تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
د. ميشال الشمّاعي
بداية أسبوع مسيحي انتفاضيّ بامتياز. لقد استعادت بكركي الدّور اللبناني الريادي، وعادت إلى ما كانت عليه منذ زمن مار يوحنّا مارون، مؤسس الكيان، والبطريرك الياس الحويّك، مؤسس لبنان الكبير، والبطريرك أنطون عريضة، بطريرك الاستقلال الأوّل، والبطريرك نصرالله صفير، بطريرك الاستقلال الثاني. لقد قال الرّاعي، اللبنانيّ الصميم، كلمته، ودعا القطيع كلّه إلى نبذ سياسات القطيعة، والتوحّد تحت السماء اللبنانيّة، لإعادة لبنان إلى قلب لبنان.
أعلنها انتفاضة لبنانيّة على الانهزاميين والمستسلمين والذميّين واستعاد المبادرة. لم يتّعظ أهل السلطة من عظة الأحد الماضي، وظنّوا بأنّ الرّاعي يطلق مجرّد نداء إلى رعيّـه المتشرذمة. إلا أنّه فاجأهم هذا الأحد بالتّصعيد أكثر فأكثر، فأطلق سهام الحقّ بالمباشر على السياسيّين اللبنانيّين، ولم يستثنِ أحدًا منهم؛ فالفاسد يعرف نفسه، والصالح أعماله تتكلّم عنه. فاتّهمهم بإخفاء مسؤوليّتهم عن إفراغ خزينة الدّولة، وعدم إجراء أيّ إصلاح؛ كما اتّهمهم بالتوافق على المحاصصة. وفي كلامه هذا ضرب للتّعيينات التي أجرتها السلطة حيث أفرغتها بكركي من محتواها وصوّبت السهام في قلب الهدف.
لقد ضرب الرّاعي بعظته مبدأ السكوت بعرضهم جميعًا، فبكركي ما اعتادت يومًا أن تشهد بالزّور. لا سيّما وأنّ الشعب هو مصدر السلطات وهو وحده الذي يحكم. وهذا الشعب اليوم هو بحالة ثورة. لقد أعلنها الرّاعي: المطلوب حماية أمنيّة للثورة لا قمعها. لقد وضع إصبعه على الجرح الأمني النّازف منذ زمن الاحتلال السوري؛ وهو ككثيرين ممّن اعتقدوا أنّ هذا الزمن قد ولّى، لكن تبيّن له وللبنانيّين جميعًا، أنّ السلطة ما زالت هي هي، منذ زمن الاحتلال السوري الأسود.
وتابع اتّهامه لهذه السلطة محاولا بموضوعيّته المشهود له فيها، تصويب عملها نحو المخرّبين الموجودين خارج الثورة، فبالنّسبة إليه الثوار هم أمل المستقبل. بكركي تترقّب بحذر الثورة اللبنانيّة، وهي إلى الآن، الأحرص عليها وعلى آدائها النّظيف. ولا تريد من الثوّار إلا أن يحافظوا على نظافة ثورتهم وتنقيتها من المخرّبين. فدعوة بكركي أيضًا إلى الثوّار الشرفاء، والأحرار، ونظيفي الكفّ، لتنقية ثورتهم من كلّ مخرّب يتسلّق على جنباتها ليجد مكانًا لنفسه، أو لمن قد يكون مدفوعًا من السلطة السياسيّة لأهداف تخريبيّة معروفة.
ويستحضر الرّاعي الصميم نمطيّة العيش اللبناني بطريقة غير مباشرة فيشير إلى توسّل اللبنانيّين اليوم الإذلال نمطًا لحياتهم بفضل أهل الحكم. ويلقي الملامة على المسؤولين الرافضين اللقاء فيما بينهم للبحث الجدّي في إيجاد سبل الخروج من المعاناة. هذه هي " اللبنانيّة" التي يريدها الراعي للبنانيّين جميعهم، ومن دون أيّ استثناء. الجرأة حيث لم يجرؤ الآخرون هي طلبه. المطلوب واحد ومعروف، البحث في الحدّ من معاناة اللبنانيين وإيجاد الحلول للأزمة، وهي معروفة وليست بحاجة إلا إلى قرار جريء.
وكما عهدناه في عظاته يوم كان راعيا لأبرشيّة جبيل، تابع بجرأته وخاطب رأس السلطة اللبنانيّة، فخامة رئيس الجمهوريّة، وطالبه بشكل مباشر بالعمل على فكّ الحصار عن الشرعيّة والقرار الوطني. ومن أجل حماية لبنان من أخطار التطوّرات السياسيّة والعسكريّة المتسارعة في المنطقة، ومن أجل تجنّب الانخراط في سياسة المحاور والصراعات الاقليميّة والدّوليّة ، والحؤول دون تدخّل الخارج في شؤون لبنان، وحرصًا على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي، وفتح آفاق واعدة لشبّانه وشابّاته، والتزامًا منه بقرارات الشرعيّة الدوليّة والاجماع العربي والقضيّة الفلسطينيّة المحقّة، والمطالبة بانسحاب الجيش الاسرائيلي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر، وبتنفيذ قرارات الشرعيّة الدّوليّة ذات الصلة، طالب الأسرة الدوليّة بإعلان حياد لبنان. وأشار الراعي إلى تأييد من معظم اللبنانيين لهذا الطرح، وأضاف بأنّ اللبنانيين لا يريدون بأن يتفرّد أيّ طرف بتقرير مصير لبنان، ولا سيّما بتغيير هويّته من خلال العبث بالدّستور والميثاق والقانون. فاللبنانيّون يريدون شكرة ومحبّة، ولا دولة تتنازل عن قرارها سيادتها بعد اليوم. لقد صوّب بوصلة الثورة فأعلنها ثورة سياديّة دستوريّة اجتماعيّة.
ونسف الراعي ثلاثيّة حزب الله وحلفائه: جيش وشعب ومقاومة، وأطلق التسعاويّة اللبنانيّة القائمة على: الشعب، والأرض، والحدود، والهويّة، والصيغة، والنظام، والاقتصاد، والثقافة، والحضارة. لقد رسمت بكركي خارطة طريق المرحلة القادمة التي يجب أن تبدأ بإعلان حياد لبنان، وليس أقلّ منى ذلك، وبتثبيت الهويّة الكيانيّة اللبنانيّة ذات الوجهة الحضاريّة المتعارف عليها منذ ألف وخمسمئة سنة. ذلك كلّه ينبئ بأنّ بكركي ستكون رائدة الانتفاضة اللبنانيّة من خلال قيادتها لحركة معارضة وطنيّة شاملة، ستتبلور معالمها في هذا الأسبوع من خلال الوفود التي ستؤمّ الصرح البطريركي إن في الديمان وإن في بكركي. لذلك، تحضّروا لمرحلة جديدة صارت معالم ومبادئ وأهداف جبهة المعارضة واضحة فيها. ومن له أذنان للسماع فليسمع.