تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
بعد زيارة رئيس الحزب التقدمي الأشتراكي وليد جنبلاط إلى بعبدا، ومشاركة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع المفاجئة في اللقاء حول الخطة الأقتصادية، وما واكب ذلك من تراجع للتحركات الشعبية في الشارع، بات واضحاً أنه تم التمديد مؤقتاً للحكومة الحالية. وأعلن جنبلاط صراحةً أن الوقت غير مناسب لتغيير حكومي، وجاءت زيارة جعجع لتصب في نفس الأتجاه، ويبدو أن الجميع مقتنع الآن باستحالة الأتفاق على حكومة جديدة في ظل الظروف الراهنة، وأن وجودها أفضل من الفراغ .
قدمت الحكومة خطة إصلاحية لمدة خمس سنوات، وبالرغم من أهمية ما ورد فيها، لكنها ببساطة قاصرة عن الإنقاذ، ولا تُشكّل أكثر مشروع إدارة للأزمة، المرشّحة للتفاقم في الأشهر المقبلة .
لم تتطرق خطة الحكومة إلى جوهر المشكلة المالية والأقتصادية في لبنان، والتي يعرفها جيداً معظم الخبراء. فهي وقبل كل شيء ترتبط بخيارات لبنان السياسية، وعدم التزامه الفعلي بالحياد، الذي تم الاتفاق عليه في بيان الحكومة السابقة، وهذا ما حرم لبنان طبعاً من مساعدات مالية، كان يمكن ان تُسهم في تجنيبه السقوط في الهاوية النقدية .
أمّا في الشق الداخلي، فإن الخطة لم تعالج ايضاً القضايا الرئيسية المتمثلة؛ بغياب الدولة، وفساد اداراتها، بدءاً مما يحصل من مخالفات في الجمارك، وتهريب للبضائع وتهرّب جمركي وضريبي، وهذا يحرم خزينة الدولة من مئات ملايين الدولارات، إضافة إلى موضوع المعابر غير الشرعية، والهدر المستمر في الكهرباء، والاستدانة لمشاريع غير منتجة كالسدود، وسياسة البذخ المستمر في مصاريف الادارات والمؤسسات والبلديات وغياب الرقابة الفاعلة .
يعلم الجميع أن إعلان الحكومة عن استعادة الأموال المنهوبة سيبقى حبراً على ورق، ولن تتم محاكمة كبار الفاسدين، ولا استعادة قرش واحد منهم. ورغم أن الشعب يتمنى محاسبتهم، ورؤية الدولة تحسم أمرها، وتجتث الفساد، وتقتص من المرتكبين، لكننا نعلم أيضاً أنه في ظل التركيبة الطائفية القائمة حالياً، فأن أية حكومة ستكون عاجزة عن تحقيق ذلك .
لا تتحمل هذه الحكومة مسؤولية الأزمة التي هي نتيجة لسياسات خاطئة منذ سنوات، لكن لا شك أن هذه الحكومة عليها مسؤولية معالجة الوضع ومنع الأنهيار. ولا شيء يمنعها من اتخاذ قرارات جريئة، في مواضيع شتى، كالجمارك، والمعابر، والأملاك البحرية، وإيجارات المباني لإدارات الدولة بمبالغ باهضة، والموظفين الذين يتقاضون رواتب خيالية، أو أولئك الذين لا يعملون أو لا عمل لديهم حتى، وكل ذلك لا يحتاج إلى مئة يوم أو أشهر، بل إلى إرادة صلبة صادقة في العلاج وقرار جريء .
المصارف انتهكت القوانين، والصرافون والتجار تلاعبوا بالعملة والأسعار، وبات الدولار يرتفع سعره كل يوم، والرواتب أصبحت تعادل ثلث قيمتها السابقة، والحكومة لا تُحرك ساكناً، بحجة معالجة وباء الكورونا، ونراها تدخل في مناكفات تعينات لا طائل منها، وكأن جل هم القوى السياسية في لبنان أن يصل أحد تابعيها إلى هذا المركز أو ذاك، باعتبار مصلحة الدولة والشعب أو الطائفة رهن وصول هذا الموظف .
فقد لبنان مصادر تمويله الأساسية، خاصة أموال المغتربين، والسياحة، وأموال سيدر الموعودة، وساءت علاقته بعدة دول صديقة، ولا يمكن تحويل الأقتصاد من ريعي إلى منتج في بضعة أشهر أو سنة، وبات واضحاً أن أول ما نحتاجه، هو توافق وطني على بناء دولة قادرة على بسط سلطتها على كامل أراضيها ومواطنيها، ومحاسبة الفاسدين، وقطع يد سارقي المال العام، واستعادة ثقة المغتربين والدول الصديقة، والتخلي عن إلحاق لبنان بمحاور دولية أو إدخاله في صراعات وحروب اقليمية، لم تجلب له سوى الخراب والدمار .
وحتى اقتناع جميع الأحزاب والقوى السياسية بمشروع الأصلاح الوطني الحقيقي، الذي تتخلى فيه الطوائف والأحزاب عن دويلاتها، ويتخلى الزعماء عن استغلال طوائفهم، ويقتنع الجميع باستقلال لبنان، وعدم إلحاقه بدول ومحاور أُخرى، ستبقى خطة الحكومة وأية حكومة غيرها حبراً على ورق، ولا تُمثّل سوى إدارة للأزمة ولن ترقى إلى مستوى الإصلاح والإنقاذ .