#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
منذ اكثر من 75 عاماً وإسرائيل تعتدي على لبنان، بعد أن قتلت الفلسطينيين ودمرت قراهم، وأجبرتهم على اللجوء الى لبنان ودول الجوار.
عمدت إسرائيل منذ نشأتها إلى بناء جيش قوي، ودعمتها بريطانيا وأمريكا ودول الغرب، حتى أصبح الجيش الأكثر تسليحاً وتجهيزاً في المنطقة، وتم تزويده بأحدث الأسلحة والطائرات والذخائر، بما فيه السلاح الكيماوي والنووي.
أرست إسرائيل بمساعدة أمريكية، قاعدة التفوق على الجيوش العربية. وروّجت مقولة الجيش الذي لا يُقهر، ونجحت في عدة حروب خاطفة خاضتها مع العرب، حتى كاد العالم يصدق أنها فعلاً لا تُقهر، وعلى العرب جميعاً الرضوخ لهذا الواقع.
ثم باتت تروّج لاستعدادها لحماية بعض الدول العربية من إيران.
أما على جبهة لبنان، فلطالما اعتقد الإسرائيليون بأنهم قادرون على اجتياحه بفرقة موسيقية، وقاموا مراراً وتكراراً بقصف لبنان، وتنفيذ عمليات اغتيال واعتداء، ودخول بري وصل إلى اجتياح العاصمة بيروت عام 1982.
في عام 1996 نفذت إسرائيل عملية قصف واسعة للاراضي اللبنانية، سُمّيت ب"عناقيد الغضب" لكنها لم تنجح في كسر روح المقاومة، التي أجبرتها عام الفين على الانسحاب من لبنان، ولكنها ابقت على احتلالها لنقاط ومساحات صغيرة على الحدود.
في عام 2006 بعد أقل من ساعة على تنفيذ حزب الله عملية أسر ثلاثة جنود، كان الطيران الحربي الإسرائيلي يقصف كامل الأراضي اللبنانية، ويقطع الطرق الرئيسية والفرعية، ويهدم الجسور، ثم حوّل ضاحية بيروت إلى هدف رئيسي، صب عليه جام غضبه، وأكثر القنابل الأمريكية فتكاً ودماراً.
سابقاً رفعت بعض قيادات لبنان شعار "قوة لبنان في ضعفه"، واستنادًا إلى هذه النظرية، لم يتم تسليح الجيش اللبناني، بما يحتاج إليه للدفاع عن حدود الوطن، في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية. وتسبب ضعف الجيش بتفلّت الوضع الأمني وانتشار السلاح، وتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية لاتفاق القاهرة، وتسليحها للمخيمات الفلسطينية، ونشر مراكز عسكرية حتى في قلب العاصمة بيروت.
تفاقم الوضع حتى اندلعت الحرب الأهلية، وباتت الدولة في لبنان هي الطرف الأضعف، وتقاسمت الاحزاب والمليشيات مناطق النفوذ والسيطرة، وتحول الصراع من وطني، وسعي لمحاربة الفساد واصلاح النظام وبناء دولة علمانية، إلى صراع مذهبي مناطقي، أذكى الضغائن والاحقاد والانقسام بين ابناء الوطن الواحد.
ما زال الانقسام اللبناني مستمراً، بين من يدعو إلى تحييد لبنان عن الصراع في فلسطين المحتلة، وبين من يؤيد عمل المقاومة ودعمها للشعب الفلسطيني.
لا شك أن لبنان دفع ثمناً باهضاً للصراع الداخلي، وكذلك للصراع الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، والسبب الأول كان وما زال اعتداء إسرائيل على الشعب الفلسطيني وتصدير الأزمة إلى لبنان، في ظل ضعف الدولة، ورفض البعض لتسليح الجيش اللبناني، وفرض الولايات المتحدة الامريكية حظراً على تزويد الجيش بأسلحة نوعية.
من الصعب أن تفهم وجهة نظر الرافضين لتسليح الجيش، ودعوتهم إلى نزع سلاح المقاومة، في نفس الوقت. وكأن المطلوب بقاء لبنان دولة ضعيفة، أو لا دولة إذا صح التعبير، ومساحة مفتوحة للإسرائيليين، لتنفيذ سياساتهم العدوانية، وكي لا ينزعج الأميركي، من مجرد احتمال قدرة لبنان على حماية أراضيه، ومواجهة الاعتداءات الاسرائيلية.
رغم اعتراف كل القوى السياسية أن إسرائيل ما زالت تحتل أراض لبنانية، وأنها لا تحترم أي قرارات دولية، ولا تلتزم بالقانون الدولي، وتنتهكه كل يوم، يرى هؤلاء أن الحل هو بالقبول بما تفرضه علينا أمريكا وإسرائيل، لأن أي مقاومة ستجر الويلات على لبنان، الذي لا طاقة له على تحملها، ولا قدرة له على مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي.
منذ حوالي 11 شهراً تقريباً، انخرط حزب الله في معركة اسناد للمقاومة في غزة، وحافظ على سقف لعملياته، التي تركزت على أهداف عسكرية للعدو، لكن إسرائيل قامت بمحاولات ترويع المدنيين واستهدافهم، ونفّذت عمليات اغتيال، وصلت مرتين إلى ضاحية بيروت، وهددت بتدمير لبنان وإعادته الى العصر الحجري.
بعد اغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر، كثرت الوفود الدولية إلى لبنان، ونقلت رسائل التحذير والتهديد من إسرائيل بالحرب الشاملة المدمرة، إذا رد حزب الله على عملية الاغتيال.
لكن الحزب رفض الاستماع إلى رسائل الوعيد والتهديد، ونفذ رداً له ابعاد استراتيجية كثيرة، في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها المنطقة.
لقد أرسى حزب الله معادلة جديدة مع العدو الإسرائيلي، تقوم على عدم السكوت على أي إعتداء يستهدف لبنان، وأن تل ابيب مقابل بيروت، والمدني بالمدني، وأثبت الحزب أنه بجزء بسيط من وسائله العسكرية، قادر على تجاوز كل الدفاعات الإسرائيلية، والوصول إلى أهم المراكز العسكرية الإسرائيلية في ضاحية تل ابيب، وهي قاعدة غاليلوت مركز الوحدة 8200 الاستخباراتية، وإلى كل العمق الإسرائيلي.
حذّر حزب الله إسرائيل من القيام بأي رد يستهدف المدنيين اللبنانيين، أو البنى التحتية في لبنان، وأكّد أنه سيرد بنفس الطريقة على أي اعتداء.
لأول مرة في تاريخ الصراع بين لبنان وإسرائيل، ترى إسرائيل مردوعة بالقوة، وتخشى التورط في حرب كبرى مع دولة عربية!!!!!
إسرائيل التي استباحت سيادة لبنان لعشرات السنين، وقصفت القرى والمدن، وقتلت المدنيين وارتكبت المجازر بحقهم، وهم في حماية قوات الامم المتحدة وفي مراكزها، تبدو الآن رغم كل ترسانة الأسلحة الهائلة التي زودها بها الغرب، تقف حذرة وتتهيب الدخول في حرب شاملة مع المقاومة في لبنان، وتقبل بنزوح آلاف المستوطنين من الشمال، وتتوسل عبر الموفدين وقف جبهة لبنان.
نعم لأول مرة باتت إسرائيل مردوعة بالقوة، لأن هذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها قادة هذا الكيان. ولو كان بإمكانهم سحق المقاومة وإزالة لبنان من الوجود، دون أن يصيبهم ضرر ودمار كبير، لفعلوا ذلك دون أن ينتظروا ولو لحظة واحدة، ودون أن يرف لهم جفن.
لأول مرة على الحدود اللبناني الجنوبية، يشعر المستوطنون في شمال فلسطين المحتلة بالقلق، وأنهم مجبرون على ترك منازلهم.
وتشعر إسرائيل أنها اذا قصفت المدنيين في لبنان، ستدفع ثمناً لذلك.
ولأول مرة يشعر جيش الاحتلال على أنه قد يكون مجبراً على القتال داخل المستوطنات، ضد أفواج المقاومة، في حال فُتحت الحرب على مصراعيها، فيبدأ بتوزيع السلاح على المستوطنين، ويضع خططاً للدفاع عنهم، فالمعركة هذه المرة، قد لا تحصل داخل القرى الحدودية اللبنانية في الجنوب، بل داخل مستوطنات الشمال.
لقد باتت قوة لبنان بقوة مقاومته، التي لا بد أن تصبح مستقبلاً جزءاً من جيشه القوي، القادر على حمايته، والحفاظ على أمنه وسيادته.