تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
منذ نجاح خطة وتجربة تفكك الإتحاد السوفياتي، اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية الحصار والعقوبات الاقتصادية على خصومها، باعتبارها أقل كلفة من أية مواجهة عسكرية. فهي وإن كانت تحتاج إلى الوقت الطويل، بعكس الحروب الخاطفة ، لكنها أفضل على مستوى تحقيق الأهداف .
عادة ما تحاول الولايات المتحدة التمييز بين النظام والشعب، لخلق فجوة داخل الدولة، وتأليب المواطنين على النظام، الذي يتم اتهامه بالفساد والظلم والدكتاتورية وعدم احترام حقوق الإنسان، وتحميله مسؤولية انهيار سعر العملة الوطنية، وارتفاع الأسعار والتردي الاقتصادي في البلاد .
كان الإتحاد السوفياتي دولاً وشعوباً غير متجانسة، تشضّى في لحظة انحلال القيادة المركزية، وبروز قيادات إقليمية ساعية للإنفصال، بدعم من الغرب الرأسمالي، الذي أوهم المواطنين السوفيات بالجنة الليبرالية وحياة البذخ والترف الموعود .
لم يتكرر نجاح التجربة الأمريكية مع السوفيات في أي مكان في العالم، من كوبا إلى كوريا الشمالية وإيران والعراق وسوريا وفنزويلا وغيرها. ورغم كل المعاناة الاقتصادية والفقر وشبح المجاعة بقيت هذه الأنظمة صامدة، والقت بالمسؤولية عن أزماتها على سياسة العقوبات، مما خلق حالة امتعاض وعداء لدى شعوبها ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وبقيت الشريحة الكبرى من المواطنين لديها داعمة للنظام، فيما شكّلت المعارضة أقلية بقيت عاجزة عن تغيير الحكم، لا عن طريق الإنتخابات ولا عن طريق الثورة، وتم دائماً إخماد الإعتراضات بسهولة .
بعد تعثّر مؤتمر سيدر ومنع المساعدات عن لبنان، وفي ظل أزمة الحكم الحالية، وانخراط بعض الأطراف في الصراعات الإقليمية، والفساد الإداري والمالي على مدى سنوات، إنهارت الليرة بشكل دراماتيكي، مما جعل قسماً كبيراً من اللبنانيين تحت خط الفقر .
إن أول ضحايا انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار كان موظفو القطاعين العام والخاص، الذين يتقاضون أجورهم بالليرة اللبنانية والتي فقدت أكثر من ٨٠٪ من قيمتها، بينما تأثر التجار بنسبة بسيطة وكذلك المزارعون والصناعيون .
يعتمد حزب الله في تمويله على الدعم والمساعدات الخارجية، ومن المعروف طبعاً أنه لا يمتلك حسابات في البنوك اللبنانية، ولذلك فهو أقل المتضررين، خاصة أن بيئته الحاضنة والشيعية على الأخص، تعتمد منذ زمن على ابنائها المهاجرين، فقلما تجد بيتاً في الجنوب ليس فيه مهاجر، يعمل في أفريقيا أو أوروبا أو غيرها .
إن اللبناني الذي يعمل في الخارج بات في وضع اقتصادي أفضل نسبة إلى العاملين في الداخل، مما يعني أن دعم هذه الأُسر سيستمر، ويمكن لمن يجول جنوباً أن يلاحظ أن الحياة لم تتوقف، فوُرش البناء والسيارات الفاخرة ومظاهر البذخ ما زالت موجودة لدى قسم ليس بقليل، وهذا ينطبق على مناطق أُخرى أيضاً، فالاغتراب هو الثروة الحقيقية للبنان التي أبقته صامداً على مدى عقود، رغم الحروب والهدر والفساد في كافة مفاصل الدولة .
ازدادت بيئة حرب الله تماسكاً بعد حرب تموز، ولم ينفرط عقدها كما توقّع البعض، وهذا ما يتكرر اليوم، وكما قال رئيس الحزب التقدمي الأشتراكي وليد جنبلاط في حديثه إلى فلتمن: أن العقوبات الأمريكية ستضر الشعب اللبناني وليس حزب الله. وهذا يتكشّف ويُصبح جلياً يوماً بعد يوم .
لقد أثبتت التجربة أن البيئة الفقيرة تسهل قيادتها أكثر من الغنية، خاصة من قِبل الحركات الدينية أو تلك التي تمتلك إيديولوجية متطرفة. وكلما زاد الفقر أصبح حجم الأموال اللازمة للسيطرة على هذه الجماعات أقل، وأصبحت أكثر ميلاً للتطرف والإنخراط في أعمال الحرب، وربما هذا هو السبب الرئيسي لفشل العقوبات الأمريكية في تحقيق النجاح، وتغيير أي من هذه الأنظمة التي فرضت عليها الحصار والعقوبات .
حتى الآن ما زال بعض صقور الإدارة الأمريكية مقتنعين بإمكانية إسقاط الأنظمة والمنظمات المعادية لهم عن طريق العقوبات، فيما يدعو فريق آخر إلى استعمال القوة واللجؤ إلى الحرب، كما حدث في العراق وليبيا من قبل، ويشجعون على أن يكون الإختبار الأول في لبنان .
لقد أعدّ رئيس اركان الجيش الأسرائيلي أفيف كوخاي خطته للحرب على لبنان، وأبلغ ذلك إلى الحكومة الإسرائيلية التي ما زالت غير راغبة بالتورط عسكرياً، لكن هناك أطراف داخل وخارج إسرائيل تدفع في هذا الإتجاه، للإستفادة من حالة التفكك، وانشغال الدول العربية في الصراعات، من اليمن إلى العراق وسوريا وليبا ومصر، وكذلك إنشغال العالم بجائحة كورونا ومعالجة آثارها الاقتصادية، ويرى هذا الفريق أن الفرصة سانحة للأنقضاض وتمرير صفقة القرن. ولذلك دفعت إسرائيل بخطة الضم في غزة ، وبدء التنقيب عن النفط في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان .
رد حزب الله بنشر خريطة أهداف في عمق الكيان الصهيوني، ورفع جهوزية عناصره، وبات مستعداً لكل الإحتمالات. وفيما قرع طبول الحرب في المنطقة مستمر منذ مدة، يترقب الجميع إشارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المحاصر داخلياً على أبواب الإنتخابات الرئاسية، والذي قد يختار الهروب إلى الأمام، فيكون آب اللهاب حارقاً على عدة جبهات وتنطلق معه موجة الحرب.