#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
الحجة الظاهرة كانت الحد من ارتفاع سعر صرف الدولار، والحل كان بتعميم من المصرف المركزي، يسمح لمن لديهم حسابات بنكية، بوضع مبلغ حتى مليار ليرة لبنانية، في المصرف، وقبضها بعد يومين بالدولار، على سعر منصة صيرفة (٣٨ الف ليرة للدولار).
نجح المركزي في جمع السيولة من السوق، بشكل مؤقت، وكذلك تمكّن من الحد من ارتفاع سعر الدولار، ايضاً بشكل مؤقت، ليعود بعد أسبوع واحد إلى ما كان عليه تقريباً، قبل إجراءات سلامة العبقرية، التي أهدرت أكثر من نصف مليار دولار من احتياطي المركزي، ذهبت كلها ربحاً في جيوب ؛ التجار، وأصحاب المصارف، وموظفي المصارف الذين يستغلون حالة الفوضى، وينفذون عشرات عمليات الصيرفة لحسابهم الخاص.
اصطف المواطنون أمام المصارف، فمن لديه المال استطاع صرف مبلغ ٢٢ الف دولار في السوق السوداء، وثم أودع هذا المبلغ في البنك، وعاد وأخذه فراش دولار بعد يومين، محققاً بذلك ربحاً يزيد على الفي دولار. ثم تم مؤخراً تحديد سقف، مئة مليون ليرة وللأفراد فقط دون المؤسسات على كل حساب، للحد من استنزاف ما تبقّى من دولارات لدى المركزي، خاصة بعد تدفق الليرات السورية، واستبدالها باللبنانية لدى الصرافين، ليتم تبديلها لاحقاً في المصارف بالفرش دولار.
رد التجار والمضاربون على قرار سلامة، بحرمان المؤسسات من الاستفادة من تدبير صيرفة الأخير، بأن قاموا بالتلاعب مجددا بسعر الصرف في السوق السوداء، ليعود ويرتفع سعر الدولار بشكل سريع، ودون أي مبرر أو أسباب اقتصادية جوهرية، سوى عمليات المضاربة.
وهذه المضاربات ليست بعيدة أيضاً عن زيارة الوفد القضائي الأوروبي، والتحقيقات المرتقبة التي سيجريها مع سلامة وبعض مدراء وأصحاب المصارف.
أمّا البنك، فيتولى وظيفة السمسار الوسيط، بحيث يقبض بالليرة من المواطن، ثم ينقل المبالغ الى البنك المركزي، الذي يعطيه بدلاً عنها فراش دولار، ليعيدها الى المودع، ويتقاضى البنك نسبة بين ٤ إلى ٥٪ من قيمة المبلغ. وطبعاً فإن عجقة المودعين، والانتظار الطويل أمام المصارف، فسح المجال للوساطات والتنفيعات خاصة لموظفي البنوك وحتى بدأت ظاهرة السماسرة تنتشر في بعض البنوك .
معظم الموظفين لا يملكون مبالغ كبيرة من المال، وبالتالي من تمكّن منهم من الاستفادة من هذا التدبير، فقد جنى بعض المبالغ البسيطة.
أما كبار التجار فتحوّلوا إلى مرابين، يتنقلون من مصرف إلى آخر، يودعون المبالغ، ويجنون أرباحاً غير مستحقة، وحتى أكثر من تلك التي يجنونها من بيع السلع في محالهم التجارية، مع العلم أن كافة السلع مسعّرة وفق سعر ٥٠ الف ليرة للدولار، وبعضهم يخزّن كميات كبيرة من السلع، ويحتكرها، رغم أنه سدد رسوم الاستيراد على دولار ١٥٠٠ ليرة، وينتظر حتى يبيعها الآن بعد رفع الاسعار، وفق الدولار الجمركي ١٥٠٠٠ ليرة.
هكذا انقذ سلامة البنوك من حالة الركود، فلو احتسبنا التداول على صيرفة ٣٠٠ مليون دولار يومياً، فهذا يعني أن البنوك تجني يومياً ربحاً صافياً بين عشرة و١٥ مليون دولار.
لقد حوّل سلامة البنوك إلى صيارفة وسماسرة مضاربين، أما التجار فتركوا أعمالهم واصطفوا أمام البنوك،
ليصبحوا جماعة من المرابين والمرائين، (وبعض هؤلاء، بعد كل كلمة يُتحفك أنه: لا يأكل إِلَّا ذبح حلال).
الحكومة والنواب وسلامة!
الحكومة تتفرج، ومعظم النواب مشغولون بالتصريحات والإطلالات الإعلامية، وتحليل السياسات الدولية، وربما توزيع النصائح أيضا على؛ الامريكي، والصيني، والأوروبي، والروسي، ومعالجة مشاكل افريقيا، وأزمة الغذاء، وتغيّر المناخ، ووووو.... بحيث لم يبق لديهم وقت، للاطلاع على شؤون اللبنانيين ومشكلاتهم.
وفيما البلد غارق في العتمة، وزحمة الأزمات، ينسل رياض سلامة تحت جنح الظلام، ليتلاعب بالنقد، ويبتدع التعاميم المخالفة للقانون، والبعض يهلل لعبقرية هذا الرجل، ظننا منه أنه فعلاً يلجم ارتفاع سعر صرف الدولار، فيما يغيب عن بال هؤلاء، مَنْ يتحكّم بتلك المنصات، التي تحدد سعر صرف الدولار في السوق السوداء، والتي يُمسك سلامة ببعض خيوطها العنكبوتية.
بأي حق توزّع هذه الدولارات من المركزي على التجار والمضاربين؟؟؟، ولماذا لا يوزع سلامة هذه الدولارات على موظفي القطاع العام ليتمكنوا من العودة إلى أعمالهم، أو على المودعين، الذين هدر وصادر سلامة، بالاشتراك مع المصارف، ودائعهم؟؟؟
لقد أهدر رياض سلامة أكثر من ٦ مليارات دولار في هندساته المالية، ثم أكثر من ٢٥ مليار دولار على دعم موهوم، ذهب معظم هذه الأموال إلى جيوب المهربين والتجار، وشكّلت متنفساً للجار السوري المحاصر بالعقوبات.
وها هو سلامة اليوم، يتابع مُسلسل هدر أموال الدولة والبنك المركزي، عبر قرارات عشوائية، فيما يُصرّ على معاقبة صغار المودعين، ممن حوّل وديعته المحتجزة لدى المصرف إلى دولار، بعد ١٧ تشرين، ويعتبره مودعاً "غير مؤهّل" ويجب إعادة تحويل وديعته إلى الليرة، وفق سعر ٨٠٠٠ الاف ليرة للدولار، وليس وفق السعر الحقيقي له في السوق أو حتى على منصة صيرفة.
وطبعاً لا يخطر ببال سلامة، إعادة الأموال التي وزّعها على عشيقاته وأصدقائه، وحوّلها لهم إلى الخارج، وعلى سعر الصرف الرسمي، قبل وبعد ١٧ تشرين ٢٠١٩.
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.