#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
«هيهات منّا الذلة» قالها الحسين في وجه ظُلّامِه وأعدائه، وردَّدْها اللبنانيون في وجه العدو الإسرائيلي لسنوات . لكن هذا الشعار خَفَتَ وغاب اليوم عن أفواه اللبنانيين، وحتى في مجالس عاشوراء .
غاب لأن الطعنة اليوم جاءت إلى اللبنانيين من الخلف وليس من عدو غاشم.
الطعنة جاءت من حاكم فاسد، سرق بالتواطئ مع أصحاب المصارف ودائع المواطنين، ونهب المال العام، وبذّر أموال الدولة، واستباح دستورها وقوانينها، وسخّر قضاءها وأجهزتها في خدمته وخدمة عائلته وحاشيته.
الطعنة جاءت من تاجر محتكر باع ضميره بسعر الجملة، ومهرّب خائن باع وطنه وشعبه بحفنة دولارات.
الطعنة جاءت من نائب ووزير خبّأ المازوت والبنزين بعشرات الأطنان ليتنعم بها، بينما المواطن يُذَلُّ في طوابيرَ على محطات الوقود لساعات ، وأمام الأفران التي أقفلت أبوابها، فبات الحصول على ربطة خبز هاجس رب العائلة ليسد جوع أطفاله .
الطعنة جاءت من حاكم لا يخجل من القول لشعبه بأنه سيقوم بالاصلاح، فيما هو يعلم أنه قاد البلاد إلى التهلكة والخراب، وما زال يُمعن في تعطيل الدولة للحصول على حقيبة وزارية أو وزير.
الطعنة جاءت من نائب لا يُمثّل شعبه، هرّب أمواله إلى الخارج ومنح أولاده جنسية بلد آخر .
الطعنة جاءت من مسؤول عن حماية الوطن وحدوده، لكنه تقاعس عن واجبه فباتت الحدود مشرّعة للسرقة والتهريب
وإدخال النترات وتفجير قلب بيروت.
الطعنة جاءت من قاضٍ خان قسمه واستنكف عن ملاحقة المجرمين وإحقاق الحق، ورهن نقسه للسياسيين وشاركهم في الفساد.
الطعنة جاءت من مصرفي تآمر مع صاحب المصرف مقابل رشوة صغيرة، للتغطية على سرقة أموال المواطنين.
الطعنة جاءت من حاكم مؤتمن على النقد الوطني، فشرّع خلافاً للقانون، وهدر بشكل عشوائي عشرات مليارات الدولارات من مصرف لبنان، وتآمر مع المتلاعبين بسعر صرف العملة الوطنية حتى أصبحت قيمتها في الحضيض.
الطعنة جاءت من الدولة لموظفيها فجعلت رواتبهم الأدنى في العالم ليصبحوا عاجزين عن امتلاك أبسط مقومات العيش.
الطعنة جاءت من سياسي رَهَنَ بلده للخارج و هان عليه شعبه، فباعه في سوق النخاسة لخدمة مصالح الآخرين.
والأسوء من كل ذلك أن الطعنة جاءت مِمَّن اِئْتَمَنَهُم الشعب على نفسه والوطن، فقتلوا الشعب وباعوا الوطن.
«هيهات منّا الذلة» نُردّدها في ساحات الوغى!!!
لكن طعم الذلة بات علقماً في فم كل مواطن لبناني يحتاج إلى دواء أو رغيف خبز أو تعبئة سيارته بالوقود، والذلة طعمها أكثر مرارةً لأنها جاءت من المؤتمنين على الوطن .
لبنان لم يعد وطناً ولا حتى ملجأً لشعبه لأن حكّامه ليسوا سوى جماعة لصوص.
فمَن يُذِلّ شعبه لا يستحق سوى صفة خائن وعقوبة الإعدام.
الدولة تجعل البلد وطناً عندما تؤمّن حياةً كريمةً لشعبه.
وإلّا فهي تبقى سُلطةَ قهرٍ غريبة عنه ، والشعب يبقى في غُربة داخل أرضه.