#الثائر
التطورات الايجابية عبر فتح النافذة الدولية امام رفد لبنان بمساعدة مشروطة من صندوق النقد الدولي، وكذلك عبر اعادة فتح النافذة الخليجية تجاه لبنان، بإعادة السفراء، في إجراء يقطع القطيعة الديبلوماسية مع لبنان تسقط حتماً في يد الجانب اللبناني، للعمل بما تقتضيه من اجراءات سريعة، وملحّة تشكّل عامل جَذب جدي وقوي لمليارات صندوق النقد، وتبني في المقابل جسر الانفتاح الخليجي العملي نحو لبنان، ووضع هذا البلد فعلاً في قلب الحضن العربي والخليجي على وجه الخصوص.
عملياً، منحت هذه الايجابيات فرصة جدية للحكومة اللبنانية، للاستفادة من الوقت المتاح امامها، ولو كان قصيراً، بحكم اقتراب موعد اجراء الانتخابات النيابية بعد 36 يوما. وعلى ما تؤكد مصادر سياسية مسؤولة لـ»الجمهورية» فإنّ هذه الايجابيات زَوّدت الحكومة بقوة دفع معنوية كبيرة، وبالتالي فإن في إمكان هذه الحكومة، وحتى ولو بقي من عمرها يوم واحد، أن تبني على هذه الانعطافة الدولية والخليجية تجاه لبنان، وتتخذ قرارات وخطوات تُثَمّر هذه الايجابيات على النحو الذي يساهم في تواليها أكثر، وفي نقل لبنان من ضفة الازمة الخانقة التي تعصف به، الى سكة الخروج من هذه الازمة، ولو كان هذا الخروج يتطلب وقتا طويلا وصبرا أكبر، وحكمة حكومية وحكنة غير مسبوقة في ادارة مرحلة الخروج.
واذا كانت الاجواء الحكومية عابقة بارتياح يُقارب الزهو مما تعتبره انجازا نوعيا لحكومة نجيب ميقاتي، تجلّى في عودة لبنان الى موقعه في حضن الاصدقاء والاشقاء، فإن الاجواء السياسية الموازية للاجواء الحكومية ترى ان هذا الارتياح الحكومي فعل طبيعي امام الايجابيات الدولية والخليجية التي كانت حتى الامس القريب صعبة المنال على لبنان، الا ان هذه الايجابيات أدخلت حكومة ميقاتي في امتحان، الفشل فيه ممنوع هذه المرّة، بل أكثر من ذلك، فإنّ الفشل فيه سيرتّب عواقب أكثر ضررا وسوءًا مما هي عليه الحال في هذه الايام.
وفي هذا السياق، أبلغت مصادر واسعة الاطلاع الى «الجمهورية» قولها ان ما استجَدّ خلال اليومين الماضيين، وضَع امام الحكومة أجندة عمل صعبة، وبمعنى أدق خريطة طريق، لا مفر امام هذه الحكومة من أن تسلكها على نحو مغاير للعقلية التي دفع لبنان ثمن عبثيتها، وانايتها وكيديتها وتعطيلها المتعمّد لكل مسارات الحلول والمخارج للازمة المتفاعلة.
فعلى المستوى الخليجي، تضيف المصادر، إن الموقفين السعودي والكويتي بإعادة السفيرين تلبية لِما طرحه الرئيس ميقاتي، واللذين ستتبعهما حتماً مواقف وخطوات مماثلة من سائر دول مجلس التعاون الخليجي، فإنّ كل ذلك، في ظاهره قد يشكّل، بشكل مباشر او غير مباشر، إعلاناً للثقة، ولو متأخرة بحكومة ميقاتي، الا انه في جوهره، وتبعاً للبيانات الخليجية، يشبه فترة سماح منحت للحكومة للايفاء بالتزاماتها على النحو الذي يريح دول الخليج، ولا يسمح بتكرار الاسباب التي دفعت تلك الدول الى القطيعة مع لبنان.
والاساس في هذا الجانب، تضيف المصادر عينها، ان تُرفد الحكومة داخليا، ليس فقط بتفعيل الاجهزة اللبنانية على اختلافها امنية وعسكرية وادارية، في مجال التشدد والرقابة على المرافق والمعابر ومنع التهريب، وتسريب ما قد يخلّ بالامن الاجتماعي لتلك الدول، بل بقرار سياسي جامع ومُلزم لكل الاطراف من دون استثناء، ورافض ومانع لجعل لبنان منصّة استهداف لدول الخليج، بالهجوم السيالسي عليها، او بأي خطوات تعتبر تدخلاً في شؤونها الداخلية. ومسؤولية الحكومة اللبنانية كبيرة وحساسة امام الالتزامات التي قطعها رئيسها لدول الخليج، إضافة الى انّ المسؤولية الاكبر تقع على «حزب الله» في مراعاة هذه الايجابيات، والنظر لِما يخدم مصلحة لبنان، وعلاقاته مع أشقائه العرب.
وأيا تكن دوافع التقاطعات الدولية والخليجية حيال منح لبنان جرعات تنفس على اعتاب الانتخابات النيابية، والتي كان ابرزها العودة الديبلوماسية الخليجية الى بيروت بعد نحو خمسة اشهر من “الهجرة” الغاضبة، عقب استفحال السياسات المحورية الإيرانية ضد الدول الخليجية، فان الصورة التي ارتسمت في الساعات الأخيرة أدخلت عامل انفراج نادرا افتقده لبنان منذ مدة طويلة في واقعه الشديد التأزم، ولو انه لا يحمل المؤشرات الكافية لديمومة هذه الجرعات طويلا. ذلك ان الانطباعات والمعطيات الثابتة باتت تؤكد ان عامل التزامن بين توصل لبنان وصندوق النقد الدولي الى اتفاق اولي أساسي واطاري، وعودة سفيري المملكة العربية السعودية والكويت الى بيروت إيذانا بانتهاء القطيعة الديبلوماسية الخليجية، لم يكن ابدا بفعل مصادفة بحسب "النهار"، بل جاء التطوران نتيجة ديبلوماسية مركبة لعبت فيها فرنسا والسعودية الدور المحوري، كما ساهم فيها الدفع الأميركي الامر الذي يعكس اتجاهات غربية وخليجية قوية لدفع لبنان الى إتمام استحقاقه الانتخابي ومنع انهياره تحت وطأة استفحال الازمات التي يرزح تحتها كهدف مرحلي أساسي علّ لبنان يحقق نقلة تغيير في الانتخابات تساعد الدول على المضي قدما في دعمه لاحقا.
حتى ان روسيا المنغمسة في تداعيات حربها على أوكرانيا انضمت ولو من زاوية مختلفة الى التقاطعات اللبنانية من باب التعبير عن الارتياح لموقف لبنان الذي امتنع عن التصويت على قرار طرحته الدول الغربية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف ويقضي بتعليق عضوية روسيا في المجلس. وقد أصدرت وزارة الخارجية الروسية امس بيانا كشفت فيه عن اتصال هاتفي بين الممثل الخاص لرئيس روسيا الاتحادية في الشرق الاوسط وبلدان افريقيا نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وأفادت انه “تم بحث مجموعة مواضيع ملحة بروحية علاقات الصداقة التقليدية الروسية اللبنانية بما فيها دعم الحوار السياسي المتواصل في القضايا الدولية والشرق اوسطية المهمة للطرفين”.