#الثائر
أطلق الجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات الروسية، والذي يحمل لقب "بطل روسيا الإتحادية"، مفهوم جديد للصراعات يرتبط مباشرة بنماذج الحروب الحديثة، وكان ذلك في العام 2013، من خلال مقال له في الأكاديمية الروسية للعلوم العسكرية، وتحدث غيراسيموف عن التغيير الجذري في أشكال وأساليب الحرب الحديثة، حيث أن الخطوط والمعايير الفاصلة بين الحرب والسلم، أصبحت غامضة وغير واضحة، وطلب في هذا المقال تطوير عمليات التخطيط والدراسات العسكرية في الكليات، على أن تأخذ بعين الإعتبار مجالات الصراع كافة وكيفية تشابكها وترابطها مع الوجه العسكري، وهو كإستراتيجي وضع التفاصيل لـما سمي "عقيدة غيراسيموف"، التي تجمع بين التكتيكات العسكرية والتكنولوجية والمعلوماتية والدبلوماسية والإقتصاد والثقافة وغيرها، لغرض تحقيق الأهداف الإستراتيجية، كما أنه في هذه العقيدة يعتبر أن الحرب لم تعد "معلنة"، بل هي تحدث بالتزامن مع النشاطات الديبلوماسية والإتصالات الإستراتيجية، وعمليات المعلومات والعقوبات الإقتصادية والمالية والهجمات السيبرانية والتأثير المدمر في الجماهير والمجتمعات، حيث يصبح المدنيون مشاركين فعليين وتصبح أفكارهم أهدافاً مباشرة في هذه الحرب، أضف إلى ذلك الكثير من الأساليب الأخرى غير العسكرية، والتي تهدف إلى إسقاط دولة العدو.
الجميع يدرك أن إستراتيجية إستهداف مجتمع الخصم وتدمير إستقراره وإيمانه بالدولة، هو الأساس في تحقيق الأهداف السياسية والإستراتيجية، وفي كثير من الحالات تجاوزت قوة الوسائل غير العسكرية، قدرات وفعالية الوسائل العسكرية، تلك الأخيرة التي قد يقتصر دورها على المراحل الأخيرة من الصراع، حيث يتم القضاء على آخر ما تبقى من رموز الدولة وعلى من يقف في وجه المشروع الكبير للسيطرة على بلد ما.
تؤكد تجربة النزاعات العسكرية - بما في ذلك تلك المرتبطة بما يسمى بالثورات الملونة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط - أن دولة قوية ومزدهرة يمكن، في غضون أشهر وحتى أيام، أن تتحول إلى ساحة نزاع مسلح شرس، وأن تصبح ضحية للتدخل الأجنبي، عن طريق وكلاء يكونون جزءاً من المواطنين، وتغرق في شبكة من الفوضى والكوارث والمآسي الإنسانية والحروب الأهلية.
يستمر قادة وسياسيو دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالتركيز على تعاظم القدرات العسكرية وبناء الجيوش، حتى في الدول الفقيرة منها، وهي تنفق الحجم الكبير من قدراتها الإقتصادية على التسلح وعلى الشؤون التقليدية للأمن والدفاع، والتي في معظم الأحيان لا فعالية لها في مواجهة أساليب وأوجه الحروب والصراعات الحديثة، لذلك فإننا نشهد خللاً كبيراً وإرباكاً هائلاً في كيفية إدارة الأزمات السياسية والأمنية والإجتماعية، وتكون الأداة العسكرية دوماً، هي الوسيلة الوحيدة في يد الحكومات الفاشلة، بالرغم من عدم فعاليتها ودورها الكبير في تفاقم الأزمة.
إن إمتلاك القدرة على فهم أساليب وأوجه الصراعات الحديثة، وفقاً لعقيدة غيراسيموف، ومعرفة وتقييم طبيعة المخاطر والتهديدات الماثلة والحقيقية والتي تهدد بقاء الدولة، هي أحد أهم واجبات أي مسؤول، حيث يجب الإنفاق على بناء المجتمع المتكامل والمتماسك، وعلى القضايا الحياتية التي تعزز شعور المواطنة وتنمي الثقة بالحكومات، وتكمن المشكلة في بعض دول المنطقة، وخاصة في لبنان، بأن معظم المسؤولين والوزراء القيمين، لا يملكون المعرفة والقاعدة العلمية والخبرات المطلوبة لإدارة شؤون وزاراتهم، كما أن عدم التخطيط وعدم توحيد الجهود في إطار سياسة الحكومة العامة، يؤدي إلى الكثير من ضياع الجهود والأموال، والكثير من الغموض والفوضى، وكأن دور الحكومة هو جزءٌ من خطة العدو لتدمير ما تبقى من هذا الوطن.
ظافر مراد