تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
د. ميشال الشمّاعي
الخارجيّة الفرنسيّة برأس هرمها اليوم في بيروت. والقضيّة اللبنانيّة لم تعد محصورة في إطار ال 10452 كلم2 فقط بل صارت قضيّة أميركيّة –أوروبيّة – عربيّة. والوضع اللبناني صار اليوم أولويّة دوليّة لا تتقدّم عليه أيّ أولويّة لأنّه غدا منذ العام 2008 منطلَقًا فاعلا في سياسات المنطقة. فهل ستستطيع بكركي أن تحافظ على أولويّة القضيّة اللبنانيّة بالنسبة إلى المجتمع الدّولي؟ أم أنّ تطوّرات دراماتيكيّة ما في المنطقة قد تنتزع هذه الأولويّة؟
لقد أدرك العالم بأسره أنّ طرح البطريرك الرّاعي ليس طرحًا مسيحيًّا بقدر ما هو طرح لبنانيّ كيانيّ، والدّليل في ذلك هو ملاقاة معظم اللبنانيين لهذا الطرح، حيث شهد الدّيمان زيارات تدعم موقف البطريرك وطرحه؛ كذلك بدا لافتًا التحرّك الاغترابي الذي بدأت تتبلور عنده قواعد استراتيجيّة ثابتة قد يعمل على تحقيقها كما حدث بالنّسبة إلى القرار 1559.
وممّا لا شكّ فيه أنّ الانتشار اللبناني الفاعل في دول القرار سيلعب دورًا مهمًّا جدًّا في بلورة موقف دوليّ داعم لطرح بكركي. وما زيارة لو دريان إلا تأكيدًا على الثوابت الفرنسيّة الداعمة للكيانيّة اللبنانيّة منذ 1 أيلول 1920 وحتّى هذه اللحظة. لقد اقتنع المجتمع الدّولي بأنّ وهم التحالف مع حزب الله للبننته قد سقط بعدما نجح الحزب بأيرنة كلّ مَن تحالف معه. وبالتّالي صارت المواجهة أمرًا واقعًا، لكنّها لن تكون بالطريقة التي يبرع فيها الحزب بل ستكون في الميدان الكياني الذي يفتقد فيه الحزب قدرة المواجهة لأنّه سبق وأعلن انتماءه.
من هنا، نستشفّ بأنّ للقضيّة اللبنانيّة حرّاسًا ساهرين في الميدان الدّولي، ويدرك هؤلاء جيّدًا أنّ خسارة لبنان وانتزاعه من الحاضنة الابراهيميّة – الغربيّة يعني تحوّله إلى منطَلَقًا لتنفيذ أجندات جديدة في المنطقة نتيجة لواقعه الجيوبوليتيكي بين الأزمتين السوريّة والعربيّة- الاسرائيليّة. لذلك سيؤكّد وزير الخارجيّة الفرنسي على نيّة بلاده والغرب كلّه معها لمساعدة لبنان لتخطّي أزمته النقديّة – الاقتصاديّة، لكنّ هذه المساعدات لن تأتي لسلطة سياسيّة لا تعترف بلبنانيّتها. والأكثر ما زالت ترفض إجراء الاصلاحات المعروفة وتبحث عن إنجازات تظهّرها إعلاميًّا لتخفي فشلها.
لذلك كلّه، يبدو أنّ الصراع اليوم في لبنان صار بين فريق بكركي التي تحاول أن تفعّل ديناميّة سياسيّة مواكِبَة لطرح الحياد، ستنجزها بين الأفرقاء اللبنانيين جميعهم لتنتقل بعدها إلى المجتمع الدولي من بوابة الفاتيكان. أمّا حزب الله فسيحاول أخذ الصراع إلى مكان آخر باجتراحه أحداثًا دراماتيكيّة ليبدّل بالواقع الجديد الذي فرضته بكركي بطرحها.
على أمل ألا تكون هذه الأحداث مبنيّة على قاعدة " لو كنت أعلم" القديمة لأنّ الواقع اللبناني المأزوم لا يحتمل، فضلا عن أنّ العزلة العربيّة والدّوليّة التي وضع الحزب لبنان كلّه فيها ستتركه وحيدًا في حال حاول توريطه بأيّ كارثة قد لا يتسارع أحدٌ لإنقاذه منها.
من هذا المنطلق، يبقى السباق الوحيد اليوم بين تيّارين قديمين متجدّدين: الأوّل لبنانيّ كيانيّ يبحث عن كيفيّة صيانة تاريخ بلغ من العمر أكثر من ألف وأبعمئة سنة من النضال والمقاومة والعرق والدماء، والثاني يمثّله فريق يسعى جاهدًا لتغيير هذا التاريخ، تارة بإلحاق لبنان بسوريا، وطورًا بإنكار الواقع الجغرافي لحساب الانتماء الأيديولوجي. وفي الحالتين لن ينجح لأنّ الكيانيّين اللبنانيّين كثر ولهم وحدهم الغلبة في لبنان. ومن له أذنان للسماع فليسمع.