تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
لم يأتِ لقاء بعبدا في الأمس على قدر آمال اللبنانيين، الذين باتوا يأنّون تحت وطأة الغلاء وتدني قيمة العملة الوطنية والحجر الصحي وغياب فرص العمل، وما عاد يهمهم الزجل السياسي، وبلاغة خطابات المسؤولين وفصاحتهم في رمي التُّهم والمحاضرة في العفة والبراءة. وهذا ما عبّر عنه رئيس الحكومة حسان دياب عندما قال: أن الناس لم تعد مهتمة سوى بسعر الدولار .
في الشكل فشل اللقاء في جمع كافة ممثلي القوى السياسية اللبنانية، فغاب عنه رؤساء الحكومات السابقون، والمستقبل، والقوات اللبنانية، والكتائب، والمردة، ولم توجّه الدعوة إلى ممثل عن الطائفة الكاثوليكية .
أمّا في المضمون فكان العنوان عاماً محصوراً بالشق الأمني، وانعكاسات ما جرى من توترات في الشارع في الأيام الماضية، وهذا كانت قد تمت معالجته، ولم يحظَ بغطاء من أية جهة سياسية، وهو من واجبات الحكومة والقوى الأمنية، واعتبر معظم المتغيبين، أن لا حاجة لمناقشته، وكان يجب التركيز على الهم الأقتصادي والمعيشي للمواطنين .
أثار الرئيس السابق ميشال سليمان موضع إعلان بعبدا، معتبراً أن بعض الأفرقاء التي لم تلتزم به كحزب الله هي من أوصل البلد إلى ما نحن فيه اليوم من تدهور اقتصادي وسياسي، وسجّل تحفظاً على ألبيان الختامي، وأكّد أن مشكلة لبنان هي في خياراته السياسية الخارجية وعدم التزام الحياد .
ورد ممثل حزب الله النائب محمد رعد على سليمان، معتبراً أن لا طائل من العودة إلى البحث في الماضي، خاصة أن الحزب تحفّظ يومها على الإعلان وخلفية من صاغه، وكذلك جاءت مداخلة النائب إيلي الفرزلي لتصوّب على كلام سليمان .
أما رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، فوجه انتقاداً إلى الذين غابوا، معتبراً أنهم يستهدفون العهد لكنهم يُعرّون لبنان وليس العهد، وأمّا الصامت الأكبر فكان رئيس المجلس النيابي الذي فضّل عدم الكلام، بعدما أيقن أن لا طائل من ذلك، طالما اقتصر الحضور بغالبيته على أهل البيت الواحد .
وحده تيمور جنبلاط قدّم ورقة إصلاحية، ضمّنها رؤية الحزب التقدمي الأشتراكي للحل والخروج من الأزمة الأقتصادية. أشار في بدايتها إلى حراجة الوضع الذي يمر به لبنان، وضرورة الترفع عن المناكفات، والسعي إلى توحيد الجهود لإنقاذ لبنان .
وركّز جنبلاط على التمسك باتفاق الطائف الذي لا بديل عنه الآن في ظل الظروف الراهنة، وأن البلاد لا تحتمل المغامرات، وعلينا تنفيذ بنوده التي لم تُطبّق بعد، خاصة إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس شيوخ .
وحذّر جنبلاط من كافة مشاريع التقسيم والفدرلة، أو إلحاق لبنان بأية دولة، مشدداً على الوحدة الوطنية، والعودة إلى مناقشة الأستراتيجية الدفاعية، استناداً إلى ما تم الإتفاق عليه سابقاً في إعلان بعبدا، والقرار الدولي ١٧٠١، ومقررات طاولة الحوار التي دعا إليها الرئيس نبيه بري، وقد تم الإتفاق عليها بالإجماع، ولم تُطبق حتى الآن، كترسيم الحدود مع سوريا، والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات .
ورحب جنبلاط بالعلاقات مع الصين وفكرة إنشاء معمل للكهرباء، لكنه حذّر من العودة إلى فكرة تلازم المسارين، والضرر الذي يمكن أن يحدثه الإلتحاق بدول تخضع للعقوبات، وتسير عكس الإتجاه الصحيح .
وشملت ورقة جنبلاط مقترحات اقتصادية للتحول إلى الإنتاج، وحماية المواطنين، واستعادة الثقة، والدعوة إلى الحفاظ على وجه لبنان الحضاري، المتمثّل بالإنفتاح والحرية والتنوّع. وإذا كان من المسلم به أن لا يكون لبنان خاصرة للتخريب على سوريا، لكن يجب أيضاً أن لا يلتحق بالأنظمة الشمولية، التي يُمثل النظام السوري أحد ابرز أمثلتها البائسة .
وحدها ورقة جنبلاط شكّلت إستثناءً في لقاء بعبدا، وحاكت هموم الناس وأوجاعهم وهمومهم، وربما لو كانت هي ما دعى الرئيس عون لمناقشته، لحضر كافة الأقطاب والأحزاب، أو على الأقل لانقطعت حجة مقاطعتهم اللقاء، وربما كان بإمكان اللقاء أن يخرج باتفاق على خطة إنقاذ، تُجنب الوطن مزيداً من الإنقسام والإنهيار .