#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
إجراءات عديدة كان يُمكن أن تعتمدها الحكومة، قبل أن تُقدم على رفع تعرفة فواتير الهاتف والأنترنت، وتنفيذ مجزرة بحق اللبنانيين، الذين بات القسم الأكبر منهم تحت خط الفقر، ولم يبقَ لديهم سوى هذا المتنفّس الوحيد والأخير، أي الإتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي، وهم يقبعون في منازلهم، مرة خوفاً من عدوى الفيروسات، ومراراً بسبب الغلاء وانعدام فرص العمل والمداخيل.
سنضع هذه الوقائع والتفاصيل والاقتراحات، برسم الحكومة ووزير الاتصالات والمواطنين وليحكموا هم.
أول ما كان يتبادر إلى ذهن أي لبناني، هو سؤال بديهي .
لماذا خدمات الاتصالات والإنترنت في كافة دول العالم، أرخص وأفضل مما هي في لبنان؟؟؟
والجواب بسيط أيضاً، وهو أنه في لبنان التكلفة باهضة، والسبب هو الهدر والتنفيعات، وسوء الإدارة والتخطيط.
وسأشرح هذا الواقع بالتفصيل.
فوفق تقرير ديوان المحاسبة، الذي كشف عدة مخالفات لدى شركتي "ألفا" و "تاتش" ، وأحال بعضها إلى النيابة العامة الجزائية، ذكر التقرير أن عائدات الخليوي بين عامي 2010 و 2020 بلغت حوالي 17 مليار دولار، لكن تكاليف تشغيل الشبكة في هذه الفترة، بلغت 6 مليار دولار، وهو رقم عالي جداً.
ومن بين الملاحظات على الشركتين ذكر التقرير الهدر الكبير للأموال، منها على سبيل المثال: الانفاق على مشاريع الدعاية، ورعاية مناسبات رياضية، واجتماعية، وإنشاء مجلس إشراف المالك، الذي ضمَّ أكثر من 25 موظفاً، هذا إضافة إلى مستشارين، وموظفين لدى الوزير يصل عددهم إلى حوالي 30 موظفاً ،وكل هؤلاء يتقاضون رواتب عالية، تُحدد بقرار من الوزير نفسه ولا يأتون عملاً مجدياً للدولة.
والأهم من ذلك أن الشركتين تعاقدتا مع شركات لتنفيذ أعمال الصيانة، رغم وجود قسم مختص وموظفين في كِلا الشركتين لهذه الغاية. وتجدر الإشارة إلى أن الشركتين تُطبقان مبدأ المحاسبة الخاصة، ولا تخضع عقودهما لرقابة ديوان المحاسبة، لا المُسبقة ولا اللاحقة، رغم أن هذه الأموال هي أموال عمومية، ومالك الشركتين هي الدولة اللبنانية.
يوجد لدى كل شركة محطات كافية لتغطية كافة الأراضي اللبنانية، وفي كل محطة يوجد مولد كهرباء يعمل لتشغيلها، إضافة إلى ركائم وأجهزة تحتاج إلى صيانة دورية، ويتم دفع مبالغ كبيرة بدل إيجار لمعظم هذه المحطات، وهي بغالبيتها من باب التنفيعات. ودون الدخول في لعبة الأرقام، لكن العدد يفوق 1500 محطة تقريباً لكل شركة. وهذا إضافة إلى المباني المُستأجرة لشركة "ألفا"، بمبلغ حوالي أربعة ملايين دولار سنوياً.
يوجد لدى الشركتين أكثر من أربعة ملايين مشترك، وأكثر من الفي موظف، مع العلم أن بعض الموظفين لا يحضرون إلى العمل، وقسماً كبيراً يداوم أقل من خمسة أيام في الشهر، أما الرواتب فهي بالدولار، وتُحتسب وفق سعر صرف 8 آلاف ليرة للدولار، وبعض المدراء يتقاضون رواتب تفوق الخمسة آلاف دولار، وقد تصل لدى إخرين إلى 10 آلاف دولار، أي 80 مليون ليرة شهرياً، وراتب عاملة مطبخ الف دولار، أي 8 ملايين ليرة شهرياً. في حين يتقاضى رئيس جمهورية لبنان مبلغ أقل من 20 مليون ليرة، وقائد الجيش مبلغ أقل من 10 ملايين ليرة، والجندي المستعد للتضحية بحياته في أي وقت، ولا يتأخر دقيقة عن دوام عمله، الذي هو ستة أيام خدمة مقابل ثلاثة أيام استراحة، يبلغ راتبه مليون وخمسمائة الف ليرة، وسيتم حرمانه الآن من إمكانية التواصل مع عائلته والإطمئنان عليهم.
لقد اتخذ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة قراراً بالنسبة لتعرفة الاتصالات، قضى بخفض التعرفة بالدولار بنحو ثلاث مرات، ثم احتسابها على سعر منصة صيرفة. وهذا يعني عملياً، أنه تمت القسمة على 3 ، ثم تم ضرب الحاصل برقم متحرك حسب منصة صيرفة، وهو حالياً يساوي 16 مرة، اذا احتسبنا دولار المنصة اليوم 24 الف ليرة تقريبا (أي أن سعر الدولار لفواتير الهاتف ارتفع من 1500ليرة إلى 24 الف ليرة)، وهذا يعني عملياً أن فاتورة الهاتف سترتفع بنحو يفوق الخمس مرات. هذا في وقت أصبحت الاتصالات والأنترنت ضرورة حياتية لدى الناس، وهي من أبسط حقوق الأنسان اليوم.
لماذا لم يعمل الوزير على خفض التكلفة؟؟؟
يبدو أن الحكومة ووزير الاتصالات فضّلوا اتباع أسهل الطرق في معالجة أزمة الهاتف، وهي رفع التعرفة وتحميل المواطنين عبء الهدر والفساد المستشري في هذا القطاع. ويحق لنا أن نسأل لماذا اتخذوا هذا الخيار، في حين يوجد عدة بدائل، سنذكرها للرأي العام، لأن مستشاري الوزير الذين لا يُحصى عددهم، لم ولن يفعلوا ذلك طبعاً.
١- إذا كان المالك للشركتين هو واحد، أي الدولة اللبنانية، فلماذا لا يتم الدمج، والاكتفاء بشركة واحدة، وبذلك سيتم الاستغناء عن نصف عدد المحطات، والسنترالات، وربما الموظفين. والأهم من ذلك أن الكلفة التشغيلية ستنخفض بمعدّل 300 مليون دولار سنوياً.
ولمن يعترض على هذا الخيار نقول: أن دولة مثل المملكة العربية السعودية، لديها شركة واحدة للاتصالات، تؤمن خدمات لأكثر من 50 مليون مشترك، وباسعار أرخص من لبنان، وجودة وكفاءة أعلى بكثير. أما بالنسبة لتعدد الشركات لتشجيع المنافسة فهذا مهم جداً في حال خصخصة القطاع وتعدد المالكين وليس عندما يكون المالك شخصاً واحداً أي الدولة.
٢- لماذا يجب أن يتقاضى موظفوا الشركتين رواتب خيالية، بالمقارنة مع باقي موظفي القطاعين العام والخاص؟؟؟ ولماذا يتم احتساب رواتبهم بالدولار، وليس بالليرة اللبنانية؟؟؟ خاصة أن الشركتين تخسران في هذه الفترة ولا تُحققان أرباحاً وفق ما أعلنه الوزير. وإذا كان لدى الدولة إمكانية زيادة الرواتب، فهذا يجب أن يشمل جميع موظفي الدولة، أكانوا في القطاع العام أم متعاقدين معها.
٣- لماذا لم يعمل الوزير على خفض عدد المستشارين والموظفين الذين لا لزوم لهم حوله، ولا يعمد إلى خفض التكلفة، بالإستغناء عن الموظفين الوهميين أو الذين لا يحتاجهم القطاع في الشركتين؟؟؟
٣- لماذا لا تتم مكافحة الانترنت والتخابر غير الشرعي، الذي يُخسّر الدولة اللبنانية ويحرمها من مبالغ مالية كبيرة؟؟
٤- لماذا لا يعمد الوزير إلى فسخ عقود الصيانة مع الشركات الخاصة، (والتي هي بمثابة عقود تنفيعات لمحظيين)، طالما يوجد موظفين لهذه الغاية، في الشركتين؟؟؟ أو صرف موظفي الصيانة في هذه الشركات؟؟؟
٥- لماذ لم تقم الحكومة والوزير قرم بمحاسبة المسؤولين عن سرقة وهدر ملايين الدولارات في هاتين الشركتين؟ وحتى في شركة أوجيرو؟ ولماذا لا تتم استعادة هذه الأموال؟ وكل تفاصيل هذه الملفات تم الكشف عنها مِراراً في الاعلام، والملفات موجودة لدى القضاء؟؟؟.
لا شك أن الحكومة ووزير الاتصالات قاما في آخر جلسة بتهريب قرار، سيكون له تداعيات سلبية عديدة على اللبنانيين، وما حصل يجب أن لا يمر مرور الكرام.
فهل يجوز حرمان فئة كبيرة من الشعب اللبناني، من أبسط ما بقي لهم من حقوق في هذا الوطن، وهي إتاحة إمكانية التواصل ؟؟؟
ماذا سيفعل الطلاب في أبحاثهم، واستخدامهم للإنترنت والهاتف الذي سيُصبح مكلفاً للغاية مقارنة مع مستوى الدخل في لبنان؟؟؟ وهل فعلاً ستكفيهم الباقة الصغيرة من مئة أو 500 MB ؟؟؟ واذا كانت تكلفة تشريج خط الهاتف باتت بين 4,7 و 7 دولارات وفق سعر صيرفة، فهل يُمكن للفقراء الاحتفاظ بخطوط الهاتف المسبقة الدفع، حتى يبقى لهم واتس اب وغيره؟؟؟ مع العلم أن تكلفة الخط الثابت، باتت بحدها الأدنى تفوق 500 الف ليرة شهرياً. وماذا عن برامج التعليم عن بُعد للطلاب؟؟؟
لا شك أن الأتصالات باتت ضرورية ومن الحاجات الأساسية للأنسان، ولا يُمكن اعتبارها كماليات. حتى أن بعض الدول باتت تؤمّنها للمواطنين، بشكل شبه مجاني، وتسعى عبر ذلك لتسهيل حياة الناس، وتشجيع السياحة والاقتصاد، وتخفيف عبء وتكلفة الانتقال، وتشجيع وتسهيل التعلّم، والقيام بالأبحاث، وفي المقابل يخطو لبنان، عبر عباقرته في الحكومة ووزارة الاتصالات، نحو الوراء، ويرفع أسعار هذه الخدمات .
إذا كانت شركات الخليوي تحولت من شركات رابحة إلى خاسرة اليوم، فلماذا لا تتم بداية معالجة مكامن الخلل، من هدر، وتوظيف عشوائي، وسوء ادارة، بغية خفض التكلفة، بدل رفع التعرفة وتدفيع المواطنين ثمن الفساد؟؟؟ هل لأنهم الحلقة الأضعف ؟؟؟ هل يجوز أن تحتكر الدولة هذا القطاع، ثم وبدل أن تعالج الفساد في الشركتين، تعمد إلى تحويله إلى شركة ضرائب، على المواطنين فترفع تعرفتها بما يُشبه TVA؟؟؟
ما حصل في مجلس الوزراء هو مجزرة حقيقية بحق شعب مُنهك، أثقلته أوزار فساد الحكام، وقراراتهم العشوائية. وإذ نضع هذا التقرير بين أيديكم، لكشف الحقائق، على أمل أن يسمع من يجب أن يسمع، ويعي الشعب حقيقة ما جرى ويجري، وكيف يتصرف حكامه، دون أدنى أهتمام بمصالح الناس والوطن.
لقد أعلن وزير الاتصالات جوني القرم، أنه يتفهم وجع المواطنين، لكن لا بد من رفع التعرفة!!!!
شكراً معاليك على المشاعر النبيلة فانت فعلاً تستحق وسام تقدير على هذه العبقرية !!! فليس من السهل أن يشعر الجلاد مع الضحية وهو يسلخ جلدها!!!
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.