#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
الجدل التاريخي بين المدرسة الليبرالية الرأسمالية، تحت "شعار دعه يعمل دعه يمر" والمدرستين الشيوعية والاشتراكية، واحتكار الدولة للملكية بالكامل، أو بنسبة كبيرة، أفضى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إلى رجحان كفة الشركات العابرة للقارات، وخصخصة معظم قطاعات الدولة في غالبية دول العالم.
حافظت الدولة اللبنانية على ممتلكاتها وأصولها، وتصدّت قوى اليسار، لمحاولات الخصخصة، خاصة في قطاعي الكهرباء والاتصالات.
لكن فساد الإدارة، ونظام المحاصصة والسمسرات، جعل القطاع العام في لبنان عبئاً على خزينة الدولة، وذلك لعدة أسباب أهمها:
١-عجز الدولة عن جباية الضرائب والرسوم والتكاليف بشكل سليم وكامل.
٢-التوظيف العشوائي وفق التنفيعات السياسية، بعيداً عن الكفاءة والحاجة، مما أدّى إلى تضخّم الجهاز الإداري وفساده .
٣- زيادة الرواتب للموظفين بشكل غير مدروس، ولا يتناسب مع قدرة الخزينة.
٤- سياسة الهدر والسمسرات وسرقة المال العام من قبل المسؤولين، مما راكم الدين العام، وفاقم العجز في الخزينة.
٥- الانفاق الكبير على مشاريع غير منتجة، ولا تدر أرباحاً للدولة.
القطاع الخاص في لبنان ليس أفضل حالاً من القطاع العام، فالمدارس الخاصة ومنذ سنوات، تحوّلت إلى مؤسسات تجارية، يستغل أصحابها الأساتذة والطلاب على حد سواء، فأساتذة التعليم الخاص بغالبيتهم كانوا يتقاضون الحد الأدنى للأجور، وأهالي الطلاب يدفعون أقساطاً باهضة لتعليم ابنائهم.
أمّا الكهرباء، التي أهدرت فيها الدولة أكثر من 40 مليار دولار، دون أن يحصل المواطن سوى على ساعات قليلة من التغذية الكهربائية، تمت خصخصتها بطريقة ملتوية، فانتشرت مافيا المولدات في المدن والقرى، وهؤلاء يستخدمون الملك العام من أعمدة وطرقات، لتوزيع خدماتهم الباهضة الثمن، دون أن يدفعوا للدولة ما يجب عليهم دفعه من ضرائب.
سطا القطاع الخاص على أملاك الدولة، البرية منها والبحرية، دون مقابل أو بدفع بدل زهيد. وتستأجر الدولة عدة مبانٍ لإدارتها من القطاع الخاص، بمبالغ خيالية، بسبب سلطة ونفوذ أصحاب هذه المباني.
وتمكّن أصحاب الشاحنات من منع الدولة من بناء سكة حديد، واليوم يحاول البعض السطو على مطار بيروت الدولي، وخصخصة جزء منه لمدة 25 عاماً.
تمت خصخصةمشاريع عديدة؛ مثل البريد، وجمع النفايات، وشركات تقديم خدمات في البور والمطار ونقل الأموال وغير ذلك.
والأهم أنه طوال سنوات، كان العمل جارٍ على تدمير القطاع العام، فتم دعم التعليم الخاص على حساب التعليم الرسمي، ودعم المستشفيات الخاصة على حساب المستشفيات الحكومية، وتم توزيع الوكالات الحصرية مذهبياً ومناطقياً، بدءاً من شركات تجارة النفط، إلى مواد البناء، والمواد الغذائية، والسيارات، والأدوات الكهربائية، وكافة السلع، حتى مستوى سلعة صغيرة مثل "طنجرة" الطعام، لها وكالات حصرية في لبنان، يتحكّم أصحابها بالسوق بطرق احتكارية، خارج أي منافسة عادلة، فيثرون ويجمعون أموالاً طائلة على حساب الشعب.
آخر ابداعات هؤلاء، هي الشركات الأمنية، تمهيداً لخصخصة الأمن، وتقسيم البلد إقطاعات سياسية وعسكرية، في خدمة مشاريع الفيدرالية، ووضع الحواجز بين اللبنانيين من جديد.
تدمير القطاع العام أصبح هدفاً، يروّج له أصحاب نظرية الخصخصة والتقسيم في الداخل، وبالتماهي مع جماعة صندوق النقد الدولي، يحاولون أن يصوّروا للجميع، أن مصيبة لبنان هي بالقطاع العام، والإنقاذ لن يتحقق سوى بتسليم الدولة للقطاع الخاص، وكل ذلك يجري خدمةً للتجار، الذين لم يكتفوا باحتكار السلع وبيعها، بل يرغبون الآن بالمتاجرة بكل شيء، وبيع ما تبقّى من هذا الوطن.
في واحدة من أغلى دُول العالم، يتقاضى موظفو القطاع العام، ادنى الرواتب، فيما تم هدر مليارات الدولارات، على دعم موهوم، ذهب جلّه إلى جيوب التجار والمهرّبين.
هل يمكن التصديق أن هذه الحملة على موظفي القطاع العام، من قبل بعض؛ السياسيين، ووسائل الإعلام، والمصارف، والهيئات الاقتصادية، والتجار، ومن ينتحلون صفة خبراء اقتصاديين، بريئة وتخدم الوطن!!!؟؟؟ أما أنها تهدف إلى إنهاء وجود الدولة في لبنان، وبيعه في مزاد تجار الوطنية والوطن؟؟؟