تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
يبدو في هذه المرحلة انّ السيطرة الوحيدة في الساحة السياسيّة لاسم الاستفهام " أين" حيث بات يطرح في أيّ ملفّ من الملفّات. أين التحقيق الجنائي؟ أين التحقيق في قضيّة المرفأ؟ أين الحكومة؟ أين الاستراتيجيّة الدّفاعيّة؟ أين الموال المنهوبة؟ أين هي ثورة تشرين؟ أين اختفت الدوية؟ أين يذهب البنزين والمازوت؟ أين الدولار؟ أين الليرة؟ أين إقفال البلد في ظلّ جائحة كورونا؟ أين مؤتمر سيدر؟ أين المبادرة الفرنسيّة؟ ولائحة الاستفهامات تطول وتطول.
للأسف هذه هي الحالة التي يعيشها المواطن اللبناني اليوم. صراع قاتل لهذه الاستفهامات يدور في رأسه، والأهمّ وسطها كيف يحافظ على وجوده في صلب هذه التركيبة التي قد يجوز الطرح نفسه حولها. فالحكومة على ما يبدو أنّها مؤجّلة حتّى تتشكّل السلطة الجديدة للإدارة الأميركيّة، وبالنسبة إلى موضوع التكليف فلقد أقفل بابه على هذا القدر، أمّا التأليف فسيبقى معلّقًا حتّى ضمان التكبيل بشكل نهائي للمكلَّف، لأنّ هذه الحكومة وإن أعلن الرئيس الحريري أنّ عمرها لن يتخطّى الأشهر الستّة إلا أنّها قد تكون حكومة العهد الأخيرة.
من هنا، تأتي نظرة الفريق المتسلّط إليها، فهو يريدها الأداة التنفيذيّة لإطباقه الجديد في العهد الجديد الذي سيلي هذا العهد، وإلا من اليوم نستطيع الجزم أنّنا سنكون أمام حلقة تعطيليّة قد تطول بانتظار حلّ الملفّات الكبرى. وهذا ما برع فيه هذا الفريق، أعني الديمقراطيّة التعطيليّة، مستغلّا الدستور والتطبيق الاستنسابي له ليحكم قبضته أكثر فأكثر حتّى يستطيع أن يفرض نفسه كمفاوِض أقوى مع اللاعب الأساسي في رسم سياسات المنطقة للمرحلة القادمة. وقد بدأت بشائرها تتجلّى بإنهاء زمن الصراع العربي- الاسرائيلي.
لقد اتّخذ الغرب هذا القرار ليس حبًّا بالمنطقة بل لأسباب ثلاثة نبرزها كالآتي:
- الانتهاء من استغلال إسرائيل للمساعدات الأميركيّة، بحسب ما ورد في موقع " دنيا الوطن " الفلسطيني بتاريخ 20/10/2019 الذي أشار إلى صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية قد نشرت " المعطيات الخاصة بحجم المساعدات الأمريكية العسكرية لإسرائيل، حيث ارتكزت على مصادر في وزارة المالية الإسرائيلية ومعهد"آي إن إس إس": وحسب الصحيفة، فإن حجم المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل يبلغ 3.3 مليار دولار سنوياً وذلك منذ عام 2019، وحتى عام 2028. وأقصى حد لزيادة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وفقاً لاتفاق 2019/2028 هو 10%، وإضافة للمساعدات السنوية البالغة 3.3 مليار دولار تحصل إسرائيل على مبلغ خمسة مليارات دولار لدعم مشاريع مشتركة بين البلدين لتطوير صواريخ مضادة للصواريخ". مع استثناء المساعدات الاجتماعيّة التي تحصل عليها من جمعيّات غير حكوميّة.
- تأمين الاستقرار المني في منطقة الشرق الأوسط، لا سيّما في الحوض الشرقي للمتوسّ" الذي سيشكّلأ منطقة الصراع الجديدة بسبب الثروات الموعودة في البحر. فالهمّ الغربي يكمن بتأمين أرضيّة مستقرّ’ للشركات النفطيّة التي ستحكم من قبضتها على الاقتصاد الأوروبي بقفزها فوق السطوة الروسيّة؛ ما يعني ذلك دخول الأميركي عبر هذه الشركات كمنافس أساسيّ للروسي في الحديقة الخلفيّة لأوروبا، وفي الحديقة الأماميّة لمنطقة الخليج العربي.
- الانصراف إلى منطقة الشرق الأدنى لا سيّما التنين الصيني الذي بات يهدّد التواجد الأميريكي السياسي في المنطقة بدخوله من البوابة الاقتصاديّة عبر ما بات يعرف بمشروع طريق الحرير؛ ولعلّ ميناء حيفا سيكون المسرح الأبرز لهذا الصراع في ظلّ ما حصل في مرفأ بيروت بعد كارثة الرابع من آب.
هذه هي الزاوية التي يجب النظر فيها إلى القضيّة اللبنانيّة كقضيّة كيانيّة أوّلا وكأزمة سياسيّة ثانيًا، وأيّ حلّ لا يراعي هذه الاستراتيجيّة المرسومة للمنطقة لن يكتب له النجاح. من هنا، مطلوب من اللبنانيّين اليوم الضغط أكثر للتخلّص من هذه السلطة العميلة من الجهات الأربع: عميلة للغرب ولمشاريعه الاستثماريّة، وعميلة لإيران ومشروعها الأيديولوجي، عميلة للشرق الصيني ومشروعه الاقتصادي، وعميلة لسوريا ومشروعها الاستغلالي. وأيّ شيء آخر يبقى تفصيلا صغيرًا في الميدان الكبير لن يلحظ أحد عبوره.