#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
لقد أثبتت الحرب في أوكرانيا أن النصر لا يمكن تحقيقه بتفوق الآلة العسكرية، بل يجب تحقيقه في قلوب الجنود المحاربين أولاً. لقد سطّر الجيش الأوكراني ملحمة بطولية في كل مدينة وقرية وحي وشارع، ولم يتراجع، ولا انهارت معنوياته، وهو يواجه واحداً من أقوى جيوش العالم.
الجيش الروسي المجهّز بأفضل أنواع الأسلحة في العالم، وقف عاجزاً عن دخول المدن الأوكرانية، التي تحوّلت في وجهه، إلى قلاع وحصون عصية على الكسر، تجنّد غالبية سكانها للدفاع عنها، تملأهم العزيمة والثقة بعدالة قضيتهم، والإيمان بالنصر المحتم.
لقد غزا نابليون بونبارت روسيا، ورغم تفوّق جيشه عاد مهزوماً، وغزا هتلر الاتحاد السوفياتي، ورغم تفوق قواته خسر الحرب وقضى انتحاراً، وغزت الولايات المتحدة الأمركية فيتنام وخرجت منها مهزومةً، وغزت كذلك العراق وأفغانستان، ولم تحقق أهدافها، ورحلت عنهما بشكل مهين.
في عام 2006 قصفت إسرائيل لبنان مدة 34 يوماً، وألحقت به دماراً هائلاً، لكنها لم تتمكن من دخول مدينة بنت جبيل القريبة من حدودها، ولم تحقق أهدافها، وانتصرت إرادة المقاومة لدى اللبنانيين.
بعد أن وصلت القوات الروسية إلى مشارف العاصمة الأوكرانية كييف، تسابق الأوكرانيون للانخراط الى جانب الجيش للدفاع عن عاصمتهم. ديمتري، سرغي، الكسندر، إيغور، يفغيني، كلهم ضباط متقاعدون عادوا طوعاً إلى حمل السلاح وحاربوا دفاعاً عن أوكرانيا. وكانت القوات الروسية بعد أربعة أيام من دخول الأراضي الأوكرانية تقترب من المدن، محاولةً دخولها، لكنها بسبب الخسائر التي تكبّدتها عدّلت في خطتها، فتجنبت الدخول إلى مدن عديدة مثل؛ سومي، وتشيرنهايف، وخاركف. وبعد مرور عشرة أيام على العملية العسكرية، زادت القوات الروسية من قصفها المدمر للمدن الأوكرانية، خاصة ماريوبول، وخاركف، وازيوم، وميكولايف وبقيت عاجزة عن دخولها. والآن بعد مرور 38 يوماً على الحرب، انسحبت القوات الروسية من شرقي كييف لمسافة أكثر من 80 كلم، وباتت تبعد عن العاصمة أكثر من 100 كلم من جهة الشرق، هذا بعد أن نجحت القوات الأوكرانية في وقت سابق، بدفع القوات الروسية على المحور الشمالي للعاصمة، مسافة أكثر من 70 كلم .
طبعاً يملك الجيش الروسي تفوقاً في الجو ،وبمختلف أنواع الأسلحة، لكن كل هذا لم يكفِ لتحقيق النصر على أوكرانيا، التي أبدت صلابة في موقفها الرافض للخضوع والاستسلام. أن الجيش الروسي الذي بدأ التراجع منذ يومين، خفض مستوى أهدافه، من تحرير كييف إلى الاكتفاء حالياً بتحرير دونباس فقط، هذا وفق ما أعلنته القيادة الروسية.
إن هذا التغيير الذي أُجبرت عليه القوات الروسية، يدل بشكل قاطع، على أن إرادة الشعب أقوى من أي سلاح في العالم، والنصر سيكون في نهاية المطاف إلى جانب الشعب الأوكراني، الذي اختار الدفاع عن حريته، وسيادته على أرضه، والاستقلال في قراره وخياراته.
استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان، أدانت معظم دول العالم، ومنها لبنان، الغزو الروسي لأوكرانيا، ومعظم هذه الدول صديقة لروسيا لكن موقفها ارتكز إلى القانون الدولية ورفض حل النزاعات بالطرق العسكرية وعدم القبول بانتهاك السيادة الأوكرانية، وقدمت دول عديدة الدعم للشعب الأوكراني في مقاومته المشروعة للغزو. ورغم ضألة الدعم الدولي العسكري، بالمقارنة مع حجم ونوعي الأسلحة الروسية، فإن صمود الجيش والشعب الأوكراني واتحادهما، قلب المعادلة واجبر روسيا على التراجع، وقد تكون الأسابيع القادمة فاصلة في وضع حد نهائي لهذه الحرب.
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.