تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
كتب العميد المتقاعد سامي الرماح
مقدمة لا بد منها.
يبدو السؤال عادياً لو كنت تسأل عن اي بلد غير السودان ،ولكن من الصعوبةِ بمكان أن يكون الجواب عن السودان جواباً عادياً .
السودان وما أدراك ما السودان، بلدٌ مترامي الأطراف غزير الموارد الطبيعية، وهذا ما جعلهُ مطمعاً لكثير من الدول ، إنه بلدٌ مليئ بالإثنيات والعرقيات التي كانت سبباً في صراعات دمويه أدّت إلى تقسيم السودان وانفصال جنوبه واستقلاله واعتراف الأمم المتحده بدولة جنوب السودان الوليدة.
ناهيك عن الصراع القبلي بين اتباع العرق الواحد والاثنية الواحدة والصراع على السلطة بين النظام الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان، والذي ولو خمد قليلاً فإن جمره ما زال تحت الرماد، وصولاً إلى ما حصل في دارفور منذ عشر سنوات وأدّى إلى مقتل وتهجير عشرات الالاف. ومن ينسى (الجنجويد) وهي ميليشيات كان لها الدور الأساس في ما حصل في دارفور، هذه الميليشيات التي تم تشريع وجودها تحت اسم قوات الدعم السريع وأصبح عديدها حوالي ١٠٠،٠٠٠ عنصر مع صلاحيات واسعه لقائدها جعلت منه ومن ميليشياته دولةً داخل الدولة.
حتى أنه عندما قام السودان بإرسال جنود سودانيين للقتال في اليمن ضد حركة انصار الله( الحوثيين)، فقد كان نصف الجنود الذين ذهبوا للقتال في اليمن تابعين لقوات الدعم السريع، وهذا أضاف نفوذاً جديداً لدور حميدتي وقواته.
جذور الصراع الحالي:
بعد الاطاحة بنظام عمر البشير بانقلاب عسكري عام ٢٠١٩ تولى الجيش قيادة البلاد، عبرقائده الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه الفريق اول محمد حمدان دقلو( المعروف بحميدتي)
وكان التوجه لإشراك المدنيين في قيادة الدوله عبر حكومة يرأسها مدني، ومكونات سياسية متعددة مع بقاء البرهان على رأس المجلس الانتقالي، الذي يضم في صفوفه مدنيين وعسكريين، في توجه كان من المفترض أن يؤدي إلى تسليم السلطه للمدنيين، ولم يستمر هذا الوئام أكثر من سنة، إلى أن فرط عقد المجلس الانتقالي، واستأثر العسكر بالسلطة.
مرحله جديدة من الصراع:
كان الفريق اول البرهان يتوجس خيفةً من نفوذ نائبه الفريق اول حميدتي قائد قوات التدخل السريع خاصةً بعد سيطرته على مناجم الذهب ومجمعات صناعيه وقيامه بنسج علاقات مع شركات صناعيه خارج السودان، بما يشبه استقلالية تامة عن الدوله والجيش السوداني وايضاً علاقات متينة مع شركة فاغنر الروسيه، وجرت مفاوضات لدمج قوات الدعم والتدخل السريع، بالجيش بأسرع ما يمكن من الوقت، حسب رغبة الفريق اول البرهان، في حين كان الفريق اول حميدتي يرغب بالاندماج على فترة عشر سنوات، بحيث يتمكن مع الوقت من القضاء على البرهان، ولكن حميدتي اشتم ما أوحى له بوجود مؤامرة عليه ما أدّى إلى انفجار الصراع في مطلع حزيران المنصرم، وقيام قوات الدعم السريع بتطويق مقار الجيش السوداني في الخرطوم، وام درمان ومطار مروى الدولي والعسكري، واستطاعت قوات الدعم السريع إحراز نجاحات كبيرة في الأسبوع الأول، ولكن الجيش استعاد المبادرة بعد استعمال سلاح الطيران، ولكن دون تحقيق نجاحات كبرى، بسبب تواجد قوات التدخل في الشوارع بين المدنيين .
نتيجة الاشتباكات سقط آلاف القتلى والجرحى، وحصلت موجات نزوح الى مناطق بعيدة عن الاشتباكات، والى مصر وليبيا المجاورتين، وبدا أن الصراع في السودان سيكون له تداعيات على دول الجوار، فتداعت دول الجوار الى توجيه نداءات لوقف النار، وتولت السعوديه والولايات المتحدة الامريكية قيادة مفاوضات وقف اطلاق النار، التي بلغ عددها أكثر من عشرة في شهرٍ واحد، وكلها كانت تدوم يومين، ويعود الصراع وينفجر مجدداً، بحيث بدا أنه ممنوع أن يكون هناك وقف اطلاق نار دائم.
للوهلة الأولى تبدو الولايات المتحدة أنها حريصة على أمن واستقرار السودان، الذي ساهمت بتقسيمه، وانفصال جنوب السودان عن الوطن الأم، ولكن القطبه المخفيه في هذا الشأن هي رغبة الولايات المتحده بإبعاد الصين وشركاتها الاستثمارية عن السودان، وإبعاد روسيا عن المشهد، حيث أن قوات شركة فاغنر، تنتشر في مناطق متفرقة، وهي على علاقة متينة مع قوات الدعم السريع، وتعتبر الولايات المتحده الامريكية أن وجود دولة سودانية موحدة، وجيش سوداني قوي، هو أفضل لإبعاد الصين وروسيا عن المشهد، مع العلم أن الولايات المتحده كانت دائماً تدعو إلى تسليم السلطة للمدنيين، ولكنها اليوم وكما يبدو وكأنها قد غيرت رأيها في دور الجيش وسيطرته على السلطة، وكذلك وكأنها راغبة بإبعاد مصر عن أي دور في السودان، حيث يفترض أن يكون لمصر دور كبير في مسألة المياه واستمرار تدفق مياه النيل، الذي يعتبر شريان الحياة بالنسبه لملايين المصريين ومستقبلهم. وإن وجود مصر على علاقه جيدة مع الحكم في السودان، سوف ينعكس ايجاباً كمصدر قوة لمصر والسودان، في شأن وقوفهما معاً، ضد اطماع اثيوبيا في مياه النيل، وذلك بتشجيع من اسرائيل لاثيوبيا في خططها لبناء سد النهضة وإنقاص حصة مصر من المياه، بشكلٍ يسبب عدم الاستقرار في المنطقة، ونشوب نزاعات كبيرة تسبب الهاء دولها عن الصراع مع اسرائيل مستقبلاً.
خاتمة
من يعتقد أن ما يجري في السودان هو صراع على السلطة بين ضابطين، يتوجب عليه مراجعة البيانات الإحصائيه عن السودان وثرواته الاستراتيجية، ويجب أن لا يغيب عن باله أن القوى الاستعمارية كانت لها اليد الطولى في ما كان يحصل في السودان منذ استقلاله وقيام الانقلابات العسكرية، وغياب الديموقراطية، وصولاً إلى تقسيمه الى دولتين. ، كل ذلك بهدف إبقاء هذا البلد ضعيفاً وغير مستقر، ما يسهل وضع اليد عليه وعلى ثرواته في الوقت المناسب.
لم ينعم السودان منذ استقلاله بفترات طويلة من السلام والاستقرار، وذلك عائد للصراع السياسي على السلطة، الذي كان يؤدي دائماً الى انقلابات عسكرية تعزل السودان عن محيطه، وتسبب له حلقات من الصراع الداخلي، وكأنه قدر رباني أن يكون هذا البلد محروماً من الاستقرار، ويرزح شعبه بفقرٍ مدقع، معأانه يُطلق عليه اسم (سلة الغذاء العالمي ) لوفرةالاراضي الزراعيه والمياه والبترول والموارد الطبيعيه الاستراتيجيه، التي هي السبب الأساسي للاطماع الاستعمارية بهذا البلد.
وقد لا ينعم هذا البلد بالاستقرار طالما أن الديموقراطية هي أمر بعيد المنال .
إن لوثة الانقلابات العسكرية في البلاد العربية وبلدان العالم الثالث، تتجلى بابهى صورها في السودان، حيث منذ استقلاله عام ١٩٥٦ كانت الصراعات، بين التيارات السياسية والدينية على اشدها، الى أن قام الفريق جعفر النميري بانقلاب عسكري عام ١٩٦٩ واستمر يحكم السودان بقبضة حديدية حتى عام ١٩٨٥، حيث قامت ضد حكمه انتفاضة شعبية، فتولّى على أثرها الرئاسه المشير عبد الرحمن سوار الذهب، الذي سلم الحكم لسلطة مدنيه، في سابقه لم يشهد لها العالم العربي مثيلاً، ان يقوم قائد عسكري بتسليم السلطه للمدنيين.
ولكن الأمر لم يدم طويلاً للمدنيين، حيث قام عمر البشير بانقلاب عسكري عام ١٩٨٩ وبقي في السلطه حتى عام ٢٠١٩، حيث انقلب عليه ايضاً العسكريون وزجّوا به في السجن، وتولوا هم السلطه حتى يومنا هذا.
وليس معلوماً حتى اليوم مآل الوضع في السودان، حيث الابواب مشرعة لصراعات كبرى، قد لا تسلم منها الدول المجاورة للسودان، وكل ذلك بسبب غياب الديموقراطية ورغبة كل الفرقاء بإلغاء الآخرين، في مسلسل لا يبدو أن لهُ نهايةً سعيده.