#الثائر
شدد شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي ابي المنى على "اهمية المبادرات تحت مظلة الدستور والمجلس النيابي، للخروج من نفق التعقيدات، والحوار الذي يصل لانتخاب رئيس للجمهورية والبدء بإصلاح المؤسسات وتفعيل العمل المؤسساتي". مؤكدا على "الالتزام بمصلحة الوطن قبل اي مصلحة خارجية، اذ لا يجوز أن نخرب بلدنا لنصلح الخارج".
وقال خلال استضافته عبر "اذاعة الشرق" مع الاعلامية وردة: "إنها فرصة لنا لنعبّر عن مشاعرنا وعن قلقنا وعن تطلعاتنا، فنحن في قلب الوطن وفي قلب المجريات التي تحصل، كلمتنا واضحة ورسالتنا واحدة، اذا لم يكن هناك من طاولة تجمع الكل، روحية كانت أو غير ذلك، فإن هناك لقاءات تحصل هنا وهناك، تعبِّر عن رسالة واحدة، وتطلق صوتاً واحداً يدعو الى الاصلاح، الى الجمع لا الى التفرقة، الى معالجة الأمور بحكمة وعقلانية. لقد تأخّر انعقاد القمة نتيجة تطور الظروف وتأثير الانقسامات السياسية وتراكم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وربما لانشغال كل طرف بقضاياه الداخلية الضاغطة. حتى ولو عُقدت القمة فهي ليست بديلاً عن المؤسسات الدستورية، بل إنها ستدعو الى إحياء تلك المؤسسات لتقوم بدورها، وإلى أن تكون الدولة المرجعَ والملاذ وصاحبةَ القرار، وأن تكون رسالةُ المرجعيات الروحية دعوةً للجمع ولاحترام الدستور وللتلاقي على القضايا الوطنية والاجتماعية الاقتصادية الواحدة، والى الإصلاح ومعالجة شؤون مؤسسات الدولة ومحاربة الفساد".
أضاف: "لا يمكن ان نضع انفسنا مكان المسؤولين، او ان يكون الرؤساء الروحيّون والقمة الروحية بديلاً عن المؤسسات الدستورية. أن الظروف تتطور والقضايا تتراكم، والطرق ليست مقفلة بين الرؤساء الروحيّين، ولكن إذا ما عقدت القمة الروحية فسيكون صوتها داعياً الى إحياء المؤسسات لتقوم بدورها وستكون مكسباً إضافياً وقيمة وطنية ومعنوية عاليه، أما التأخر في انعقادها فيعود إلى تطوّر الظروف وتأثير الانقسامات السياسية، لا نقدر أن نهرب من الواقع، واقع لبنان حيث تراكم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وربما بسبب انشغال كل رئيس روحي بقضاياه الداخلية الضاغطة وبالأزمات المتلاحقة. اضاف: سنظل صامدين في مواجهة الانهيار، وسنبذل الجهود حيث يحتاج الأمر الى جهد، لخدمة أهالينا وأبناء مجتمعنا. هناك معاناة كبيرة، ولو لم يكن هناك دعمٌ من المغتربين وأصحاب الأيادي البيضاء لكان الوضع أصعب بكثير، وهناك طبعاً القيادات السياسية تساعد وهذه مسؤوليتهم، وكلٌّ على قدر امكانيته واهتمامه. هذه الأمور تأخذ حيِّزاً كبيراً من اهتمامنا ومن وقتنا، بالإضافة الى الحاجة الدائمة لتنظيم مؤسساتنا وتطويرها، فالأجيال الطالعة تنشد التغيير والتطوير، ونحن نعمل على التطوير".
وردا على سؤال حول الشراكة الوطنية في ظل الفوضى، قال: "عناوين كثيرة مطروحة، ربما هناك فوضى وحاجة الى التنظيم، حاجة الى بناء المؤسسات، حاجة الى لملمة الأوضاع ولملمة الناس، كثير من الشباب هاجروا للبحث عن مستقبلهم وأصبحوا خارج الوطن. نحن نسعى لتثبيتهم في ارضهم على مستوى الجبل على الاقل، المصالحة مهمة وجيدة ولكنها تحتاج الى العمل على الأرض. هل نحن قادرون أن نتعاون لبناء المؤسسات في الجبل لكي نعيد الشباب ونثبتهم في أرضهم؟ هل بالإمكان أن نستفيد من الأوقاف الدينية؟ هذا ما طرحناه مع غبطة البطريرك ومع الرهبنة المارونية، هل يمكن أن نضع يدنا بيد بعض بشراكة فعلية في هذا الجبل؟ شراكة تبني المؤسسات وتثبت الشباب في أرضهم وتعطيهم الثقة في هذا الوطن النهائي الذي ارتضيناه لنا؟ هل يمكن أن نقوم بعمل ايجابي فاعل على الأرض؟ إننا نعمل على ذلك بخطواتٍ مدروسة، بصياغة نوع من الاتفاق او الميثاق للشراكة. الكل متجاوب، انما كيف نخطو الخطوة الأولى ونبني هذه الشراكة، فذلك يحتاج الى رؤية واضحة وعمل مؤسساتي منظّم. إننا نضع القواعد الاساسية ونستنهض أصحاب الامكانيات للاستثمار في الوطن، وهناك تجاوب جيد بانتظار تعزيز الثقة بهذه الخطوات. هذه هي إحدى المبادرات، إحدى الأفكار. نعم هناك تحدّيات كبيرة وضياع عارم وفوضى مخيفة، لكن علينا لملمة الأوضاع وتعزيز الثقة بأنفسنا وبالوطن".
وردا على سؤال متعلق بالواقع التربوي أجاب: "التربية شقان: الشقّ العلمي ومن ضمنه التوجيه، وهذه مسؤولية النخب التربوية، للاضاءة على الاختصاصات المرتبطة بسوق العمل وحاجة لبنان، والشقّ الثاني متعلق بالتربية الوطنية الانسانية، وبينهما لبنان بحاجة الى نشر ثقافة الوطن والمواطنة لكي نصحّح الوضع. اذا لا بد من خطوات تبدأ من الحضانة الاساس، وكأننا في مدرسة، وهنا تكمن حاجة التربية على محبة الوطن، ثقافة المواطنة، احترام القانون وعلى الانتماء للبنان الوطن الواحد الموحّد. مهما كانت الانتماءات الروحية راسخة فينا وقوية، لكن لا بد من تربية وطنية، ليس فقط كمادة ولكن كنهج تربوي وكمنهج. فلتكن رسالتنا واضحة وواحدة حتى نبني الوطن ونرسخ في أذهان الناشئة واللبنانيين ان لبنان واحد موحّد، إن لبنان وُجد ليبقى، وهو عصيٌّ على الموت، إن لبنان رسالة وليس مجرّد وطن ومساحة جغرافية وديموغرافية، والواجب يقضي بالمحافظة على هذا الكنز الذي لا يقدَّر بثمن، على هذا التنوع اللبناني وهذه الرسالة الفريدة التي تحمل معنى التحدّي الايجابي الفاعل".
وبالنسبة للحوار الروحي المطلوب وغيره، قال أبي المنى: "كنتُ ولا زلت مع الدعوة الى عقد القمة الروحية ومن جهتنا جاهزون ومستعدون دائماً، وقد قمنا بواجبنا وسعينا منذ اللحظة الأولى ودعونا لاستضافة القمة في دار طائفة الموحدين الدروز، هذه الدار الجامعة الوسطية، وما زلنا ندعو لها، وغيرنا سعى ودعا مشكوراً. ليس المهم المكان، بل الروحية التي تجمع اللبنانيين، لا أقول ان القمة الروحية اذا لم تعقد ففي ذلك خراب للبلد واذا عقدت ففي ذلك خلاص البلد، اللقاءات الجانبية مهمة والتواصل الدائم كرسالة للرؤساء الروحيين، وكما قلت في المرة الماضية مهمة اللقاءات والقمة خلق جو ايجابي، جو التهدئة وليس التعبئة، الخطاب الديني يجب ان يكون خطاب تهدئة لا خطاب تعبئة، فاذا كان صوتنا للتعبئة في مواجهة بعضنا البعض، وفي مواجهة طروحات بعضنا بعضاً فإن الأمور ستتفاقم، مهمتنا ليست تشريعية ولا تنفيذية، مهمتنا هي في حفظ هذه الرسالة، وفي خلق الجو الإيجابي بخطابنا المعتدل وبتواصلنا الدائم وبإعطاء صورة للبنانيين بأن الرؤساء الروحيين يلتقون مع بعضهم، ورسالتهم واحدة موحدة، رسالة انسانية اخلاقية روحية وليست سياسية. اما ماذا فعلنا فعلى الأقل من جهتنا كموحدين نحن لن نتطرف ولن ندخل في صلب العمل السياسي كرجال دين، ونحن كرئاسة روحية عملنا ينحصر في خلق هذا الجو الإيجابي، لبثّ هذه الروح الوطنية وتقديم النصح والتوجيه بالكلمة الطيبة، وفي حثّ المسؤولين على القيام بواجباتهم، وليتهم يسمعون".
ولفت ردا على سؤال الى "الظروف الصعبة والخطيرة ازاء ما يجري في غزّة تكاد تكون سببا لاشعال المنطقة! الظروف المتغيّرة فرضت ربما أجواء واجندات جديدة، وخلقت تحدّيات إضافية علينا مواجهتها بحكمة وشجاعة. فالتحدي يُواجه بالتحدي الإيجابي الفاعل، والتحدي الايجابي الفاعل يكون بقبول الآخر، بقبول العيش الكريم معه، بالتكامل الثقافي والاجتماعي، إذ لا مفر من ذلك، وبالشراكة الوطنية والانسجام، التحدي يكون بحفظ الإرث الوطني لكل مكوّن منّا، وبأخذ العبر من التاريخ وبتقدير التضحيات المقدَّمة من هذا المكوّن او ذاك، باحترام تضحيات بعضنا والحفاظ على المكتسبات وتجاوز الخلافات والنزاعات وباقامة التوازن بين إرثٍ لا يمكن أن يمحى وبين واقع لا مفر منه ومستقبل ننتظره جميعنا. احيانا تكون التسويات هي الحل، وفي كل الأحيان الحل يكون بالركون الى القانون والدستور، والتحدي كذلك يكون بإقامة التوازن بين احترام الخصوصيات وحقوق الطوائف وبين المحافظة على النظام وهيبة الدولة، لا بالحفاظ على الطوائف وإلغاء أسس الدولة. التحديات كبيرة والعناوين كثيرة يجب أن تحثنا على اتخاذ المبادرات، فبالأمس القريب كان هناك لقاء في بكركي وسمعت غبطة البطريرك وسمعت بعض الكلمات التي ألقيت والمواضيع التي نوقشت، كلها تدلّ على التوجّهات السليمة من الجميع. لا احد يتجه باتجاه أفكار تقسيمية أو إلغائية، فتقسيم البلد يعني الغاء الوطن، وهذا ما يعرفه الجميع".
ومضى يقول: "من جهتنا نحن في دار طائفة الموحدين الدروز متواصلون مع الجميع ولكن هناك اكيد آراء متباينة بين هذه الطائفة أو تلك، وهذا لا يفسد في الودّ قضية، وكما شاهدنا ورأينا سماحة الشيخ علي الخطيب زار بكركي وزار دار الفتوى وزارنا، ونحن نزور الجميع، ولكن ربما يكون هناك بعض التباين في المواقف، لكننا من جهتنا اعدينا نقاطاً اساسية للقاء روحي أو لقمة روحية، نقاط تشكّل مساحة مشتركة بين الجميع، وإذا ما اعلنت تساعد في خلق هذا الجو الإيجابي وتجمع الجميع حولها، وانا ما زلت انتظر وأكرّر ولكني أقول اذا لم تعقد القمة الروحية فهي ليست العائق في سبيل إنقاذ الوطن، بل هي مكمِّلٌ اساسي للإنقاذ والبناء".
لكن البعض ترجم عدم انعقاد القمة سلبا أجاب الشيخ ابي المنى: "لا بأس، فلتكن تلك الترجمة حافزاً لنا كرؤساء روحيّين للتوجّه نحو عقد قمة روحية ولتكثيف لقاءاتنا وإعلاء صوتنا أكثر وأكثر لمعالجة القضايا. ربما يكون التحرك الفعلي أدنى من المطلوب، والمطلوب اكثر من ذلك لإنقاذ البلد، هناك قضايا سياسية واجتماعية ومالية وواقع مؤلم ومأزوم. ما يتم القيام به على مستوى الدولة أشبه بالمسكنات ونحن نريد العلاج وليس المسكّن".
واستطرد: "ما يزعجنا اننا دائما ننتظر الخارج، وان يقال ان الحل يأتي من الخارج، بانتظار اللجنة الخماسية، أو التقارب السعودي الإيراني، أو الأميركي وجهات اخرى. هناك مسؤولية تقع على اللبنانيين أنفسهم، صحيح أننا نتأثر بالخارج ولا يمكننا أن نفصل لبنان عنه اطلاقاً، ولكن هذا لا يعفينا من المسؤولية. اننا نقول إن المسؤولية الأولى تقع علينا كلبنانيين، ومسؤوليتنا كروحيين هي في خلق الجو الايجابي، والسعي والتحرك لخلق هذه المساحة الايجابية، وعلى مجلس النواب التشريعي وعلى الحكومة احترام الدستور والمبادرة الى اتخاذ الخطوات السياسية والترفع قليلا عن الخلافات، من أجل مصلحة لبنان، هناك ثوابت يجب ان نركّز ونؤكد عليها".
وتابع: "ربط القضايا الداخلية بالخارج يفرّق بين اللبنانيين، وعدم الالتزام بالدستور يضعف الدولة، علينا التمسك بجوهر اتفاق الطائف، وهذا امر اساسي، إذ هو العقد الوطني والاجتماعي الضابط لهذا الكيان، وجوهر هذا الاتفاق ان لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك، هذا هو جوهر الطائف. التمسك بالطائف لا يعني عدم تحسين بعض التفاصيل وتوضيح بعضها الآخر، على غرار الأنظمة الداخلية في المؤسسات تُعدَّل ولكن لا نمسّ بالقانون الأساسي، يعني عدم المسّ بالقانون الذي بنيت عليه المؤسسات، ولكن يمكن تحسين النظام الداخلي تبقى الأسس والمبادئ التي نشأ عليها ثابتة".
وردا على سؤال حول المبادرات النيابية وغيرها، قال شيخ العقل: "المبادرات أمر مطلوب وأساسي ومفيد، ولكن كيف يمكن أن نجمع هذه المبادرات؟ اقترحت على أصحابها أن تكون هناك طاولة حوار لأصحاب المبادرات، اذا لم تكن لرؤساء الكتل والأحزاب فلتكن لأصحاب المبادرات انفسهم لعلها توصل الى مبادرة موحدة".
وهل ترى ان الجميع يريد الحوار؟ وما رأيكم بمبادرة الاعتدال الوطني؟ اجاب: "اكدنا على دعم المبادرة وكل مبادرة تكون خطوة في الاتجاه الصحيح وتحت مظلة الدستور والمجلس النيابي، فليؤخذ بيد الأخوة اصحاب المبادرات التي لا تحرج الجميع وانما تخرجهم من هذا النفق ومن التعقيدات. فليلتقوا وليتحاوروا لعلهم يصلون الى انتخاب رئيس للجمهورية والى البدء بإصلاح المؤسسات وتفعيل العمل المؤسساتي.لا بد من انتخاب رئيس للجمهورية فهو الحاضن للجميع، ولا بد من خرق هذا الجمود وهذا الخلاف فنتفادى الأخطار معاً ونؤكد على الالتزام بمصلحة الوطن قبل اي مصلحة خارجية، حتى ولو كان لبنان جزءاً من هذه المنطقة ولا يمكن فصله عن صراع هذه المنطقة، لكن المصلحة الداخلية قبل اي مصلحة خارجية، لا يجوز أن نخرب بلدنا لنصلح الخارج. ننطلق اولا من اصلاح وطننا ونلتقي على القواسم المشتركة وهي عديدة ووطنية، وليكن عنوان الجميع لا تعطيل للمؤسسات ولا غرق بالهواجس والمخاوف تجاه بعضنا البعض، يجب ألا نشكك ونخوّن بعضنا، فهذا يأخذنا الى الدمار، ربما الطائفية تذكى بعوامل خارجية، وبأحلام فئوية توصل إلى الخراب. علينا أن نربي على رسالة وطنية واحدة لا على رسالتين".
وختم شيخ العقل: "ربما لا تُفهم طبيعة لبنان كوطن او الافكار تاخذ للبعيد، لكن نحن كموحدين دروز كنا من المؤسسين لهذا الوطن، كنا امراء واسياد هذا الجبل، لكننا لا نريد أن نرجع إلى ذلك الواقع، ولا يصح. نحنا اليوم في بلد التنوع نبنيه معاً، واذا لم تكن يدنا بيد شريكنا المسيحي في الجبل لا نقدر ان نعيش، وكذلك على مستوى الوطن لا يمكننا العيش بدون شريكنا الوطني، اذا ما اخذنا بعين الاعتبار هذا المنطق وأكدنا أن الدولة هي مظلة الجميع والضامن لكرامة الجميع وإذا تمسكنا بالدستور واتخذنا منه قاعدة ننطلق منها للعمل، مع تطوير بعض التفاصيل كما يُطوَّر النظام الداخلي، فذلك يساعدنا على الانطلاق الى مساحة وطنية أوسع يرتاح فيها الجميع".