#الثائر
العميد المتقاعد دانيال الحداد
جميع الحلول التي طرحت لحلّ أزمة المودعين تفتقر إلى العدالة والواقعية أو إلى إحداهما. وهنا تحضرني خطة أحد قضاة مجلس شورى الدولة التي نشرت خلال الإسبوع المنصرم، فهي وشهادة للحق، تعتبر من أفضل الخطط الاقتصادية المطروحة وأكثرها عدالة وشمولية، لكنني في الوقت نفسه أرى أنها غير مضمونة التنفيذ، بفعل وجود الكثير من العقبات العملية التي تحول دون تطبيقها، وأبرزها مسألة خصخصة بعض مؤسسات القطاع العام والنقمة الشعبية التي ستنجم عنها لجهة إقالة عشرات الآلاف من موظفي هذا القطاع، بالإضافة إلى التعقيدات القانونية والقضائية والمصرفية التي سترافقها، والمدة الطويلة التي ستستغرقها.
أما بالنسبة إلى ما سُمّي بخطة التعافي الاقتصادي الحكومية التي رفضها مجلس شورى الدولة، كونها تشكّل تعدياً سافراً على أموال المودعين، فدونها العديد من الأسئلة التي لم تلق أيّ إجابات واضحة ومقنعة، وأبرزها :
- ما هو مصير الودائع التي تمّ تحويلها إلى الدولار بعد ١٧ تشرين ٢٠١٩، وهل كانت دون تغطية فعلية أم لا؟ وإذا كانت من دون تغطية فلماذا تم تحويلها من الليرة إلى الدولار؟
- كيف يتساوى المودع الذي اشترى شيكات بالدولار بنسبة ١٥٪ من قيمتها الأساسية وأحياناً أقل، بعد ١٧ تشرين ٢٠١٩ ووضعها في حسابه بصاحب الوديعة الأصلية التي كوّنها بعرق جبينه أو ببيعه عقاراً وهو آخر ما يملك، نتيجة الحاجة الملّحة؟
- أين العدالة في تحويل كبار المودعين ومتوسطيهم إلى صغار المودعين باعتماد سقف المئة ألف دولار لردّ الودائع، وهل أن جميع الودائع الكبيرة أو المتوسطة هي مشبوهة، وهل أجريت التحقيقات اللازمة لمعرفة مصادرها وفرز المؤهلة منها عن غير المؤهلة؟ أليس ذلك خرقاً للدستور لاسيما الفقرة "و" من مقدمته والمادة ١٥ من بابه الأول – الفصل الثاني، اللتان تنصان على حماية الممتلكات الخاصة بمعزلٍ عن نوعها أو قيمتها؟
- بعد التعميمين ١٤٨ و١٥٨، هل بقي هناك صغار المودعين أم أنّها حجة اتخذتها السلطة للإنقضاض على الودائع الكبرى والمتوسطة، بعد أن قام أفراد هذه السلطة ومعهم النافذون بتهريب أموالهم إلى الخارج؟
- ماذا عن الحسابات المشتركة، وعلى سبيل المثال، هل يجوز أن يحصل ثلاثة اشخاص لديهم حساب مشترك بقيمة ٣٠٠ ألف دولار على ١٠٠ ألف دولار وفق الخطة المزعومة، فيما يحصل شخص آخر لديه حساب واحد بقيمة ١٠٠ ألف دولار على المبلغ نفسه؟؟
- كيف نميز بين صغار المودعين وكبارهم ومتوسطيهم؟ فلنفترض أن شخصاً ما لديه حساب بقيمة ٥٠٠ ألف دولار وقام بتوزيع هذا المبلغ على ٥ حسابات في مصارف مختلفة، فإنه سييحصل من كل مصرف على ١٠٠ ألف دولار وبالتالي سيحصل على ١٠٠٪ من وديعته، وشخصاً آخر لديه حساب واحد في مصرف واحد بقيمة ٢٠ مليون دولار فإنه سيحصل على ١٠٠ الف دولار فقط، فأين المنطق والعدالة في تحويل كبار المودعين إلى صغارهم بين ليلة وضحاها؟!
ممّا سبق، يتضح أنّ خطة التعافي المزعومة هي ضرب من العبث والجنون، لا بل أشبه بلعبة بوكر مع غشّ متعمّد، فيما كان بالإمكان وضع خطة واقعية وعادلة وشاملة تعتمد النسبية الحقوقية، وتحافظ على أموال المودعين كافة، تسدّد وفق جدول زمني، وهنا أسمح لنفسي بطرح الخطوط العريضة لخطّة معقولة وسهلة وغير استنسابية وسريعة التطبيق، مع إمكان تعديل الأرقام والنسب وفق الحجم الدقيق للأموال المتوافرة، وهي تراعي جميع الملاحظات التي ذكرتها، وتقوم على الآتي :
- اعتماد مجموع حسابات الشخص الواحد المدولرة في جميع المصارف وليس الحساب الواحد في كلّ مصرف.
- إعطاء أصحاب الودائع بالدولار قبل ١٧ تشرين ٢٠١٩ نسبة ٤٠٪ من مجموع ودائعهم المدولرة دون الثلاثة ملايين دولار، وأصحاب الودائع المدولرة بعد ١٧ تشرين ٢٠١٩ نسبة ٢٥٪ من مجموع ودائعهم دون الثلاثة ملايين دولار أيضاً، توضع في حسابات خاصة وتسدد على مراحل، فيما يجري تحويل نسبة ال ٦٠ ٪ وال٧٥٪ المتبقية إلى أسهم في المصارف بما فيها حكماً المبالغ التي تزيد عن الثلاثة ملايين دولار.
- وضع خطة مستقلة لبدء الدولة بتسديد ديونها للمصرف المركزي والمصارف، سواء من خلال استثمار بعض المرافق والممتلكات العامة أو من خلال عائدات النفط والغاز المرتقبة.
- بيع قسم من الذهب، لا لسداد أموال المودعين بل لتثبيت سعر صرف الليرة عند رقم محدد من دون استخدام الاحتياط الإلزامي، على أن يعاد تكوين الذهب المباع فور الشروع باستخراج الغاز والنفط، فالاستقرار النقدي حتى على السعر الحالي هو الأساس في ضمان استقرار الاقتصاد الوطني وتنفيذ الخطة المقترحة.
إن اعتماد هذه الطرح القائم على حجم الأموال المتوافرة حالياً والنسب العادلة والملائمة لتوزيعها، سوف يؤدي إلى تراجع كتلة الودائع في المصارف من ٩٢ مليار دولار حالياً إلى ١٦ مليار دولار وربما أقل بفعل تحويل القسم الأكبر منها إلى أسهم، وهذا ما يستطيع المصرف المركزي والمصارف استيعابه باستخدام الاحتياط الالزامي والموجودات المتبقية في المصارف.
سيقول البعض، إن الأسهم ستصبح عديمة القيمة في هذا الطرح. هذا صحيح في البداية، لكن قيمتها ستتحسّن تدريجياً من دون أدنى شك، مع استئناف المصارف عملها وبدء الدولة بتسديد ديونها، والشروع في استعادة الأموال المنهوبة ولو بعد حين.