#الثائر
في زيارة هي الأولى من نوعها منذ اعلان "حزب الله" منظمة إرهابية في عام 2016، التقى الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام ذكي رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، وسط كلام عن إبلاغ ذكي الحزب بإزالة التصنيف الإرهابي عن "حزب الله".
هذا التطور الكبير يأتي بالتزامن مع تغييرات هائلة شهدتها العلاقات الدولية والعربية في السنوات الأخيرة، ويتلاقى مع المصالحات التي عقدتها دول الخليج مع إيران.
أتى تصنيف حزب الله منظمةً إرهابية من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، ومن جامعة الدول العربية، في وقت حسّاس من تاريخ لبنان والمنطقة، حين كان يُنذر مستوى الصراعات المنتشرة في عدد من دول الشرق الأوسط بتفجر حرب طائفيّة عابرة للحدود مع استمرار الحرب في سوريا وتوسّعها في اليمن وتداخل هاتين الساحتين بالنسبة إلى القوى الإقليمية.
تمتلك الدول العربية نفوذاً كبيراً في داخل لبنان، لا سيما سوريا والسعودية ومصر، وسابقاً العراق، قبل أن يتراجع النفوذ المصري والسعودي، وبقاء سوريا والسعودية كلاعبين أساسيين.
بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، ظهر الدور الإيراني أكثر من خلال "حزب الله"، الذي لم يعد مجرّد حزب سياسي وعسكريّ يعمل على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وتصاعد دوره من تنظيم مقاوم إلى حزب مشارك ومؤثر، لا بل مهيمن على الحياة السياسية اللبنانية، إضافة إلى أدوار خارجية عسكرية وأمنية كبيرة، خصوصاً بعد عام 2005 واغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، الذي أمّن مظلّة خارجية حامية.
وبعد الافتراق السوري-السعودي خاض "حزب الله معارك سياسية مع الفريق المدعوم سعودياً، وحارب حكومات السنيورة والحريري المدعومة سعودياً، واستطاع عرقلة عملها وقيّدها.
المشاركة في الحرب السورية بعد عام 2011 كانت بداية الاشتباك مع الدول العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، كما أدت إلى خسارته الجزء الأكبر من التأييد الشعبي العربي المتعاطف مع مقاومته للإسرائيلي.
المشاركة والتدخّل في اليمن كانت القشّة التي قسمت ظهر البعير، إضافة إلى الاحتكاكات العديدة سياسياً وأمنياً مع دول الخليج التي وصلت إلى حدّ اتهامه بالتورط في عمليات أمنية في دول الخليج العربي.
وفي عام 2016، أعلن أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني حزب الله منظمة إرهابية "جراء استمرار الأعمال العدائية التي تقوم بها عناصر تلك الميليشيات لتجنيد شباب مجلس التعاون للقيام بأعمال إرهابية وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وإثارة الفتن، والتحريض على الفوضى والعنف، في انتهاك صارخ لسيادتها وأمنها واستقرارها". وأضاف الزياني: "إن هذه الممارسات للحزب في كل من سوريا واليمن والعراق تتنافى مع القيم والمبادئ والأخلاق والقوانين الدولية، وتشكّل تهديداً للأمن القومي العربي".
كلام الزياني يلخّص مجمل الأسباب التي تراها دول مجلس التعاون الخليجي كافية لإصدار مثل هذا القرار؛ فالحديث عن تجنيد مواطنين في دول المجلس للقيام بأعمال "إرهابية" يأتي في إطار رفض دول المجلس لأيّ دور لحزب الله خارج المطلوب من الأحزاب أداؤه، وتحديداً عدم خروجه كقوة نفوذ إلى خارج الحدود اللبنانية، حيث يتمثّل منطق العلاقات الدولية الرسمية أن تتولّى الدولة حصراً العلاقات الرسمية بالدول؛ وسعي حزب الله لتأسيس خلايا في داخل هذه الدول أو دعمها هو خرق لسيادة الدول، وضرب لموازين العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون.
إعلان مجلس التعاون الخليجي وضعته هذه الدول على طاولة جامعة الدول العربية، الذي تبنّته بتحفّظ لبنان والجزائر والعراق وموافقة الدول الأخرى.
وبعيداً عن مقولات أن قرارت الجامعة العربية لا تنفّذ ولا تؤثّر وغير ذات جدوى، فإن لبنان تأثّر بشكل كبير وعلى جميع المستويات؛ فأولى تباشير القرار أتت بالتزامن مع حرمان الجيش اللبناني من هبة سعودية بمئات ملايين الدولارات، بالتزامن مع وقف الاستثمارات الخليجيّة، وسحب رؤوس الأموال، ومنع السياح، وفرض المقاطعة السياسية ، بل تحوّل الأمر إلى شبه عزلة سياسيّة لم يشهدها لبنان في تاريخه، إضافة إلى تراجع اقتصاديّ بلغ انهياراً شاملاً في 2019.
خلال السنتين الأخيرتين، وبعد إعادة تفعيل الحوار بين دول الخليج، لا سيما المملكة العربية السعودية وإيران، وما لحقها من إعادة فتح سفارات في السعودية والبحرين، بالإضافة إلى الحوار السوري الخليجي، وإعادة مقعد سوريا إلى النظام السوري، وإعادة إغلبية الدول العربية علاقاتها مع سوريا باستثناءات بسيطة، وبدء الحرب الإسرائيلية على غزة وإعلان حزب الله "إسناد غزة"، يبدو أن الأمور جميعها تحلحل الأوضاع بعد أن تأزّمت.
برأي وزير الخارجية اللبناني الأسبق فارس بويز أن إزالة الحزب عن لائحة الإرهاب تطوّر طبيعي للمسار الجاري منذ اتفاق بيجينغ عام 2023؛ فالصراع العربي خفت، ونستطيع القول إنه انتهى".
ويردّ بويز وضع الحزب على قائمة الارهاب في جامعة الدول العربية إلى الصراع السني-الشيعي أو السعودي-الإيراني، الذي كان قائماً، وكان بأوجهِ، ولكون السعودية ذات تأثير كبير في جامعة الدول العربية فقد تلاقت معها الدول الأخرى.
ويقول لـ"النهار": "أتت قمّة الصين، ومن بعدها عمليات تطبيع العلاقات بين الدول العربية وسوريا (النظام) لتُنهي هذا الصراع. وبنظر هذه الدول العربية، "حزب الله" جزء من هذا الصراع، وبالتالي لا ضرورة لاستمرار الاشتباك معه".
ويضيف: "لا أعتقد أنه سيكون هناك عشق بين الدول العربية، خصوصاً الخليجية، وحزب الله، إنما سيكون هناك تطبيع بالحدّ الأدني أو عدم مقاطعة تامة"، مشيراً إلى إمكانية دخول الخليج في عملية إعمار سوريا؛ الأمر الذي تحتاج معه إلى عدم العداء مع "حزب الله"".
وعن الآلية المتبعة لعملية إزالة التنظيم من "لائحة الإرهاب"، خصوصاً أنه اتّخذ باجتماع عام، يشير بويز إلى أن الأمين العام لجامعة الدول العربية لديه صلاحية باستشارة مندوبي الدول بخصوص العودة عن قرار أو تصنيف وأخذ موافقتهم؛ وحتى الساعة، فإنه غير معلوم كيف اتّخذ هذا القرار، إذا صحّ ما تسرّب، إن كان عبر اجتماع مندوبين، أو عبر اتصالات على شاكلة المراسيم الجوّالة، لافتاً إلى أن الآلية غير ذات أهمية إذا كان هناك إجماع على الموافقة".
ويشدّد بويز على أن لا علاقة لهذه الخطوة بقضيّة ما يحدث في لبنان أو جبهة حزب الله وإسرائيل، معتبراً أن الأمر أكبر من الصراع اللبناني-الإسرائيلي، وهو يتعلق برغبة نتنياهو بجر #أميركا إلى حرب مع إيران، ويرى في قضية توسيع الجبهة مع "حزب الله" فرصة كبيرة لهذا الأمر.
ويقول إن الأميركيين حتى الآن صامدين أمام ضغط نتنياهو عبر الهروب من هذه المواجهة لتأثيرها الكبير عليهم، وعلى قواعدهم ومصالحهم، خصوصاً الاقتصادية، التي يمكن أن تُضرب في المنطقة؛ هذا من جهة، وبسبب تراجع اللوبي الإسرائيلي في أميركا والعالم، وعدم تمكّنه من فرض ما يريد كما كان يفعل من جهة ثانية".
ويختم بأن الوضع اليوم يقف عند هذه النقطة، وأيّ خطأ يمكن أن يشكل الشرارة، وعندها القصّة لن تتوقف عند "حزب الله" أو مسيّراته أو صواريخه".
المصدر - النهار