#الثائر
*بقلم رغيد الشمّاع - النهار
المسيحيّون اللّبنانيّون، هم الإستثناء العربيّ الذي حافظ على هويّة لبنان العربيّة فهم الميزة التي انفرد بها لبنان في محيطه المشرقيّ والمتوسطيّ.
المسيحيّون ، كما يذكّرنا الكاتب الأردنيّ جهاد العلاونة، هم أوّل من قام بحماية المسلمين من بطش المشركين في عهد النجاشيّ، ملك الحبشة المسيحيّ، إذ قدّم للمسلمين الملاذ في بلاده وكانت لهذه الرعاية والحماية لأوائل المهاجرين الفضل في انتشار الدّعوة الاسلاميّة وهم أوّل من طبع القرآن وقدّموه هديّة للمسلمين ونفخوا الروح باللّغة العربيّة التي كادت أن تنتهي، رافضين سياسة التتريك العثمانيّة، ليبقوا الهويّة العربيّة للبنان وهم من أدخلوا أوّل مطبعة إلى العالم العربي جلبها الآباء الموارنة أمّا الأقباط منهم، فهم أوّل من حاكوا كسوة الكعبة المشرّفة من النسيج القبطي في مصر، وغيرها الكثير.
كلما مرّ لبنان بأزمة سياسيّة عابرة مُستجدّة، أو مُستعادة ظرفياً، إرتفعت عقيرة الصائحين بالدعوات إلى النّواح على حقوق هذا الطرف أو ذاك من التّركيبة الوطنيّة، وبالإدّعاء أنّ العلاج لا يكون بتطبيق الدستور، بل بإعادة تركيب الصّيغة، بما يوائم رؤية الطرف المُستقوي، آنيّاً، برغم أنّ الجميع يعرف أن العلّة هي في سوء تطبيق "اتّفاق الطائف"، والخلل في التّوازن الوطنيّ، الذي لا تنهيه الفيديراليّة ولا التّقسيم، ولا اللّامركزيّة، إداريّة كانت أو ماليّة، بل قد تسهّل مشروع الهيمنة الإقليميّ الهادف إلى تغيير وجه المنطقة، وتقويض هويّتها العربيّة التاريخيّة، بما يلتقي استراتيجياً مع حلم إسرائيل وإيران بتحالف الأقليّات، ستاراً لصونها، وما كان تفتيت السلطنة العثمانيّة إلّا الخطوة الأولى والأبرز، إلى ذلك، بصرف النظر عمّا نسب إليها من مثالب.
اليوم، وفي ظلّ الأزمات الإجتماعيّة والسياسيّة القائمة، يعيد بعض الفرقاء ترانيمهم عن "حقوق المسيحيين"، فيما الواقع العملي يفرض السّؤال عن حقوق المواطنين، كلّ المواطنين، كما يفرض، في الحدّ الأدنى، انتخاب رئيس للجمهوريّة، بدل ترك العشب ينبت على الدّرب إلى بعبدا، مقرّ المارونيّ الأعلى مقاماً في سُلّم بناء الدولة. فحقوق المسيحيّين عنوانها الفعليّ، والأوّل، عدم خُلوِّ سدّة الرئاسة، والشّغورالرئاسي الجديد في لبنان هو السّادس من نوعه في تاريخ الجمهوريّة الحديث، لكنّه يختلف عن سابقيه بأنّه يحدث في ظلّ حكومة مستقيلة حكماً بعد الانتخابات البرلمانيّة التي أُجريت في أيار الماضي.
من هذه الفراغات السابقة ما استمرّ سنتين ونصفاً لفرض رئيسٍ للجمهورية، ومرّة لحفظ كرسيّها لمرشّح طامح و طامع و لوزير عُطّل لأجله تشكيل الحكومات وانعقاد مجالس الوزراء وقد ثبت، عند كل تعطيل، أن ترديدة "حقوق المسيحييّن" ليس سوى غلالة لستر المصالح الذاتيّة التي تحوّل التّنظيم السياسيّ إلى محتكر للدّين ولقرار الطائفة، وله أن يرى في هذا مسيحياً، وفي غيره غير مسيحيّ. مثال راهن على ذلك: رفض انعقاد جلسة للحكومة المستقيلة بحجّة عدم ميثاقيتها برغم مشاركة 7 وزراء مسيحييّن من أصل 12. فمن يستهتر بمقام الرّئاسة الأولى ليس إلّا من صنعها، ولا يرى في رفض السّلاح خارج قرار الدولة، ولا في الإحتلال الإيرانيّ للقرار الوطني انتقاصاً من "حقوق المسيحييّن".
الواقع أن الصلاحيّات المعطاة لرئيس الجمهورية المارونيّ، في الصّيغة السابقة، لم تستعمل يوما بالشّكل الذي يسمح به الدستور آنذاك وكانت أيّ محاولة للهيمنة على قرار إحدى المكونات الطائفية الأخرى من جانب رئيس الجمهورية الماروني تجابه بالاعتراض والرفض والنزاعات بين أبناء الطوائف، ومن ذلك ما حصل في عهد "فتى العروبة الأغرّ" الرئيس كميل شمعون وسبّب، إلى جانب الوضعين الإقليمي والدولي، ثورة العام 1958.
الكلفة البشريّة، من دون كلفة تدمير البنى بكلّ أشكالها، وضرب الإقتصاد، وهي بذاتها يجب أن تكون، لضخامتها، رادعاً للباحثين عن بركة دماء جديدة للوطن الصّغير، باستنفار الغرائز، والتباكي على زعم "حقوق المسيحييّن" التي تشي قصص التاريخ بأن أبرز من قادهم إلى الحروب الخاسرة هم المسيحيّون أنفسهم. فالزّعماء والسياسيّون يعمدون الى استخدام الصراع المارونيّ المارونيّ لتثبيت سيطرتهم ونفوذهم على الموارنة أوّلاً ومن ثَمّ على لبنان، والشعب يلحق بسبب الطائفيّة والمذهبيّة، وباستثناء مجزرة اهدن حيث سقط زعيم، فإن مسلسل الصراعات المسيحيّة - المسيحيّة، من القرن التاسع عشر أو على الأقلّ من القرن العشرين حتى اليوم، سدّد أثمانها الشعب وليس الزّعامات.
من يتكلّمون في الحقوق المسيحيّة، يرفقونها بإشارات إلى تعبير "أهل الذمّة" العثمانيّ الذي لم يكن للبنانييّن المسلمين، في زمنه، سلطة أو قرار، فكيف وأنّ الأقليات في لبنان، وبصورة خاصّة الأقليّة المسيحيّة، والمارونيّة تحديداً، ما تحوّلت، أصلاً، إلى أهل ذمّة، بل كانت جزءً من الحكم والسلطة، في المقابل، لم يستغلّ المسلمون تضاؤل عدد المسيحييّن اليوم، للمطالبة بإعادة النّظر بالدستور، بل تبنّوا مقولة البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني في إرشاده الرّسولي "لبنان وطن رسالة" والتي دعا اللبنانييّن، جميعا، إلى حملها.
وُلِد لبنان فكرة سنة 1920 مع البطريرك المؤسّس إلياس الحويّك بلداً حراً ديمقراطياً منفتحاً على كل الحوارات يتعاون فيه جميع أبنائه، وهذا لا يعني أنّ فريقا منهم، عندما تتغيّر الظروف أو تسوء يفرض نفسه على الآخرين ويفرض سياسته ويربط نفسه ويربط لبنان واللبنانييّن مسيحييّن ومسلمين ببلد خارجي. فوجود لبنان مرتبط، أساسا، بكل مكوّناته، وفي طليعتها المسيحيّون. أَلَيْسَ الغساسنة هم أجداد العرب والعروبة؟ والعروبة، مشروع مسيحيّ وُلد ضد التتريك، وهو الذي حفظ اللغة العربية منه، فالعروبة هي حلّ للمسلمين وللمسيحييّن بمضمونها الحقيقيّ النّبيل حين تُطرح من منظار حضاريّ وليس من منظار مذهبيّ وطائفيّ، و إلاّ قد تكون إمّا مشروع حرب أو مشروع سلام، والأخير يكون بتناسق بين دولها على النّمط الأوروبي، مع تجنّب ثغراته.
يهجر مسيحيّو لبنان، ومسلموه، أرضهم، ليس لأن حقوقهم كأبناء طوائف مغتصبة، بل لأنّ حقوقهم كمواطنين تُنتهك كلّ يوم، بهدم ما بنوه في هذا الوطن الصّغير، وما حلموا بالوصول إليه بين الأمم، ومن المؤسف أنّ فريقا من أبناء جلدتهم استولى عليها، ولم يعِ بعد أن تصرّفاته ستؤدّي إلى زوال لبنان بل الى زواله هو أيضا معه، لأنّ لبنان لن يكون إلاّ لأهله، لبنانيّاً بحتاً كما يحلو لأشقائه العرب أن ينظروا إليه.
الفيديراليّة موضع خلاف بين اللبنانيين لاعتبارات ليست بعيدة عن الطائفيّة
"طرح الفيديراليّة كحلّ بديل من الدولة الموحّدة وتحويل الطوائف الدينيّة الى كيانات دستوريّة تتمتّع بحكم ذاتيّ في مناطق جغرافيّة محددّة، يبدو في نظرالبعض أنّه الحلّ المنشود، أمّا في الواقع فإن الفيديرالية لا تبدو حلاًّ، إنّما تضيف مشاكل معقّدة إلى المشاكل التي نعاني منها. فالطوائف في لبنان متداخل بعضها مع بعض في العديد من المناطق، وقيام مناطق حكم ذاتي على أساس طائفي سيُوَلِّدُ مشكلة أقليات داخل العديد من هذه المناطق، ولا يمكن تجاوز هذه المشكلة بزيادة عدد مناطق الحكم الذاتي لأنه بسبب صغر مساحة لبنان لن تكون متوافرة في هذه المناطق مقومات الحكم الذاتي على صعيد الموارد البشرية والاقتصادية والمالية، فكيف اذا جرى الإمعان في تصغيرها ؟ أمّا على صعيد البنية المؤسّساتيّة فالأمور معقدة جدّاً في الدولة الفيديرالية بسبب توزيع الصلاحيّات بين السّلطة الفيديرالية وسلطات مناطق الحكم الذّاتي، ووجود دساتير مناطق الحكم الذاتي الى جانب الدستور الفيديرالي وبرلمانات وحكومات مناطق الحكم الذاتي الى جانب البرلمان الفيديرالي والحكومة الفيديراليّة، وهذا يُولّد اشكاليات يتطلب تجاوزها رقياً في ممارسة السلطة لا نزال بعيدين كل البعد عنه ولو كان متوافراً لما كنّا على ما نحن فيه، كما يتطلب قضاءً دستورياً متمتعاً بصلاحيات واسعة جداً وبكفاءة عالية للحفاظ على وحدة المنظومة القانونية في الدولة الفيديرالية ومنع التعارض بين دساتير مناطق الحكم الذاتي والدستور الفيديرالي وبين القوانين المحلية والقوانين الفيديرالية. أضف الى ذلك أنّ كلّ ما له علاقة بالسّياسة الخارجيّة والدّفاع والسّياسة الماليّة والنقديّة هو من اختصاص السلطة الفيديراليّة حصراً. فهذه الأمور هي موضع خلاف بين اللبنانيين لاعتبارات ليست بعيدة عن الطائفيّة، فكيف للفيديرالية أن تحُلّ المشكلة؟ الفيديرالية ليست حلاًّ للمشكلة اللبنانيّة إنّما تزيدها تفاقماً. ".(*1)
يروي رئيس حزب الكتائب اللّبنانيّة السّابق الوزير كريم بقرادوني، عن بحث في التقسيم دار في إطار المكتب السياسيّ للحزب، في بداية الحروب في لبنان، وكان جميع المشاركين مرحّباً بالفكرة، فيما الرئيس الشيخ بيار الجميّل كان صامتاً فسألوه لم هو ساكت "فأنت دائماً تتكلم عن الصيغة فما رأيك ؟ قال الشيخ بيار الآن نحن نتكلم بين بعض كمسيحييّن. إذا فينا نعمل دولة مسيحيّة تبقى واقفة على رجليها، نكون خائنين إن لم نصنعها، بس إذا ما فينا نعمل دولة مسيحيّة وتكلّمنا "بالفيديرالية وبالتقسيم فلا نكون خونة فقط، بل نكون مجرمين لأننا نقضي على السيحيين".
عودة دولة القانون:
يخطئ من يعتقد أنّ الرئيس الجديد أيًّا كان سينجح في إعادة تطبيق الدستور واستتباب أمن المؤسسات مع ما يعنيه ذلك من عودة إلى دولة القانون، إذ أنّ المدخل الأساس لعودة لبنان إلى حضن الأمم والحفاظ على هويّته تكمن في رفعة الدستور وسموّ القانون ووحدة قرار الدولة في كلّ الشؤون وطليعتها أحادية القوة المسلحة واحتكارها تحت لواء الجيش، والجيش وحده.
ذلك كله لإعادة هندسة الدولة ومؤسساتها بما يضمن استقرارها الداخلي والخارجي ويضمن كرامة اللّبنانيّين، كلّ اللّبنانيّين، من دون استثناء.
الاستحقاق اليوم ليس في انتخاب رئيس بقدر ما هو باختيار رئيس يملك القرار السّيادي باسم لبنان، نوراً يهدي إلى مصلحة اللبنانييّن في استعادة الوطن الحرّ والدولة السيّدة المستقلّة في حاضنتها العربيّة، وفقا لتحدّيات المرحلة المقبلة، مرحلة عقلنة النظام الدستوري اللبناني وفق ما استنبطه الرئيس السابق للمجلس الدستوري اللّبناني الدكتور عصام سليمان.
عقلنة النظام الدستوري اللبناني لأجل حسن تطبيقه في سياق النظرة الاستثنائيّة والمشروع الطموح المؤسّساتي، بالنسبة لموضوع رئاسة الجمهورية في لبنان وقراءة في خُطّة الطريق لاعادة هندسة الدولة اللّبنانيّة، إذ علينا أن ننظر بعمق إلى ما هو حاصل اليوم في لبنان حيث أنّنا أمام مشهد له أكثر من وجه. لذلك تجدر الإشارة إلى التّركيز على النّقاط الأساسيّة التي تبيّن تفكّك الدولة (المؤسساتي والدستوري)، إلى جانب غياب ما يسمّيه الأكاديميّون أمثال الدكتور وسيم حرب وزملائه بالتّوافق الاجتماعي على صيغة إعادة هندسة الدولة، فالأزمة النقديّة والماليّة الاقتصاديّة التي يعيشها لبنان خانقة؛ و تتّصف بالانهيار المؤسّساتي للدولة اللبنانية، ولعدم وجود خطّة طريق نهضويّة ماليّة وقانونيّة واجتماعيّة.
إنّ مسار إعادة بعث لبنان يرتبط بسلّة من المسائل الاقليميّة، وخاصّة باعادة ترتيب الوضع السوريّ. في ضوء هذه القراءة، إنّ المواصفات التي يجب أن يتّصف بها أركان الحكم في المرحلة المقبلة تفترض بأن يكون رئيس الجمهورية هو ضابط الايقاع القانوني، وأنّ رئيس الحكومة هو من يقود البلاد من خلال الحوكمة وليس من خلال السلطة والتسلّط فالحوكمة تجيز لصاحبها الذي لا يسيء استعمال السلطة، أن يتمتّع بالقوّة اللاّزمة لفرض مشروعيّة رؤيته في إعادة هندسة المؤسّسات الحكوميّة وعلى رأسها التّعليم والقضاء والأمن المواكب معهما الضّروري، لبرمجة النّهضة الاقتصاديّة.
إنّ رئيس البلاد الذي نحتاجه حاليًّا يجب أن يكون ذا استقامة، وذا معرفة عالية جداً بالشأن الدستوري والقانوني، وأن يتّصف بشخصيّة ثابتةٍ .
عقلنة النظام الدستوري اللبناني: أوّل اجراءٍ نحو عودة الدولة
"إنّ نظاماً موازياً للنّظام الذي أنشأه الدستور محكوم بالتّوافق بين مصالح القابضين على السلطة باسم طوائفهم، وهو نظام محاصصة تحكّم بالدولة وبالطّوائف وبالمواطنين فأوصلهم الى أسوأ حال.
إنّ الأزمات التي نعاني منها على الصّعد كافّة، ناجمة عن سوء الأداء السياسيّ وتفلّت ممارسة السلطة من الضّوابط التي نصّ عليها الدستور، فالخروج من المأزق يقتضي العودة الى المسار الذي رسمه الدستور، وذلك بتوضيح المفاهيم الأساسيّة التي بُني عليها نظامنا السياسي منعاً للتأويل وإزالة الثّغرات التي تفسح في المجال أمام تعثّر أداء المؤسسات الدستورية وشلّها تحت تأثير الصّراعات السياسيّة وتضارب المصالح أي عقلنة النّظام انطلاقاً من تجاربنا على غرار ما جرى في العديد من الدول التي استفادت من تجاربها لضبط أداء أنظمتها الدستوريّة والحيلولة دون تعطيلها.
إنّ عقلنة النّظام الدستوري اللّبناني تقتضي إضافة وثيقة الى الدستور تحدّد بوضوح مفهوم ميثاق العيش المشترك ومفهوم المشاركة في السلطة ومفهوم الديمقراطية الميثاقية
أما الديمقراطيّة الميثاقيّة، وقد نعتت بالتوافقيّة، فهي نابعة من تركيبة المجتمع اللبنانيّ، وهي من مقوّمات وجوده كنظام قيّم ونمط عيش ونهج ينبغي أن يحكم أداء السّلطة، فالديمقراطيّة الميثاقيّة تحول دون الهيمنة العدديّة والتسلّط والاستئثار بالسلطة. وينبغي أن تحقّق الديمقراطيّة بأبعادها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة الأهداف التي وجد من أجلها ميثاق العيش المشترك. هذه المفاهيم الثّلاثة تتكامل وترسي القواعد التي ينبغي أن تحكم أداء السلطة، لذلك ينبغي إضافة نصوص إلى بعض من مواد الدستور من أجل إصلاح الخلل الذي يعتريه. " (1*)
الظروف الإستثنائيّة تستدعي إجراءات استثنائيّة:
الآن الآن وليس غداً، أجراس بكركي فلتُقرع!
إذا كانت سابقة انتخاب المطران ماكاريوس الثالث في قبرص، ناجحة حتّى الانقلاب عليه فانّها تفتح المجال أمام التّفكير بعين الجديّة ولو لمرّة واحدة، أن يأتي وريث البطريرك المؤسّس إلياس الحويّك، طيّب الله ثراه، رئيساً للجمهوريّة ولو لفترة انتقاليّة، كسدّ في وجه المؤامرات بدءاً من تذويب المسيحيين وتوطين الضّيوف النّازحين السورييّن والضّيوف اللاّجئين الفلسطينيّين ودعوات "المارونييّن الجدد" إلى فيديراليّة خلفيّتها الجرائميّة تقسيم لبنان والقضاء عليه ودفن ال 10452 كلم مربع التي كلّفت الرئيس الشّهيد بشير الجميّل وخيرة اللّبنانييّن حياتهم ومن عظمة هذا الخيار تحوّل المارونيّ الأوّل إلى اللّبنانيّ الأوّل الذي من شأنه أن يوقف الانتحاب ويسهر على حسن التّمثيل ويضمن ديمومة المناصفة الأزليّة ( شاء من شاء وأبى من أبى) بين مسيحيّين ومسلمين إلى حين الانتقال إلى الدولة المدنيّة، في نفوس اللبنانيّين قبل شرائع الدولة.
نعم إنّي أدعو الى انتخاب مار نصر الله بطرس الراعي الصدريّ الحسن الخالد رئيساً للجمهوريّة اللّبنانيّة!
الآن، الآن وليس غداً، أجراس بكركي فلتُقرع !
بلاغ رقم ١!
أمّا الخيار المنطقي والبديهي في ظلّ الانهيارات والمؤامرات والانقلابات والخيانات، فهو يقضي بأن يتولى قائد الجيش العماد جوزيف عون، حكم البلاد بالبلاغ رقم ١ ويستلم مقاليد الحكم كحاكم عسكريّ مؤقت، يعلّق الدستور المعتلّ ويحلّ البرلمان الهجين، الفوضوي، مبقياً على الحريات في المعتقد والرّأي مع احترامه المطلق لحقوق الانسان وعلى رأسها حقّ الوصول إلى المعلومة.
حال البلد وحجم المؤامرات من "الأعدقاء" قبل الأعداء، يفرض حالة استثنائيّة وصلاحيّات استثنائيّة في ظروف استثنائيّة، وقد سبق للعميد أوّل الركن عزيز الاحدب في 11 اذار 1976 أن أتاحت انتفاضته حلحلة أزمة نهاية ولاية الرئيس سليمان فرنجيّة بانتخاب إلياس سركيس قبل الاستحقاق الدستوري مما فسح في المجال لتهدئة هشّة وتأجيل الانفجار.
سُفّهت انتفاضة عزيز الأحدب بغير وجه حقّ لكنّ التّاريخ ينصف مبادرته التي عجّلت في حلحلة الأمور.
وهنا يُناط بالحاكم العسكري العماد جوزيف عون أن يفرض هيبة الدولة ويعيد تشغيل المؤسّسات وإيجاد حلول عاجلة للأزمة التعليميّة أوّلا ثم القضائيّة فالماليّة والاقتصاديّة الخانقة التي تمرّ بها البلاد من أجل ضمان العيش الكريم لشعب يرزح تحت وطأة المذلّة والحد الأدنى للكرامات!
لست وحيداً في لبنان من الذين يؤمن بالمؤسسة العسكريّة، بل مثلي كثر يُعْلون دور الجيش وقائده في الذود عن الوطن. لبنان يحتضر اليوم من الداخل، قبل الخارج والمؤامرة عليه قائمة ومستمرّة. فليتسلّم الجيش الحكم!
لسنا بحاجة الى رئيس جمهورية آخر من الملاك العسكريّ، بقدر ما نحن نفتقد لحاكم عسكري مؤقت، صارم مُستنير مُنفتح، يعيد لبنان إلى مكانته وللمواطن اللبناني كرامته التي داسها عهر السلطويين المتنفذين، وأرباب الصفقات الكارثيّة.
ليقتد العماد جوزيف عون بسلفه السوداني عبد الرحمن سوار الذهب وليمسك بزمام الأمور ولا بأس أن يتميّز عن سوار الذهب بعد نجاحه بهذه المهمة الانقاذيّة بأن يترشّح رسميّاً لرئاسة الجمهوريّة اللّبنانيّة الثّالثة التي يكون قد وضع أسسها على المسلك الآمن.
لبنان اليوم في حالة من التحلّل بعدما ما تناوبوا وتعاقبوا عليه وعلى شعبه، أطفالاً وشيوخاً ونساءً ورجالاً وعلى دستوره واحداً واحداً.
المسيحيّون في لبنان والشرق
صدق المناضل حبيب فرام عندما دَوَّنَ: "المسيحيّون في لبنان والشرق ليسوا عدداً ولا رقماً ولا كماً ولا ديموغرافيا ولا نسبة ولا أقليّات ولا أهل ذمّة
إنّهم قوميات وشعوب وشهود وحضور ودور ورسالة وثقافة وحضارة ونور وروح، إنّهم سكّر المشرق وملحه وخميرته ونهضته وهم ضمانة للتنوّع والتعدّد والحريّات بكل ابعادها وكرامة كلّ إنسان، بهذا يؤمنون وهذه قضيّتهم."
ألم يكن فارس الخوري، رئيساً للجمهوريّة في سوريا ورئيسا للوزراء ووزيرا للأوقاف وإماماً للمصلّين في الجامع العمري الكبير، وهو المارونيّ، اللّبنانيّ الأصل ؟!
أَمِنَ العدل لدينا جميعا أن تكلّف عروبتنا، مسلمين ومسيحيّين، خمس عشرة سنة من حربٍ أهليّة، ليقتنع المسيحيّ بأنّه أصل العرب وليقتنع المسلم أخيرا ولو متأخرا بأنّه لبنانيّ بامتياز بعد انهيار كامل للقيم التي نشأ عليها لبنان، بمسيحييّه ومسلميه؟!
أخيرا أقول ما يقوله جهاد العلاونة لأشقاءنا في الوطن من بين المسيحيين..
"أنتم هنا متجذّرون.
أنتم من أصحاب هذه الارض أنتم لستم ضيوفا .
أنتم من صانعي الحياة والعلم.
أنتم من حافظتم على عروبة وأصالة هذه المنطقة.
بكم أنتم تكتمل عروبتنا
كل محاولات تهجيركم هدفها القضاء على هذه الأمة"
مجد لبنان يعطى لكم، أن تعيدوا للبنان سُؤدده ومجده
*"فدينكم بعد دين الله لبنان، وطائفتكم لبنان، وهو لوحده من تدينون له بالولاء وإنّكم لفاعلون،"!(*2)
...لعلّكم تتّقون!
* رغيد الشمّاع سفير سابق لدى منظمة الأمم المتحدة في جنيف وكافّة المنظمات الدوليّة الأخرى في سويسرا
(*1) عن رئيس المجلس الدستوري اللّبناني السّابق الدكتور عصام سليمان
(*2) عن الرئيس سليمان قبلان فرنجيّة