#الثائر
اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون "ان الإنقاذ الذي نسعى إليه ليس مسؤولية طرف واحد، أو جهة سياسية واحدة، أو سلطة واحدة؛ فالخروج من النفق المظلم الذي نعبر فيه، هو مسؤولية الجميع"، مشيرا الى "ان الوهن الكبير والخطير الذي اصاب بنية وطننا الاقتصاديّة والماليّة والنقديّة والاجتماعيّة يفرض علينا أقصى درجات الشفافيّة وأيضاً أقصى درجات الاتحاد"، مشدداً على "أنّ أحوج ما نكون إليه في أيّامنا هذه هو تجاوز تصفية الحسابات والرهانات السياسيّة فنتّحد للتغلّب على أزمتنا المستفحلة وتغطية الخسائر المحققة في قطاعاتنا كافة، العامة والخاصة."
ورأى الرئيس عون "ان خطة التعافي المالي التي وضعتها الحكومة، وهي خطة إنقاذيّة، واكبها طلب المؤازرة من صندوق النقد الدولي، وهو الممرّ الإلزامي للتعافي إن أحسنّا التفاوض والتزمنا جميعنا المسار الإصلاحي الذي ينشده شعبنا أوّلاً بأوّل من دون أيّ إملاء أو وصاية أو ولاية، فنضع حدّأً لاستنفاد الاحتياطات الخارجيّة ونحمي أموال المودعين ونحاول بجدّ وتصميم احتواء عجز الموازنة ومعالجة تدني المستوى المعيشي للمواطنين اللبنانيين، لاسيّما الأقلّ مناعة منهم والذين سُدّت في وجههم أساليب العيش الكريم."
واعتبر رئيس الجمهورية "ان الخطة تهدف إلى تصحيح الاختلالات البنيويّة في الاقتصاد والمال، وإلى تأمين شبكات الأمان الاجتماعيّة والمساعدة المباشرة لمن هم أكثر حاجة، وإلى استعادة الثقة بنظامنا الاقتصادي والمالي، كما تهدف إلى خفض الدين العام بشكل يقي لبنان المخاطر المستقبليّة، ووضع الماليّة العامة على مسار مستدام، وتحقيق الشفافيّة من خلال التدقيق المالي، وإلى كشف الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان وتصحيحها، وإلى إعادة الاعتبار إلى التسليفات للقطاعات الإنتاجيّة."
وإذ اشار الى "ان الخطة لم تدرس بفكر سياسي، بل بفكر اقتصادي"، فهو رأى "انه يبقى علينا البدء بإجراءات تنفيذية فورية تعيد الثقة بالدولة وبالقطاع المصرفي على الصعيدين الداخلي والخارجي، واعتماد خطوات تطبيقية سريعة وضرورية"، مشيرا الى ان الهدف هو "ان نتمكن من استعادة دور لبنان: واحةً من الليبراليّة الاقتصاديّة المسؤولة وغير المتوحشة، في ظلّ سيادة القانون ومنطق المحاسبة والشفافيّة والعدالة الاجتماعيّة والإنماء المتوازن والإصلاح المستدام."
كلام رئيس الجمهورية جاء في خلال ترؤسه، قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، اللقاء الوطني المالي لعرض خطة التعافي الوطني التي اقرتها الحكومة.
من جهته، اعتبر رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب في كلمته خلال اللقاء "اننا وصلنا إلى اللحظة التي صار لزاماً علينا فيها أن نبدأ بإصلاح الأضرار التي وقعت في البنية المالية والاقتصادية للبلد،" مشيرا ايضا الى "انه لا مجال للمزايدات اليوم. ولا مكان لتصفية الحسابات. ولا يفترض فتح الدفاتر القديمة في السياسة."
واعتبر الرئيس دياب "ان اللبنانيين أمسكوا زمام المبادرة، وهم أصبحوا شركاء في القرار، ويضغطون للمحاسبة، بل ويحاسبون على كل صغيرة وكبيرة"، مشيرا "اننا اليوم لدينا مسؤولية وطنية، إما أن نكون عند مستوى هذه المسؤولية، أو أن الشعب اللبناني سيحاسب كل الذين تقاعسوا أو أداروا ظهرهم."
وإذ اشار الى "ان ما تطرحه الحكومة في هذه الخطة ليس كتاباً منزلاً، وهو قابل للتطوير"، فإنه اكد "أنها ليست ملكاً لحكومة أو حكم، وإنما هي برنامج عمل للدولة هدفه عبور لبنان مرحلة صعبة، وإعادة التوازن في المسار المالي"، داعيا "كل القوى السياسية، والكتل النيابية والأحزاب والهيئات، والفاعليات، والهيئات الاقتصادية، والمصارف إلى التوقّف عن السجالات، والتخلّص من الأوهام المصلحية التي لا تدوم، وإلى وقفة مع الذات،، متسائلا: "ماذا تنفع كل هذه الاختلافات، وكل هذه الحساسيات، وكل الحسابات والمصالح، إذا انهار لبنان لا سمح الله؟"
وقال: "أدعوكم إلى شراكة وطنية في ورشة الإنقاذ، من دون أحكام مسبقة، ومن دون غايات، ومن دون خلفيات مبطّنة. هذا اللبنان لنا جميعاً، فإما أن يرتقي الجميع إلى مستوى حماية هذا الوطن، أو أن الخسارة ستقع على الجميع."
وكان اللقاء عقد عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم، في حضور كل من: رئيس مجلس النواب نبيه بري ، والرئيس دياب، ورئيس كتلة ضمانة الجبل النائب طلال أرسلان، ورئيس الكتلة القومية الاجتماعية النائب أسعد حردان، ورئيس كتلة لبنان القوي النائب جبران باسيل، وممثل كتلة اللقاء التشاوري النائب فيصل كرامي، ورئيس كتلة نواب الأرمن أغوب بقرادونيان، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، ورئيس كتلة الجمهورية القوية الدكتور سمير جعجع. وشارك في اللقاء: وزير المالية غازي وزني، وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة الوزير السابق سليم جريصاتي، المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير، المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني، المستشار الاعلامي في رئاسة الجمهورية الاستاذ رفيق شلالا، مستشار الشؤون المالية في الرئاسة الدكتور شربل قرداحي، مستشار رئيس الحكومة للشؤون المالية السيد جورج شلهوب.
وكانت الجلسة افتتحت بكلمة الرئيس عون، تلتها كلمة لرئيس مجلس الوزراء، وبعدها كلمة لوزير المالية، وشهدت بعدها مناقشات وطرح للآراء حول البنود التي تتألف منها الخطة.
كلمة الرئيس عون
وفي ما يلي نص كلمة الرئيس عون: "أيها الحضور الكريم، أهلاً وسهلا بكم في القصر الجمهوري. هذا اللقاء ليس الأول من نوعه، بل سبق ودعوت إلى لقاءات مماثلة، عندما واجهتنا قضايا وتحديات أساسية، احتاجت مقاربتها إلى توافق وطني. وهل من مراحل وحقبات عاشها لبنان أشد إلحاحاً وحاجة إلى مثل هذا التوافق، كما هي الحال اليوم؟
ليس الإنقاذ الذي نسعى إليه مسؤولية طرف واحد، أو جهة سياسية واحدة، أو سلطة واحدة؛ فالخروج من النفق المظلم الذي نعبر فيه، هو مسؤولية الجميع.
أقول هذا الكلام بداية لأنّ الوهن الكبير والخطير الذي اصاب بنية وطننا الاقتصاديّة والماليّة والنقديّة والاجتماعيّة يفرض علينا أقصى درجات الشفافيّة وأيضاً أقصى درجات الاتحاد، في ظلّ أزمة نزوح طالت من دون أفق وتفاقمت تداعياتها على المستويات كافة، وفيروس "كورونا" استجدّ وزاد من انسداد شرايين اقتصادنا ونموّنا العليل، وانكماش اقتصادي قاس، وتراجع الطلب الداخلي والاستيراد، كما التصنيع وتصدير المواد والخدمات، ونقص حادّ في العملات الأجنبيّة المتداولة، وارتفاع مخيف لمعدّلات البطالة والفقر، وارتفاع متفلّت من أيّ ضابط لأسعار السلع على أنواعها، وتهاوي سعر صرف عملتنا الوطنيّة، وتراجع الإيرادات الضريبيّة وانحسار ضماناتنا الاجتماعيّة.
الأزمة المعقّدة هذه ليست وليدة اللحظة، وهي نتاج تراكمات متتالية في الزمن، وسياسات وممارسات خاطئة اعتمدت اقتصاد الريع وأغفلت اقتصاد الإنتاج، كما حذرنا منه في 48 موقف علني منذ توليّ سدة الرئاسة، كما فضّلت الربح السريع على الربح المألوف ولكن الدائم، والذي يأتي من قطاعات الإنتاج والخدمات والمعرفة. لا بدّ أن نضيف إلى عامل سوء إدارة شؤوننا العامة عوامل أخرى فاقمت حالتنا المرضيّة، كتغيّر المحيط من حولنا، وتأثير الحروب المتنقلة في منطقتنا، فضلاً عن أزماتنا الوطنيّة الناجمة عن تبعثر قرارنا السياسي التوافقي في مفاصل واستحقاقات مهمة من حياتنا العامة.
نحن نشخّص كي نستخلص العبر والعلاجات، ذلك أنّ أحوج ما نكون إليه في أيّامنا هذه هو تجاوز تصفية الحسابات والرهانات السياسيّة فنتّحد للتغلّب على أزمتنا المستفحلة وتغطية الخسائر المحققة في قطاعاتنا كافة، العامة والخاصة.
أيها الحضور الكريم، في اجتماع سابق في الثاني من أيلول 2019 في القصر الجمهوري، قررنا إعلان حالة طوارئ اقتصاديّة ووضع إطار مالي متوسط المدى لمعالجة ما تعاني منه ماليتنا العامة، والإسراع في إطلاق المشاريع الاستثماريّة المقررة ضمن إطار مؤتمر CEDRE، والتوافق على تقرير «ماكينزي» ورسم خريطة طريق لتنفيذ التوصيات القطاعيّة الواردة فيه.
وفي حين كنا نأمل أن يساهم ما اتفقنا عليه حينها بتفادي حصول أزمة حادّة في ميزان المدفوعات، أو على صعيد سعر صرف الليرة اللبنانيّة أو تمويل ماليتنا العامة، وبالتالي تحفيز الإنتاج وتزخيم الحيويّة في القطاعات الاقتصاديّة كافة، تلاحقت الأزمات والانتكاسات منذ تشرين الأوّل 2019، بعد أن توقفت المصارف عن تلبية طلبات مودعيها في تموز 2019، ودخلنا مرحلة شديدة التقلّبات، فأصبحت المعالجات أكثر إلحاحاً.
من هنا أتت خطة التعافي المالي التي وضعتها الحكومة وفقاً لصلاحيتها المنصوص عنها في المادة 65 من الدستور، وهي خطة إنقاذيّة واكبها طلب المؤازرة من صندوق النقد الدولي، وهو الممرّ الإلزامي للتعافي إن أحسنّا التفاوض والتزمنا جميعنا المسار الإصلاحي الذي ينشده شعبنا أوّلاً بأوّل من دون أيّ إملاء أو وصاية أو ولاية، فنضع حدّأً لاستنفاد الاحتياطات الخارجيّة ونحمي أموال المودعين ونحاول بجدّ وتصميم احتواء عجز الموازنة ومعالجة تدني المستوى المعيشي للمواطنين اللبنانيين، لاسيّما الأقلّ مناعة منهم والذين سُدّت في وجههم أساليب العيش الكريم.
بالإضافة إلى الإصلاحات الهيكليّة، والتي سعت إلى قسم منها الحكومات المتعاقبة، تهدف الخطة إلى تصحيح الاختلالات البنيويّة في الاقتصاد والمال، وإلى تأمين شبكات الأمان الاجتماعيّة والمساعدة المباشرة لمن هم أكثر حاجة، وإلى استعادة الثقة بنظامنا الاقتصادي والمالي، كما تهدف إلى خفض الدين العام بشكل يقي لبنان المخاطر المستقبليّة، ووضع الماليّة العامة على مسار مستدام، وتحقيق الشفافيّة من خلال التدقيق المالي، وإلى كشف الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان وتصحيحها، وإلى إعادة الاعتبار إلى التسليفات للقطاعات الإنتاجيّة.
كما ترمي إلى تطبيق تدابير إصلاحيّة لتعزيز النموّ وزيادة الإنتاجيّة، بالإضافة إلى تصحيح ميزان المدفوعات وتحسين القدرة التنافسيّة للاقتصاد، بالتوازي مع إصلاح مالي يركّز على استئصال الفساد وتحسين الامتثال الضريبي وضبط الهدر وحسن إدارة القطاع العام.
كذلك تسعى الخطة، في كلّ مراحلها، إلى تجنيب الفئات الأقلّ مناعة من شعبنا تداعيات الأزمة وإلى تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، من ضمان وصحة وتربية وغيرها من الحاجات الحيوية.
لذلك، وبالإضافة إلى الدعم المالي الخارجي المطلوب، فإنّ نجاح الخطة وارتضاء التضحيات التي تستلزم، والتي تبقى، على صعوبتها، أقلّ حدّة من تداعيات انهيار اقتصادي ومالي شامل، إنّما يتطلبان اتحاداً وطنيّاً ووعياً عميقاً لما يهدد وجودنا وكياننا وهويّة لبنان.
وهي، وإن حددت الأهداف، فيبقى علينا البدء بإجراءات تنفيذية فورية تعيد الثقة بالدولة وبالقطاع المصرفي على الصعيدين الداخلي والخارجي، واعتماد خطوات تطبيقية سريعة وضرورية.
أيها الحضور الكريم،
إن هذه الخطة لم تدرس بفكر سياسي، بل بفكر اقتصادي. لذلك، أدعوكم كقيادات سياسية تتمتع بتمثيل شعبي أوصلها إلى الندوة البرلمانية، إلى مقاربتها من هذا المنطلق لعلّنا نتمكن من استعادة دور لبنان: واحةً من الليبراليّة الاقتصاديّة المسؤولة وغير المتوحشة، في ظلّ سيادة القانون ومنطق المحاسبة والشفافيّة والعدالة الاجتماعيّة والإنماء المتوازن والإصلاح المستدام.
وفّقنا الله جميعاً في مسعانا واتحادنا لما فيه خير وطننا وشعبنا.
عشتم وعاش لبنان."
كلمة الرئيس دياب
بعد ذلك، القى الرئيس دياب كلمة جاء فيها: "لطالما كان الحوار هو الوسيلة الأسلم لتفكيك المشكلات، ولإزالة الالتباسات، وتعبيد الطرقات وفتح الجسور. أما عندما تكون هناك قضايا وطنية، فإن الحوار يصبح ضرورياً لتوحيد الرؤية وتمتين الصفوف في مواجهة التحديات الوطنية.
نحن اليوم نعبر نفقاً طويلاً، يمكننا بالحوار أن نجعله مضيئاً، فيخفف عن اللبنانيين ظلام الظروف الصعبة التي يعيشونها. ويمكننا أن نلعن العتمة، لكن شيئاً لن يتغيّر في معاناة اللبنانيين.
لقد خاضت الحكومة في ثلاثة أشهر، تحديات كبيرة وضخمة، لكنها كانت مصرّة على معالجة الواقع المالي والاقتصادي، خصوصاً في ظل واقع ضاغط على كل المستويات. فاللبنانيون صاروا عاجزين عن الحصول على أموالهم في المصارف، في حين تمكّن محظيون من تحويل أموالهم إلى الخارج، بينما كان سقف الدين العام قد بلغ مستوى لا يمكن للدولة أن تستمر بالتعامل معه بمنطق التأجيل وقذف المشكلة إلى الأمام. لقد كنا أمام مفترق طريق حاسم، وقررنا التصدي لهذه المعضلة المالية وعدم تأجيلها. ثم جاء وباء كورونا ليزيد الضغوط على الواقع الداخلي، وفي ظل قدرات محدودة جداً للدولة.
مع ذلك، تجاوزنا هذا التحدّي، وأستطيع القول أن الحكومة نجحت في تأمين الهبوط الآمن بأقل الأضرار.
اليوم، وصلنا إلى اللحظة التي صار لزاماً علينا فيها أن نبدأ بإصلاح الأضرار التي وقعت في البنية المالية والاقتصادية للبلد. وهي أضرار كبيرة وبنيوية ومتجذرة، تحتاج معالجتها إلى زخم وطني يخفف قوة الآلام التي بدأ اللبنانيون يشعرون بها. لا مجال للمزايدات اليوم. ولا مكان لتصفية الحسابات. ولا يفترض فتح الدفاتر القديمة في السياسة.
اليوم نحن هنا، في هذا الواقع المظلم، سيكون تبادل الاتهامات مكلفاً للجميع، وعلى وجه الخصوص للبنانيين الذين ينتظرون من قياداتهم السياسية أن تتحمل مسؤولياتها، ويطالبون الحكومة بوضع خطة لإخراجهم من هذا النفق. الوقت ضيق، واللبنانيون يراقبون كل خطوة.
لم يعد اللبنانيون يتفاعلون مع الأحداث فقط، بل أصبحوا هم الذين يصنعون الحدث. أمسك اللبنانيون زمام المبادرة، وهم أصبحوا شركاء في القرار، ويضغطون للمحاسبة، بل ويحاسبون على كل صغيرة وكبيرة.
نحن اليوم لدينا مسؤولية وطنية، إما أن نكون عند مستوى هذه المسؤولية، أو أن الشعب اللبناني سيحاسب كل الذين تقاعسوا أو أداروا ظهرهم.
في كل الأحوال، الحكومة وضعت رؤيتها للإصلاح المالي والاقتصادي، وهذه الرؤية ستشكل فرصة للتفاوض مع الدائنين، وكذلك للحوار مع صندوق النقد الدولي. ما نطرحه في هذه الخطة ليس كتاباً منزلاً، وهو قابل للتطوير، وقد أطلقنا حواراً شمل مختلف شرائح الشعب اللبناني، وأخذنا بالعديد من الملاحظات التي سمعناها.
اليوم نعرض هذه الخطة أمامكم، لأن هذه الخطة ليست ملكاً لحكومة أو حكم، وإنما هي برنامج عمل للدولة هدفه عبور لبنان مرحلة صعبة، وإعادة التوازن في المسار المالي.
أيها السادة،
لقد تجاوز اللبنانيون، عبر التاريخ، كثيراً من الأزمات الوطنية والكيانية والوجودية. واليوم، يتطلعون إلى الخروج من هذه الأزمة، بمعزل عن الاختلافات السياسية، وبرفض منطق السلبية في التعامل مع أي خطة إنقاذية. لا يجوز إدارة الظهر لحوار منطقي وعقلاني وموضوعي تحت عنوان إصلاحي إنقاذي.
نحن محكومون بالتعامل مع الظروف بمنطق إيجابي منفتح، وبتآلف وطني، وبتعاون مخلص بين جميع القوى السياسية والنيابية، وبالتفاعل مع اللبنانيين الذين لن يغفروا لأحد تقاعسه عن المشاركة الفاعلة في إنقاذهم من براثن الأزمة الحادة التي تعصف بالبلد، وتهدّد لقمة عيش اللبنانيين.
أتوجّه اليوم بنداء، إلى كل القوى السياسية، إلى الكتل النيابية والأحزاب والهيئات، إلى الفاعليات، إلى الهيئات الاقتصادية، إلى المصارف...
أدعوكم بصدق وإخلاص، إلى التوقّف عن السجالات، وإلى التخلّص من الأوهام المصلحية التي لا تدوم، وإلى وقفة مع الذات: ماذا تنفع كل هذه الاختلافات، وكل هذه الحساسيات، وكل الحسابات والمصالح، إذا انهار لبنان لا سمح الله؟
أدعوكم إلى وعي خطورة المرحلة، وإلى إدراك حجم معاناة اللبنانيين، وإلى تقدير الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد. ماذا تنفع الطموحات السياسية والشخصية والتسابق والتنافس على السلطة والحكم إذا سقط هيكل الدولة؟
أدعوكم إلى تدعيم أعمدة الدولة، لحماية البلد، وتخفيف الأعباء على اللبنانيين. من حق اللبنانيين أن يقلقوا على مستقبل البلد، ومستقبلهم، ومستقبل أبنائهم.
أدعوكم إلى شراكة وطنية في ورشة الإنقاذ، من دون أحكام مسبقة، ومن دون غايات، ومن دون خلفيات مبطّنة.
هذا اللبنان لنا جميعاً، فإما أن يرتقي الجميع إلى مستوى حماية هذا الوطن، أو أن الخسارة ستقع على الجميع.
أيها السادة،
الوقت ثمين جداً، والخسائر المتراكمة كبيرة جداً، والواقع مؤلم جداً... وفرصة الاستدراك لن تنتظر طويلاً. اللهم فاشهد أني قد بلغت. عشتم وعاش لبنان."
كلمة الوزير وزني
ثم القى الوزير وزني كلمة عرض فيها لمختلف اقسام خطة التعافي، وجاء في الكلمة: "اليوم هو يوم حوار وطني للكلام على خطة التعافي المالية وهو يوم تاريخي للبنان، لأن السنوات القادمة هي التي ستحدد مصير مستقبل لبنان الاقتصادي. لقد أقرت الحكومة خطة التعافي المالية الشاملة لمدى خمس سنوات (2020-2025) في جلستها في 30 نيسان 2020 لمواجهة أزمات متعددة إقتصادية ومالية ونقدية واجتماعية غير مسبوقة تظهر من خلال المؤشرات التالية:
- إنكماش اقتصادي يقارب 13%
- تفاقم معدل التضخم ليصل الى اكثر من 50%
- تدهور كبير لسعر صرف الليرة
- شلل تام في القطاع المصرفي
- تزايد كبير في معدلات الفقر ليتجاوز 45% من المواطنين وفي البطالة ليفوق 35%
- عجز مرتفع في المالية العامة ودين مرتفع غير مستدام.
وتعتبر الخطة مخرجاً للأزمة، إصلاحية، شفافة، ذات مصداقية، تقدم لأول مرة ارقاماً واضحة عن الخسائر المتراكمة وخاصة في القطاع المالي مع تحديد دقيق لتوزيعها ومسبباتها. وتهدف الى استعادة الثقة، رفع النمو الاقتصادي، تعزيز نظام مالي صحي وتحقيق استدامة المالية العامة في لبنان. وتقوم الخطة على تسعة ركائز ابرزها:
1- في سياسة سعر الصرف والسياسة النقدية : تعتمد الخطة سياسة سعر الصرف المرن في المرحلة المقبلة بشكل متدرج ومدروس.
فإن تحرير سعر صرف الليرة قبل استعادة الثقة، وتحصين المناخ الاقتصادي والمالي والحصول على الدعم الدولي من صندوق النقد الدولي والدول المانحة يؤدي الى فلتان شامل لأسعار السلع، وتدهور كبير لسعر صرف الليرة كما يؤدي الى تعثر كبير للمؤسسات المقترضة بالدولار.
2- في المالية العامة: تخفض الخطة العجز في الموازنة العامة من 11.3% من الناتج المحلي عام 2019 الى 5.3 % عام 2020 ثمّ الى 0.7% عام 2024 من خلال خاصةً خفض النفقات العامة (إصلاح الكهرباء، إصلاح نظام التقاعد، ترشيد النفقات الجارية) وفي الإيرادات محاربة الهدر وتحسين الجباية في الجمرك والضريبة على القيمة المضافة ومكافحة التهرب الضريبي.
3- في الحساب الجاري أو الدعم الخارجي : تقدر الاحتياجات التمويلية الخارجية في فترة 2020-2024 بحوالي 28 مليار دولار لتمويل العجز في الميزان التجاري والخدماتي.
تحاول الخطة تأمين الدعم من مصادر خارجية متعددة منها صندوق النقد الدولي 10 مليار دولار ، مؤتمر سيدر 11 مليار دولار ومن موارد أخرى مثل قروض وهبات ثنائية مع الدول والصناديق والمؤسسات المانحة.
4- في اعادة هيكلة الدين العام : يبلغ الدين العام 90.2 مليار دولار في العام 2019 موزعة بنسبة 63% للدين بالليرة و37% للدين بالعملات الاجنبية.
تهدف الخطة الى خفض الدين العام للناتج المحلي من 175 % عام 2019 الى 99% عام 2024من خلال إعادة هيكلة الدين العام المحرر بالليرة اللبنانية وبالعملات الاجنبية.
5- في إعادة هيكلة مصرف لبنان:
تقدر الخسائر المتراكمة في ميزانية مصرف لبنان بحوالي 63.6 مليار دولار ناتجة عن كلفة التثبيت النقدي، وعمليات الهندسات المالية، وتغطية عجز ميزان المدفوعات والعجز المالي لا سيما الكهرباء والديون المتراكمة للدولة وتتوزع بالشكل التالي:
الخسائر المتراكمة في الماضي لمصرف لبنان 40.9 مليار دولار وأثر إعادة هيكلة الديون السيادية بقيمة 20.8 مليار دولار.
تتضمن الخطة انشاء الشركة الوطنية لادارة الاصول العامة والتي تحتوي حصص الاسهم في الشركات الرئيسية المملوكة من الدولة والأصول العقارية بهدف تحقيق ارباح الشركة لتمويل زيادة راس مال مصرف لبنان وتجهيز ضمانة الدولة لإعادة هيكلة مصرف لبنان بالتوازي مع زيادة تقييم هذه الاصول بعد تحسين أدائها مما يوفر غطاء وضمانة فعلية لإجراء تلك الزيادة في الرأسمال.
ملاحظة: لا يهدف إنشاء الشركة الوطنية في الخطة الى بيع الأصول العقارية للدولة بل الى تفعيلها وتحسين مردوديتها.
6- في إعادة هيكلة القطاع المصرفي
تقدر الخسائر المتراكمة للمصارف التجارية 83.2 مليار دولار ناتجة عن خسائر مصرف لبنان حوالي 53.9 مليار دولار وتعثر القروض للقطاع الخاص 12.3 مليار دولار وتخلف الدولة عن سداد ديونها بقيمة 17.3 مليار دولار.
تعمل الحكومة على الحفاظ على اموال المودعين واستيعاب الخسائر من خلال :
- استعمال رؤوس اموال المصارف وتقييم اصولها العقارية المدرجة في ميزانيتها وتقيم اصولها الخارجية.
- استخدام العقارات المملوكة من المصرف المركزي على سعر السوق.
- ضخ اموال جديدة من قبل المساهمين الحاليين او الجدد بعد دمج المصارف
- استرجاع ارباح الهندسات المالية
- استخدام عوائد الفوائد المفرضة التي قدمتها المصارف للمودعين.
- العرض على المودعين اختياريا تحويل جزء من ودائعهم الى رأسمال المصرف (Bail – IN) او الى سندات دين طويلة الاجل على المصرف اذا كان ذلك ضرورياً وحسب كل مصرف بعد تقييم اوضاع كل واحد منهم.
- استعادة الاموال المنهوبة او المهربة بطرق غير قانونية
ملاحظة:
- ودائع صغار المودعين سوف تبقى في المصرف
- صندوق التعافي : يتضمن الاموال المستعادة من استراتيجية مكافحة الفساد ومن بعض اصول الدولة.
7- تحفيز النمو الاقتصادي : تقوم على اصلاحات وتطوير النظام الاقتصادي القائم من خلال دعم القطاعات الانتاجية لاسيما القطاع الزراعي والصناعي والقطاعات الواعدة كقطاع المعرفة والقطاعات المستقطبة للعملة الاجنبية كقطاع السياحي.
8- منافع صندوق النقد الدولي: تقع منافع الصندوق إنها تعطي الثقة للمجتمع الدولي وتوفر دعماً مالياً للخزينة العامة تراوح بين 9- 10 مليار دولار، وتفتح أفق مؤتمرات الدعم الدولية (مؤتمر سيدر) والتسهيلات المالية من الصناديق والمصارف العالمية فضلاً عن تسهيلها التفاوض مع الدائنين.
تعتبر الخطة إيجابية للتفاوض مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة والدائنين كما تهدف الى حماية أموال المودعين والتخفيف من قلق وهواجس المواطنين والتخفيض من وطأة الأزمة الاقتصادية والمالية."
بعد ذلك، تحدث رؤساء الكتل النيابية تباعاً حيث ابدوا ملاحظاتهم على الخطة وقدموا مقترحات عملية لمواكبتها، فيما ارسل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السيد وليد جنبلاط ملاحظات خطية لـ"اللقاء الديمقراطي" وللحزب الاشتراكي على الخطة.
وبعد انتهاء مداخلات رؤساء الكتل، رد الرئيس دياب فشكر الحاضرين على ملاحظاتهم وافكارهم، مؤكداً ان الحكومة منفتحة على الاقتراحات التي تحصّن الخطة، لانها ليست خطة الحكومة، بل خطة جميع اللبنانيين لانها تعنيهم كلهم.
البيان الختامي
وفي ختام اللقاء، تلا المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير البيان الختامي وجاء فيه: "ترأس فخامة الرئيس العماد ميشال عون لقاء وطنياً مالياً في تمام الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الاربعاء الواقع فيه 6 أيار 2020، حضره دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري، ودولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسان دياب ورئيس كتلة ضمانة الجبل النائب طلال أرسلان، ورئيس الكتلة القومية الاجتماعية النائب أسعد حردان، ورئيس كتلة لبنان القوي النائب جبران باسيل، وممثل كتلة اللقاء التشاوري النائب فيصل كرامي، ورئيس كتلة نواب الأرمن أغوب بقرادونيان ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، ورئيس كتلة الجمهورية القوية الدكتور سمير جعجع ووزير المالية السيد غازي وزني ووزير الاقتصاد والتجارة السيد راوول نعمة.
خصّص الاجتماع لعرض خطة التعافي المالي التي أقرتها الحكومة بالاجماع بجلسة لمجلس الوزراء بتاريخ 30/4/2020، وبعد أن أعلنت الحكومة تعليق سداد الديون المتوجبة على الدولة اللبنانية، وفي ظل أزمة مالية ونقدية معقّدة ليست وليدة اللحظة، إنما هي نتاج تراكمات متتالية في الزمن، اعتمدت اقتصاد الريع واغفلت اقتصاد الانتاج.
وبعد التداول ومناقشة المحاور الأساسية لخطة التعافي، رحب المجتمعون بالخطة كإطار عام يتكوّن من عدة محاور ترتكز على إعادة هيكلة الدين العام وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح المالية العامة، توازيها خطة لتحفيز ونمو القطاعات الانتاجية الاقتصادية وخطة لشبكة الأمان الاجتماعي، يضاف إلى ذلك إلتزامات معنيّة بمكافحة الفساد واستئصاله، مع الاخذ بعين الاعتبار تجنيب الفئات الاقل مناعة تداعيات الازمة الاقتصادية والمالية وحماية اموال المودعين في المصارف.
كما أكّد المجتمعون، انه بغية استعادة الثقة على المستويات كافة، يتوجب وضع برنامج عمل لهذه الخطة، يتضمن إصدار نصوص تشريعية وتنظيمية وقرارات تنفيذية وآليات لمعالجة ثغرات متراكمة واقرار اصلاحات بنيوية وهيكلية ووضع خطة لمعالجة غلاء المعيشة وضبط ارتفاع الاسعار والحرص على حماية المستهلك لوضع هذه الخطة موضع التنفيذ على المديين القصير والمتوسط،.
وفي هذا السياق توافق المجتمعون على ضرورة التخفيف من قلق المواطنين وأنّ هناك ضرورة لانجاح الخطة ولارتضاء التضحيات التي تستلزم، والتي تبقى، على صعوبتها، أقلّ حدّة من تداعيات انهيار اقتصادي ومالي شامل، وهذا يتطلّب اتحاداً وطنيّاً ووعياً عميقاً وحواراً مع القطاع الخاص لاسيما القطاع المصرفي لما يهدد وجود وكيان وهويّة لبنان الاقتصادية المنصوص عنها في مقدّمة الدستور.
وأخيراً طالب المجتمعون المجتمع الدولي والصناديق والمؤسسات الدولية المالية الوقوف إلى جانب لبنان في تحمّل أزماته المتراكمة التي يعاني منها لا سيما أزمة النازحين السوريين وتداعياتها واستنزافها القطاعات الاساسية بما فيها الصحة العامة والتربية الوطنية والبنى التحتية بالإضافة إلى تداعيات جائحة الكوفيد 19 في ظل أزمة مالية ونقدية واقتصادية صعبة جداً.
واعرب رئيس تكتل "الجمهورية القوية" عن اعتراضه على البيان."
الدكتور جعجع
وبعد انتهاء اللقاء، تحدث الدكتور جعجع الى الصحافيين فقال:
"انا هنا بحكم مسؤولياتنا جميعاً في هذه المرحلة. والكل يعرف اننا في صلب المعارضة، ولسنا مؤيدين لسياسات العهد، ومواقفنا معروفة. انا هنا مثلما ينزل نوابنا الى المجلس النيابي، ومثلما كان وزراؤنا- يوم كان لدينا وزراء في الحكومة- يشاركون في اجتماعات مجلس الوزراء. ان القصر الجمهوري مؤسسة دستورية، وقد دعا فخامة الرئيس الى لقاء تشاوري، ومن هذا المنطلق احببت ان احضر. اصدقائي الاخرين في المعارضة احبوا ان يأخذوا موقفاً آخر، هذا جيد ايضا. انما نحن في تكتل "الجمهورية القوية"، فضّلنا هذه المقاربة، مع انه لدينا العديد من الملاحظات سواء في الشكل او المضمون على اللقاء الذي جرى، لكن هذا بحث آخر."
اضاف: "في ما يتعلق بجوهر البحث اليوم، هناك ورقة اصلاحية اعدتها الحكومة، ونهنئها على تحضير هذه الورقة كبداية، لكن على اعتبار ان اي ورقة اصلاحية مثالية وستجلب للبنان عشرات ملايين الدولارات، فإننا من سنة او سنتين كانت لدينا مدخرات في مصرف لبنان واحتياطيات وكان هناك نحو 60 ملياراً، والاموال موجودة في المصارف، والدورة الاقتصادية سليمة، وبلحظة انتهى كل شيء. بالتالي فإنه قبل طرح اي خطة علينا ان نضع حدا للوعاء المثقوب. فحتى هذه اللحظة، ما من احد يقول لي ان هذه الدولة مختلفة عن تلك التي كانت في السابق. انتم تعرفون انه منذ اللحظة الاولى- وقد قلت ذلك الى دولة رئيس الحكومة- نرغب في ان تنجح هذه الحكومة، الا اننا حتى هذه اللحظة، لم نر اي خطوة عملية في هذا الاتجاه. صحيح انها اتخذت تدابير تتعلق بمواجهة وباء "الكورونا" او غيرها، لكنها خطوات تطاول الحياة اليومية. انا اتحدث على المستوى الكبير، حيث اننا لم نر حصول اي امر يدل على ان الدولة الحالية مختلفة عما كانت عليه. وحتى لو سلمنا جدلا ان الخطة المطروحة مثالية، مع ان الامر ليس كذلك، فلن نصل الى اي نتيجة اذا ما بقي العمل في البلد على ما هو عليه."
وقال: "لقد وزعت ورقتين: واحدة تتضمن بعض الخطوات الاصلاحية، والثانية بعض ملاحظاتنا الاولية على الخطة، لضرورات البحث لا اكثر. بمعنى اننا لا نبحث في الخطة، انما في ما يسمى الشروط المسبقة لكي نتمكن من القبول بأي خطة يجب ان تحصل، ومنها قرارات يمكن للحكومة ان تتخذها بلحظة خلال اجتماعاتها، والا فقد يفوتها القطار، اذ انه سيحل قريباً اليوم المئة على حصولها على الثقة. وعلى سبيل المثال، هناك 5300 موظف موثقين، والى جانبهم نحو 10 آخرن غير موثقين، هم موظفون بشكل غير قانوني اي لا يعرفون من الوظيفة الا الحصول على رواتبهم، وقد وثقتهم لجنة نيابية رسمية هي لجنة المال والموازنة النيابية. وحتى هذه اللحظة اي بعد قرابة ثلاثة اشهر، لم تتخذ الحكومة قراراً بايقاف عقودهم. فكيف سأصدق الخطة؟."
وتابع: "هناك ايضا مسألة المعابر غير الشرعية، والجميع يعرف بوجودها، وانا لا اتكلم عن زواريب انما عن طرقات تعبر عليها شاحنات، واكثر من محطة تلفزيونية صوّرتها. وللصدفة، خلال الاجتماع استغرب الامير طلال ارسلان في سياق الحديث، وجود بضائع في الضاحية الجنوبية تباع بسعر اقل بنحو 40 او 50% من سعر السوق. وانا اطرح مسألة المعابر غير الشرعية. على سبيل المثال، يمكنك ان تذهب الى زحلة حيث ان صالات العرض موجودة وتشتريها بسعر، واذا ما ذهبت نحو 2 كلم باتجاه السهل، فأنت تشتريه بنحو 20 الى 40% اقل. كيف يمكن للبلد ان يعيش هكذا؟ ان الامر لا يحتاج هنا الى شركة "لازار" للدراسات، ولا الى دراسات او موازنات وخطط، انما الامر يحتاج الى ان قرار من الحكومة بإقفال المعابر غير الشرعية. والجيش والقوى الامنية تعرف هذه المعابر وباستطاعتها اقفالها على وجه السرعة، انما يحتاج الامر الى قرار. فهذا الامر لوحده يدرّ علينا نحو 150 الى 200 مليون دولار، فيما نذهب الى آخر الدنيا للتفتيش عن نصف دولار، بينما الدولارات موجودة."
وقال: "اما النقطة الثالثة فتتعلق بالجمارك. فالجميع يعرف ويعترف بالفساد الموجود فيه، وقد اشارت الحكومة في خطتها الى انها تسعى لتبسيط الاجراءات في الجمارك. فهل الامر يتعلق فعلاً بالاجراءات؟ ان الامر مرتبط بالفساد وهو يتطلب تغييراً يطاول كل قيادة الجمارك رأسا على عقب. فلماذا لا يتخذ القرار؟ وهناك ايضا نقطة رابعة تتعلق بالكهرباء. والجميع تكلم في الموضوع، والحلول موجودة. وهذا الملف لوحده يكلفنا جميعا كمواطنين سنويا نحو ملياري دولار خسارة من اجل لا شيء، لأن من يمسك هذا الملف لا يريد ان يغيّر في الموجود، ويناسبه ان يبقى كذلك كي لا اذهب الى ابعد من ذلك. وها ان الحكومة تشير في خطتها الى اعتماد خطة الكهرباء الموضوعة والتي نحن بصدد تطبيقها منذ عشرات السنوات وقد رأينا ما كانت نتيجتها. انطلاقاً من هنا، فإن جوابنا الاساسي، والذي قلته في الداخل: نحن لن نسير بهذه الخطة حتى لو كانت مثالية، ولا بأي خطة اخرى قبل اعتماد خطوات عملية من الحكومة على انها جادة بسدّ كافة مزاريب الهدر والفساد في الدولة، حتى اذا ما اتى اي قرش سواء كهبة او قرض، والا عبثا نبحث عن قروض او هبات او نتفاوض مع صندوق النقد الدولي."
اضاف: "هذا كان موقفنا في داخل اللقاء، وقد ورد في الورقتين اللتين تقدمنا بهما لضرورات البحث في الخطة الحالية، وفيهما بعض الملاحظات الاساسية والضرورية جدا. مثلا: لا يمكن لأحد ان يتصرف بودائع الناس لأنها ملكية خاصة، سواء كانوا من صغار المودعين او من كبارهم. هذا هو القانون اللبناني، واذا ما كان من امر اعطانا اقتصاداً جدياً في البلد منذ الاستقلال الى اليوم، فهو هذا القانون وهذا الاقتصاد الحر. فكيف يمكن المس بهما؟ على الحكومة مساعدة نفسها والجلوس مع جمعية المصارف لترى الى اين يمكن الوصول. وهذا ما يحصل في كافة دول العالم، والا نكون نطيح بالقانون الحالي وبالاقتصاد الحر. واذا ما كانت هناك من مصارف قد اخطأت، فهذا لا يعني ان تضرب القطاع المصرفي بكامله على الاطلاق. علينا ان نقول الامور كما هي، واذا ما كان هناك بعض الغوغائيين الذين يطرحون اموراً معينة فعلينا الا ننسى ان الاقتصاد اللبناني بأسره، منذ قرابة المئة سنة الى اليوم، قد قام على القطاع المصرفي والسياحة. هذه بعض الملاحظات التي تقدمت بها لضرورات البحث."
ثم دار الحوار التالي مع الصحافيين:
سئل: لماذا حضرت الى القصر الجمهوري؟ هل لتقف من هنا وتنتقد العهد؟
اجاب: كلا، ان منبر القصر الجمهوري هو لجميع اللبنانيين، والعماد عون هو اكثر من سمى القصر الجمهوري "قصر الشعب"، وهو المؤسسة الدستورية الاولى. ومن الطبيعي ان اتواجد هنا، فنواب تكتل "الجمهورية القوية" يحضرون في مجلس النواب، وانا احضر الى القصر عندما تدعو الحاجة.
سئل: لماذا تتجنب القول انكم اصبحتم جبهة واحدة معارضة؟
اجاب: نحن لا نتجنب ولا نخجل من القول اننا لسنا جبهة واحدة، فكل منا من موقعه في موقع معارض على طريقته، ولم نستطع التوصل الى تشكيل جبهة واحدة.
سئل: يقال بأن ملاحظاتك ليست على الامور التقنية بل هي موقف سياسي من العهد والحكومة.
اجاب: نعم انه موقف سياسي، وانما من مسار الامور، اي انه اذا الدولة مع هذه الحكومة لا تزال مشابهة لتلك التي كانت منذ ستة اشهر، فـ"عبثاً يتعب البناؤون". النقطة الرئيسية التي يجب التركيز عليها هي: هل اصبحنا دولة جديدة مع الحكومة الجديدة ام لا؟ هذا ما ننتظره. وجودي هنا اليوم، بغض النظر عن انه قصر جمهوري للجميع ومؤسسة دستورية، هو للقول ان هناك حكومة ستبلغ المئة يوم من العمر بعد وقت قصير، واتوجه اليها بكل نية طيبة محذراً من ان الوقت يمضي، وعليها ان تثبت انها مختلفة عما كان يحصل في السابق. واذا قارنّا الخطة الانقاذية الحالية مع الخطط الدستورية السابقة وفذلكات الموازنات، فهي نفسها تقريباً، وهذا لا يعني شيئاً دون خطوات جدية تبشّر بالانتقال الى دولة الاصلاح التي ننشدها.
سئل: يقال انك متهم بقطع الطريق على عودة الرئيس الحريري وعلى اقامة جبهة معارضة عندما زارك وفد الحزب الاشتراكي واعترضت. فهل هناك رهانات على تحولات داخلية وخارجية؟
اجاب: لا، ليس هناك من رهان، وهذا كله افتراضات لا اساس لها من الصحة. ان عدم قيام جبهة واحدة حتى الآن، يعود الى عدم رغبتنا في البقاء على ما كنا عليه، اي ان نتفق على نقطة ونختلف على الكثير غيرها، وان نتفق على امر ما وندخل الى الحكومة وتتغيّر الامور، فإما الاتفاق على خطة شاملة او ان نبقى نعارض كل من موقعه. حتى الآن لم نستطع الاتفاق على خطة شاملة بعد.
سئل: هل ترى ان لا بديل عن هذه الحكومة في هذه المرحلة؟
اجاب: اذا فشلت، لا يمكنني القيام بشيء، المهم ان تنجح.
سئل: لقد تمثلتم في الحكومات السابقة التي طرحت العناوين نفسها، ولكن هذه الحكومة وضعت كل ذلك في اطار خطة، وما تقومون به هو اما التحرك في الشارع او ممارسة الاعتراض السلبي وكأن هناك تبادل ادوار لقطع الطريق على الحكومة للقيام بأي عمل.
احاب: كلا، على الاطلاق، واكبر دليل على ذلك وجودي هنا اليوم، وكل خطابنا السياسي منذ ان نالت الحكومة الثقة حتى اليوم لم يكن سلبياً. ولكن كلامنا الحالي هو كي لا ينتهي الامر بهذه الحكومة ولو اننا خارجها،على غرار ما حصل مع الحكومة السابقة. لذلك، عليها القيام بخطوات عملية كالتي ذكرتها، وهو امر يوجب الانتقال الى التنفيذ.
سئل: هل انتم مع الدعوات لوضع المناكفات السياسية جانباً كما قال السيد نصر الله؟ وهل انتم مع اعطاء فرصة مشروطة للحكومة؟ وماذا تقولون للمواطن الذي تراجعت قدرة راتبه بشكل كبير؟
اجاب: طبعاً ومن هذا المنطلق انا هنا. اما المواطن، فنقول ان على الحكومة القيام بخطوات عملية ولسنا بحاجة الى خطط، فهناك الكثير منها، والكثير من العناوين. ولا يجب ان ينخذع المواطن بالكلام عن تحضير قوانين لمكافحة الفساد، فلسنا بحاجة لها، بل ينقصنا استبدال الفاسدين بالصالحين، لان القوانين في هذه الحالة لا تأثير لها على الصالح او الفاسد.
سئل: اين يقف اللبناني اليوم اذا كانت الموالاة غير قادرة على التنفيذ كما قلتم، والمعارضة غير موحدة، والشارع تطغى عليه الغوغائية؟ هل ينتظر خطوات خارجية؟
اجاب: كلا، لا يجب انتظار خطوات خارجية، حتى من اجل التمويل، فالقول انه لا حل الا باستقدام اموال من الخارج ليس صحيحاً لاننا نملك حلولاً، فإذا تم تنفيذ الخطوات التي سبق وذكرتها في البداية، يمكن توفير نحو 3 مليارات دولار في العام، وهي خطوات بسيطة. علينا الاعتماد على انفسنا، وفي حال فشلت الموالاة والمعارضة، نبقى امام حل وحيد فقط يضع مصير المواطن بيده وهو اجراء انتخابات نيابية مبكرة.
سئل: هل يمكن اطلاعنا على ملاحظات تكتل الجمهورية القوية من حيث الشكل؟
اجاب: ليس من المنطقي عند وجود مؤتمر او اجتماع ان يعمد البعض الى جمع ثلاثة او اربعة نواب والقول انهم اصبحوا كتلة. وفي كل الاحوال، هذا بحث آخر.
سئل: تحاول ان توحي انك اكثر حرصاً على مصير هذه الحكومة من الحكومة السابقة التي ترأسها سعد الحريري، لماذا؟
اجاب: هذا غير صحيح. فقد كنا حريصين على الحكومة السابقة اكثر بكثير لاننا كنا ممثلين فيها، وكنا نحاول من جديد يومياً كي تنجح، واتمنى العودة الى محاضر جلسات مجلس الوزراء لاننا كنا نخوض نقاشات طويلة ولكن عددنا كان قليلاً جداً امام تجمع الغالبية الوزارية، فلم نستطع شيئاً.
سئل: هل تتبع نهج الرئيس بشير الجميل بعدم المس برئاسة الجمهورية؟ وهل فترة مئة يوم كافية لهذه الحكومة كي تقوم بكل ما يلزم؟
اجاب: انا لا اؤمن بمسألة المساس برئاسة الجمهورية ام لا، وقد قلت في البداية انني غير مؤيد لسياسة العهد، والرئاسة مؤسسة دستورية. اما مسألة الفترة الزمنية القصيرة للحكومة، فنحن لا نطالبها بالقيام بكل شيء خلال فترة مئة يوم، بل ان تبدأ ببعض الخطوات التي تدل على قدرتها على القيام بأي شيء.