تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
تشكّل الأزمة اللبنانيّة أولويّة في اهتمامات الدول العظمى وذلك انطلاقًا من الدور الجيوبوليتيكي الذي يضطلع به لبنان في منطقة الشرق الأوسط. من هنا، برز الاهتمام الفرنسي باجتراح الحلول لأزمة الحكم والنظام في لبنان. وفي هذا السياق أتت المبادرة الفرنسيّة الأولى وتأتي الثانية. فلا يمكن أن يترك لبنان لمصيره فبذلك تغلق بوّابة المنطقة بأكملها. فهل سيستطيع الفرنسيّون إحداث كُوّة في جدار الأزمة اللبنانيّة؟
لا بدّ من التوقّف عند أسباب فشل المبادرة الأولى التي لا تنحصر في التعنّت الذي مارسته المجموعة الحضاريّة الشيعيّة في لبنان، المخطوف قرارها من قبل الثنائي الشيعي، أمل وحزب الله. بل تتعدّاها إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. ممّا لا شكّ فيه أنّ حزب الله في ارتباطه العقائدي بإيران نجح بأسر لبنان وجعله ورقة تفاوض بيد الايرانيّين في المفاوضات المرتقبة مع الأميركيّين والتي لا ينفكّ الرئيس الأميركي بالتلويح بإنهائها. ويعوّل الحزب على ربح ورقة لبنان بالكامل من خلال تحقيقه لما يصبو إليه في قلب النظام اللبناني كجائزة ترضية للمفاوضات المرتقبة. وهذا ما يفسّر مهادنة الطرف الأوّل من الثنائي له أي حركة أمل، بانتظار تحقيق النصر الدّستوري في قلب النظام اللبناني.
ونلفت هنا إلى أنّ الانتماء العقائدي لطرفي الثنائي مختلف، في حين أنّ الأوّل يعود بفكره إلى فكر الامام المغيّب موسى الصدر الذي يعود له الفضل في صهر المجموعة الحضاريّة الشيعيّة في صلب الكيانيّة اللبنانيّة حيث جعلها ركنًا أساسًا في التعدّديّة اللبنانيّة؛ بينما الثاني يعود له الفضل في إخراج المجموعة الحضاريّة الشيعيّة من صلب الكيانيّة اللبنانيّة وتوريطها في عقيدة ولاية الفقيه التي لا تمتّ إلى الكيانيّة اللبنانيّة بأيّ صلة. ولئن بقي هذا الخلاف مستترًا على وقع المعركة الكبرى في اختطاف الدّولة اللبنانيّة، لا يمكن إخفاؤه إلى ما لا نهاية. ولعلّ الأحداث الأخيرة التي وقعت في بلدة اللوبية الجنوبيّة والتي سقط ضحيّتها قتيل من حركة أمل هي خير دليل على هذا الخلاف المستور والراقد تحت الجمر العقائدي.
من هنا بالذات، ونتيجة لهيمنة حزب الله على الدّولة اللبنانيّة بقوّة سلاحه غير الشرعي بعد انقلاب 7 أيّار وتسوية الدّوحة، ولأنّ السلطة السياسيّة القابضة على رقبة البلاد والعباد في لبنان هي بالكامل مرتهنة لمشروع حزب الله، لا بل أكثر تغطّيه سياسيّا منذ ذلك الاتّفاق في 6 شباط 2006 وحتى اليوم، هي شريكة بكلّ ما أوصل البلد إليه، إن من حيث الفساد السياسي وإن من حيث الانحطاط الاقتصادي الذي وصلنا إليه؛ حزب الله يغطي فسادها بقوّة سلاحه وهي تنهب ما تيسّر لها من خيرات الدّولة.
من هذا المنطلق، تأتي قراءة المبادرة الثانية التي أصبحت مشروطة بشرطين أساسيّين:
- الشرط الأوّل: تغيير في سلوكيّة الطغمة السياسيّة الحاكمة. وليس من الضروري أن يأتي هذا التغيير نتيجة لعمليّة نهضة أخلاقيّة، هي مستبعدة كي لا نقول مستحيلة، إنّما نتيجة للضغوطات الممارسة دوليًّا على قاعدة العقوبات الأميركيّة التي على ما يبدو أنّ الديبلوماسيّة الفرنسيّة ليست مؤمنة كليًّا بهذه الطريقة في العمل.
- الشرط الثاني: تغيير في موازين القوى الاقليميّة على وقع ما يحدث من مفاوضات سلام بالعلن وبالسرّ في المنطقة حيث انتقل الصراع، أو على الأقلّ ينتقل راهنًّا، من صراع عربي- إسرائيلي إلى صراع عربيّ – فارسيّ.
على ما يبدو أنّ المبادرة الفرنسيّة الثانية لا تملك حظوظ النجاح الوافرة، بل هي رهن فيما أشرنا إليه. لكن ما يؤشّر إيجابًا في هذه المرحلة الحديث المطَّرِد عن محادثات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل تحت الرعاية الدّوليّة عينها. فهل سننتقل في العداء مع إسرائيل إلى مرحلة سلام من دون توقيع اتّفاق سلام؟ وهل ستؤدّي هذه المفاوضات غير المعلنة إلى تبدّل في استراتيجيات الديمقراطيّة التعطيليّة التي يتّبعها حزب الله وحلفائه في ما خصّ المبادرات الفرنسيّة؟