#الثائر
- " الدكتورة رهام زهير المومني "
تتزاحم الكلمات وتتدافع العبارات لوصف حنيني للذهاب الى الجامعة، مروراً بطريقها الطويل ووصولا إلى مكتبي الصغير المتواضع الذي يعرف أسراري، منه أبدأُ يومي المليء بالنشاط والحيوية، كيف لا وأنا بداخلِ صرح علمي مزدحم بالطلاب وناشري العلم من كل مكان في الكرة الأرضية، كحديقة وروودٍ متنوعه بأشكالها وروائحها العذبة والتي تُضفي عالمكان سحراً خفي. بين أروقة القاعات، إشتقتُ لرؤية الطلاب والحديث معهم، إشتقتُ لأسألتهم التي لا تنتهي، ولجرعات الإيجابية وعبارات التحفيز التي يطلبونها بين الفينة والأخرى، فدوري لا يقتصر على إعطاء المعلومة فحسب، إنما هو دور أساسي في بناء شخصية الطالب، وتأهيله وتقديم المعرفة، وتنمية المجتمع والمساهمة في تطوير الأنشطة الجامعية وتحفيزها، وفي رسم خطة ومسار حياة لمن يحتاج، وهذا يحتاج إلى الإنسانية قبل الأستاذية، وقلب محب ومخلص بعمله. اشتقت لرغبتهم الجادة في التعليم، والتحلي بالحماس والطاقة والحيوية، والمشاركة الفعالة وحضور المحاضرات في الوقت المخصص، والإستعداد الجيد لكل محاضرة، وطرح الأسئلة العلمية، إشتقت إلى قاعتي الوجاهية ومقاعد الطلاب، إشتقت لأخذ الحضور والغياب والشرح، لإعطاء الأمثلة، لإختبارهم وتقييمهم، لتقسيم الواجبات عليهم ولفرق العمل والإستمتاع بأفكارهم الخلاقة التي تحتاج الى بيئة خصبة وإمكانيات حقيقية ودعم ليتم ترجمتها على أرض الواقع، إشتقت لحمل كتبي وأوراقي التي عندما تتبعثر تجد من يلملمها بإبتسامة وكلمة يعطيك العافية، إشتقت لأن أرى نفسي بهم، لأرجع بالذاكرة سنين وسنين. في مكتبي أجدُ وقتا لألفظ أنفاسي بعد محاضرة متعبة ممتعة، أستعيد نشاطي بفنجان قهوة وقطعة شوكلاته أو بقراءة رسالة مفرحة، أو بالرد على مكالمة فائتة، هنا نشعر بأهمية الوقت وبأننا أصحاب رسالة وفكر ينتقل بين الأجيال ليبقى الأثر الذي يتحدث عنا ان غبنا، هذا ما نسعى إليه أن نعمل بإخلاص لنبقى خالدين. من أجمل الأوقات التي أقضيها عندما أكون في مكتبي ويأتيني طالب يستشيرني بأمر مهم أو مشكلة واجهته، أو رغبة منه برؤيتي وطرح السلام، لأنني بالنسبة له الشيء الجميل الراقي الذي يدفعه لأن يُبدع ويصبح أو تصبح مثلي، ما أجملها عندما أقضي معهم أوقاتاً بالعمل الخيري الذي يرفع الحواجز بيننا فنصبح قدوة بالعطاء ونعرف دفائن القلوب والمشاعر ويصبح الكلام خالي من المنكهات الصناعية وأقرب إلى القلب من العقل، بمجرد أننا نملك من الإحساس والذكاء العاطفي والوجداني ما يكفي لنقرأ ما بين ووراء السطور. إشتقت لمناداة أسمائهم ورؤية وجوههم، فالتعليم الوجاهي يُقّرب ما بين الطالب والأستاذ ومن خلاله نستطيع أن نستشعر ما يدور برأسه دون الحاجة إلى مبررات ودلائل ليقنعك بأنه على صواب، نقّيم ونَحكم بالعدل فنحن الأساس والبنية التحية التي إذا صلحت صلح العمل. ولن أنسى أجمل اللحظات التي كنت أقضيها مع الزملاء بجلسات ودٍ ومحبة وكأننا أسرة واحدة نتقاسم كل شيء، المساقات والعمل الإداري نتشارك باللجان، والمؤتمرات والأبحاث، وحتى الإستشارات وكل ما يخص رفعة الهدف الذي أتينا من أجله، فالتعاون ليس كلمة هو فعل ونؤجر عليه، وإذا نَبُع من القلب سيكون طعمه أجمل وأنقى. الأستاذ والطالب طرفان أساسيان في العملية التعليمية ونجاحها مرتبط بالعلاقة التفاعلية التي تستند على أسس ومعايير مهمة مرتبطة بشخصية الأستاذ وقدرته وكفاءته في جذب الطلاب لمادته، والكاريزما التي تجعله مميزا بتحريك طاقاتهم الإبداعية، وهذه العلاقة حدودها الإحترام ومعرفة الحقوق والواجبات على الطرفين، فحق الطالب في الحصول على المعرفة وتوفير بيئة تعليمية ملائمة وبناء علاقة صحيحة يضمن الإحترام المتبادل والتفاهل الإيجابي بعيدا عن التلقين والظلم والسلطوية وعدم الإنصاف التي تؤدي الى علاقة متوترة بينهم. ويجب بالمقابل توفير المناخ المناسب للأستاذ الجامعي لممارسة عمله في التدريس والبحث العلمي وضمان جودة التعليم، وهو شرط أساسي لتمكين الجامعة من أداء رسالتها في خدمة المجتمع. وعلى الأستاذ أن يُرغب الطلاب بالتعليم ولا يرهبهم ويتحدث من منطلق الأبوة أو الأمومة، وأن يكون عنده مرونة في التعامل في تحفيزهم ومكافئتهم ومساعدتهمم والعدل بينهم، والإستماع إلى آرائهم بشفافية وتوفير المعرفة التي تتناسب مع قدراتهم وإكسابهم مهارات جديدة وتذليل الصعاب أمامهم . المرحلة الجامعية هي من أمتع المراحل الحياتية رغم التحديات وبعض الصعاب، هي فرصة حقيقية ليحلق الطالب بفضاء واسع مختلف، فالجامعة كيانها كالبنيان المرصوص، هي جزء من وطن، هي أُم، تجمع عالمحبة والخير والعلم، جمعت الطلاب ووجهتهم لتحقيق الهدف، الجامعة قلب والطلاب هم النبض، فكيف عندما يكون النبض هو للخير والعطاء والمحبة والمعرفة.