#الثائر
- "د. ميشال الشمّاعي "
تتقدّم أزمة كورونا الصحيّة على الأزمات كلّها في هذا الأسبوع، بما فيها الأزمة السياسيّة. بغضّ النّظر عن محاولة الوزير السابق جبران باسيل الفاشلة خطف الأضواء في يوم خصّصه التّاريخ البيبليّ لعبادة الربّ. لكن الأعداد المتزايدة في الاصابات نتيجة لإهمال السلطة وبعض النّاس، لا سيّما في ليلة رأس السنة، شكّلت محور اهتمام للضّنينين على هموم النّاس الحقيقيّة.
ممّا لا شكّ فيه أنّ الدّولة تتحمّل المسؤوليّة الكبرى عن صحّة النّاس وهمومهم، لكن لا يمكن التّغاضي عن قلة المسؤوليّة التي أضهرها بعضهم؛ وهذا ما أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه. يبدو أنّ سلطتنا الكريمة لعجزها عن السيطرة على ناسها، ولعجزها عن تأمين أبسط مستلزمات عيشهم الكريم، اتّبعت نهج الإفلات والتّسيُّب حيث أيقن النّاس لعجز الدّولة وقصورها، أنّ ارتكاب الموبقات لن يحاسبوا عليها. بغضّ النّظر عن بعض الظّبوطات والمخالفات التي تمّ تسطيرها والتي تعتبر غير كافية وحدها.
وما سينافس الملفّ الصحّي – الوبائي هذا الأسبوع هو الملفّ الحكومي الذي ما زال عالقًا في عنق زجاجة المحاصصة من صحن الدّولة. ليس بريئًا إثارة هذا الموضوع من قبل الوزير باسيل، مع إدراكه بأنّ بكركي تضع ثقلها لحلّ هذه الأزمة عاد ليثير الغريزة المسيحيّة في موضوع حقوق المسيحيّين وصلاحيّات الرئاسة الأولى. لكأنّ الزمن ما زال واقفًا عند هذه النّاس قبل تاريخ 5 تشرين الثاني 1989 !
لكنّ النّاس في وادٍ وأهل السلطة في وادٍ آخر. فريق باسيل يسعى لقويض السلطة والدّولة أكثر خدمة لمآرب مَن ارتهن لهم في 6 شباط 2006، وفريق الرّئيس المكلّف يسعى لإثبات نفسه أمام المجتمعين العربي والدّولي كمنقذ من الضلال مع هذه المجموعة الحاكمة. فيما الحقيقة في مكان آخر. هذان الفريقان قد ثَبُتَ عُقمَهُما السياسي، وإن نجح الحريري بمساعدة بكركي في إخراج صيغته من سجن الرئاسة الأولى، لن يستطيع التقدّم قيد أنملة طالما أنّ المشكلة السياسيّة ما زالت محصورة في المواجهة الكبرى. لذلك سيُفشلون مساعي بكركي تحت ذريعة حقوق المسيحيّين أيضًا.
قد يشهد هذا الأسبوع انفراجًا ما في الملفّ الحكومي، وقد لا تنتُج عنه " الحكومة الموعودة"، وذلك لتنفيس الغضب في الشارع اللبناني بعد تبوّء لبنان المركز الثالث عالميًّا من حيث نسبة عدد الاصابات بعد بريطانيا والولايات المتحدة الأميركيّة. لكن يبقى الترقّب دوليًّا وإقليميًّا في التحرّكات الجويّة التي لم توقفها إسرائيل في نهاية الأسبوع الذي مضى، وفيما قد يقدم عليه الرئيس الأميركي قبل رحيله لتوريط خلفه بمتابعة ما قد يكون اتُّفِقَ عليه في الغرف المغلقة الأميركيّة.
من هذا المنطلق، تبقى الأسئلة المشروعة مطروحة وما من مجيب. هل كبحت هذه السلطة جماح المهرّبين للأدوية والمازوت والدّولار عبر الحدود السوريّة؟ هل تستطيع هذه السلطة ضبط تحرّك الدّولار في السوق السوداء؟ أم هي التي تتحكّم به؟ وتكثر الأسئلة والتساؤلات لكن الإجابات كلّها باتت شبه مؤكّدة كي لا نجزم ذلك. خيارات هذه المرحلة محدودة وضيّقة جدًّا. يجب ألا نضيّع البوصلة في التغيير الحقيقي.
مطلوب اليوم من النّاس أوّلا أن تكون مسؤولة انطلاقًا من الذات الفرديّة لكلّ إنسان. مسألة كورونا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإدراك الفردي لكلّ كائن مجتمعيّ لبنانيّ صميم. لا نريد أن نقتَل من جشع هذه السلطلة التي يسارع قوّادها للتباكي على شاشات التلفزة عندما يسقط أحدهم صريعًا؛ ولا نُريد أن نُقتَلَ من جهل بعضهم وغبائه. جلّ ما نريده أن نعيش عيشًا كريمًا في الوطن الذي ننتمي إليه هويّةً وتاريخًا وكيانًا ووجودًا حرًّا.
ولنّنا اختبرنا هذه السلطة وطغمتها الحاكمة والمتحكّمة، يجب عدم انتظار الحلول التي قد نصل إلى مرحلة ستفرض علينا فرضًا، كي لا نقول بالإكراه. علينا كلبنانيّين كيانيّين مسؤولين أن نعمل على تحقيق التّغيير الحقيقي، ولنا القدرة في ذلك؛ إذ بغضّ النّظر عن الدّرك الفساديّ الذي وصلنا إليه ما زال الأمل موجودًا، ولو أنّنا نسير على ركام دولة، لكنّنا نستطيع ونملك القدرة. لكن ما نخشاه أن يكون بعضهم قد فقد الإرادة، وعندها لن ينفع البكاء ولا صريف الأسنان.