ، فهو يحفظُها جيداً، ويعملُ جاهداً كي لا ينسَاها اللبنانيون. أحاطَ نفسَهُ بجماعةٍ من المتملقينَ وعديمي الرأيِ، وهو في الأساسِ لا يُحِبُ سماعَ رأيٍ غيرَ رأيهِ، سوى صوتِ التصفيقِ ولعلةِ الرصاصِ ، لخطاباتِه الرنانةِ التي تنضحُ بالعبقرية.
يُريدُ تحطيمَ الجميعِ وكسرَ أُنُوفِهم، على قاعدةِ «أنا الدولةُ والدولةُ أنا»، أنا مَنْ يُعيّن الرؤساءَ والوزراءَ والنوابَ والسفراءَ والمدراءَ والحجابَ، أنا وحدي، أنا المنقذ. أنا أُقرِرُ مَن هُم الشُرفاء ومن هُم الخونة، من يستحقُ أن يكونَ لبنانياً ومَن يجبْ نزعُ صفةِ الوطنيةِ عنهُ، أنا أوزّعُ الحصصَ والألقابَ، أنا الحاكمُ والآمرُ الناهي، أيُها اللبنانيونَ إن مصيرَكم بيديي و «أنا رَبُكُم فَاعبُدُوني».
احتكرَ الوطنَ والطائفةَ والمؤسساتِ والتوظيفَ والمشاريعَ والإنارةَ والسدودَ ، وصارَ إذا سمحَ للآخرينَ بشيءٍ من فُتاتِ السلطةِ والحصصِ ، يعتبِرُه مَكرُمةً من سُلطانِه المُعظّمِ ورحمةً بالعالمين.
في نظرهِ إن مشكلةَ لبنانَ تكمُنُ بوجودِ طامحينَ طامعينَ بالسلطةِ، يتجرأونَ على منافستِه، كُلهم جشعونَ فاسدونَ أغبياءَ متطفلونَ. وهُناك سفارةُ دولةٍ فاشلةٍ، تتطاولُ على شؤونِ لبنانَ والمنطقةِ، وهي المسؤولةُ عمّا حلَّ بِنا من سؤِ حالٍ ، ويجبُ مُحاسبتُها وإحالتُها إلى القضاءِ، هي مسؤولةٌ عن تدهورِ سعر ْصرفِ الليرةِ اللبنانيةِ، وهي مسؤولةٌ عن هدرِ أموالِ دولتِنا العلية، وهي مسؤولةٌ عن فسادِ القضاءِ وعدمِ تطبيقِ القوانينِ ، وتجارةِ المخدراتِ، وتصديرِ الإرهابِ، والتهريبِ عبرَ الحدودِ، وكلِ شيءٍ. وإذا تظاهرَ اللبنانيونَ احتجاجاً، فهي المسؤولةُ أيضاً، والدافعُ لِصُراخِهِم، وإلَّا لَما اعترَضوا على سياستِهِ الحكيمة.
يُقالُ أنَّ الجنرالَ البريطانيَ سبيرز ، كان يجولُ في جبلِ لبنانَ، قُبيلَ الانتخاباتِ النيابيةِ عام ١٩٤٣ حاملاً أكياسَ الذهبِ والفضةِ، يوزِّعُها لِدعمِ مرشّحيهِ. أمّا فارينو لبنانَ، فقد جالَ حامِلاً كُرةَ نارٍ، راحَ يُدحرِجُها من قريةٍ إلى قريةٍ، يُوقِدُ بِها ناراً بينَ الجارِ وجارِهِ، والأخِ وأخيهِ، حتىَ كادَ يحترقُ لبنان .
أحرقَ فارينور لندنَ مرةً عن غيرِ قصدٍ ، أمّا فارينور لبنانَ، فأحرقَهُ مِراراً بقصدٍ، وبجهلٍ وغباءٍ مرات. أحرقَهُ بالتعنُّتِ والاستقواءِ، وأحرَقَهُ بفسادِهِ وحُبِّهِ للسلطةِ والمالِ ، وما زالَ مُصرّاً الآنَ على إحرَاقِهِ باستعداءِ كلِ أصدقائِهِ، ويهددُ تلكَ الدولِ المارقةِ، بالويلْ والثبورِ وعظائمِ الأمُورِ، إذا لم تستجبْ لِطلباتِهْ، وتسيرْ بهُدى أفكارِهِ النيرة.
لستُ قلِقاً مِن أنّكُم لن تعرِفوا مَنْ هو فارينو لبنانَ، لَكنّني قلقٌ أنّه تناسخَ أشكالاً وألواناً، قد يصعبُ علينا عدُّها وإحصاؤها بعدَ الآن.