تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- "المحامي كميل طانيوس "
بعد مئة سنة على اعلان لبنان الكبير، اقف في الذكرى المئوية لاعلان الولادة العسيرة حائراً مرتبكاً لا اعرف بماذا افكر او ماذا اقول او ماذا افعل حتى،
فهل احتفل بذكرى هذا الانجاز العظيم الذي ناضل من اجله اجدادنا قرونا وقرون ودفعوا ثمنه من الدم الكثير الكثير، وكان ثمرة مقاومة ونضال ضاربين في عمق التاريخ،
او هل الوم صانعي الكيان بحلته الفضفاضة هذه على هذه الولادة الهجينة المتشكلة من انسجة عديدة لا تتجانس والوان غير منسجمة لا يلائم بعضها بعضاً،
ام هل اسخط على هذا المولود غير المكتمل، الذي احتفى به بعض من اهله حين ولادته ووقف منه الآخرين موقف المتنكر او الرافض،
او هل اتخلى عن ايماني الَمترسخ به، لأنه ولد على غير الهيئة التي كان يجب ان يولد عليها، فجاء كبيرا على غير ما يفترض وجُمّعت فيه جماعات ومساحات ما كان يجب ان تكون فيه، فصارت عبئا عليه وسبباً من اسباب عدم نموه،
او هل اتمنى ان يكون مختلفا، كأن يكون صغيرا بدلا من ان يكون كبيرا، او احاديا بدلا من يكون تعدديا، ومن طبيعة واحدة حضارية واثنية ودينية غير مركبة، بدلا من ان يكون متنوعاً ومن الوان وانواع شتى، او مقتصرا على مناطق معينة دون سواها او محتويا على اماكن اخرى لم تكن فيه او غير مشتمل على مناطق دخلت في تكوينه واصبحت جزءا من المعضلة الوجودية التي شابت هذا التكوين،
او اتنازل عن معتقد راسخ لدي ان هذا اللبنان هو وقف لله على الارض،
ثم اسأل نفسي لو اتيح لي ان اغير شيئا فيه او اعيد النظر بما كان عليه، او ان احذف منه شيئا او اضيف، فماذا كنت فعلت؟
فهل كنت لاتخلى عن شمال ما زال يحدو بعضه الحنين الى الالتحاق بكيان آخر،
او أشطب منه جنوبا ما زال يجنح الى التفرد والانفراد والمواجهة واسترجاع الارض السليب، ويمنع عنه كل استقرار واستثمار،
ام كنت لأنتزع منه بقاعاً كان في مضى هيكلاً لفينيقية وإهراءاً لروما ومدينة للشمس وطريقاً للحرير ومعبراً لحملات وفتوحات زعزعت هدأة التاريخ،
ام كنت لأتخلى عن العاصمة بيروت التي كانت حاضرة العلم ومرضعة الحقوق وجوليا السعيدة ومدينة المدائن وام الدنيا وقبلة انظار العالم واستوطنتها قبائل وشعوب تثبيتا لفتح وذوذا عن ثغور،
وهل كنت لأتنازل عن موطئ قدم سقطت لنا فيه دماء وازهرت لنا فيه حدائق وزرعنا فيه توتاً وتبغ،
او عن جبل يليق به المشيب او تلة تروي حكايات البطولة او شاطئ ابحرت منه سفن فينيقيا، او مطارح غنت لها فيروز فأصبحت هي الوطن وصارت حكاية من حكاياها الكثيرة،
وحرت في امري،
فإذا بي أجد نفسي بعد طول مطاف وطواف، مؤمنا كما الحويك بلبنان الكبير، معتقدا مثله ان هذا اللبنان ما كان ليكون هكذا لو لم يكن كذلك منذ الازل، متشكلا من حرمون الذي لا ينزح عن هامته الثلج وارز شماله الذي صنع منه هيكل سليمان وصيدا وارض كنعان التي وطأتها قدمي السيد المسيح وصنع فيها عجائبا كثيرة، وصور التي ذهبت منها اليسا الى قرطاجة لتصنع مجد فينيقيا وبيروت التي سلك طريقها بطرس وبولس الى انطاكية وروما، وغاباته التي هبطت من بطون جباله الى شواطئه لتصبح اساطيل تمخر عباب البحار وتجوب انحاء المعمورة، وثغوره الشمالية َوالشرقية التي تصدت لكل فاتح وغاز ٍ
واجد نفسي مثله متشبثا بلبنان هذا، بكل شبر ارض فيه، بكل بقعة ارتوت بدماء الاجداد والاسلاف المحاربين من اجل بقائه،
متمسكا اكثر من ذي قبل بالبقاء فيه، وباطيافه كلها التي آوت اليه عبر الازمنة بحثاً عن وطن او هرباً من اضطهاد او طلباً لحرية،
مؤمناً بأن ما حققه اللبنانيون في مطلع ذاك الايلول من سنة ١٩٢٠ بقيادة الحويك لم يكن الا ثمرةً ونتاجاً تراكمياً لآلاف التضحيات والنضالات والارواح والشهداء، وتكريساً لحقيقة تاريخية قائمة وراسخة منذ الاف السنين،
وازداد يقيناً ان هذا الوطن هو عطية الهية وتاريخية لا يجوز لنا التفريط بها، وان هذا اللبنان هو بالفعل وقف لله الذي جعل له اكثر من سبعين ذكرا في العهدين القديم والجديد،
وأعي ان علة هذا اللبنان لم تكن يوماً في ارضه ام في شعبه او في الشعوب التي تشكل منها، او في إعلان نشأته الذي جاء بعد الاف السنين على نشوئه،
بل في حكامه وملوك المذاهب والطوائف الذين قسموه الى اجزاء مناطقية وطائفية وطوائفية متناحرة يتسيدون عليها، فتأتمر بأمرهم وتخضع لمشيئتهم، وتنام وتستيقظ تحت كراسي عروشهم، فباتت تنتمي اليهم وليس الى وطن كبير يتسع لهم جميعاً،
وان ما كان لدى الطبقة السياسية قبل الحرب من مبادئ وقيم وضمائر ادبية واخلاقية رادعة ونوازع وطنية ذات خطوط حمر لا تتخطاها، قد زال وتلاشى واندثر حتى أصبحنا تحت حكم رجال بلا ضمائر وكذبة مراءون لا يهمهم إن قالوا شيئا وفعلوا نقيضه، او احرقوا وطنا ليستدفئوا بنيرانه،
وان المطلوب ليس إبدال او استبدال وطن او تغيير شيء في شكله او خريطته، بل استبدال حكاماً انذال بآخرين من طينة البشر يسمعون ويرون ويستشعرون ويشعرون ويفعلون ما يريد شعبهم وليس ما يريدون، وان المطلوب هو:
#حكاماً_آخرين_وليس_لبنان_آخر