#الثائر
ما عدا " التيار الوطني الحر "، لم يجد "حزب الله" من يجاري غارته المسيّرة على حقل كاريش، فانصب تركيز الثنائي الحاكم على شنّ حملة إعلامية مشتركة مساءً عبر نشرتي "المنار" و"أو تي في" للتأكيد على صوابية "الرسائل المفخخة التي حمّلتها المقاومة لمسيّراتها الثلاث" مقابل التنديد باللبنانيين المنادين بحصر قرار الحرب والسلم بالدولة على اعتبار أنهم "بكّاؤون عاجزون راضخون لحصار واشنطن"، ولا يجيدون قراءة "الرسالة التي كان يجب أن تصل ووصلت" إلى الإسرائيليين والأميركيين.
... و"حتى الحكومات المحسوبة على "حزب الله" لم تعد قادرة على التستّر على أعماله وخلفياتها" على ما رأت "القوات اللبنانية" في تصريح وزير الخارجية عبد الله بو حبيب إثر اجتماعه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والذي تنًصّل فيه باسم الحكومة اللبنانية من "أي عمل خارج السياق الديبلوماسي" لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل... إذ سارع لبنان الرسمي أمس إلى الخروج عن "سرب مسيّرات حزب الله"، تحت وطأة ما تبلّغه "على أعلى المستويات من تحذيرات أميركية حاسمة" وتلويح بإجراءات عقابية رادعة قد تمتد لتشمل "فرض عقوبات نفطية" على لبنان.
وفي التفاصيل، كشفت مصادر ديبلوماسية لـ"نداء الوطن" عن المعطيات التي قضت بعقد اجتماع السراي لتظهير الموقف الحكومي الذي يتنصّل من مسؤولية لبنان الرسمي عن إرسال "حزب الله" ثلاث مسيرات إلى حقل كاريش، موضحةً أنّ "الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين نبّه المسؤولين اللبنانيين صراحةً إلى أنّ مثل هذه الخطوة من شأنها أن تنسف الجهود الأميركية وقد تؤدي إلى تعريض الاستثمار اللبناني في الثروة النفطية والغازية لخطر العقوبات، خصوصاً وأنّها استهدفت منطقة بحرية تقع خارج حدود لبنان المعترف بها دولياً بموجب سجلات الأمم المتحدة".
وفي هذا الإطار، نقلت المصادر أنّه "وبالتنسيق مع الدول المعنية بملف الترسيم البحري، عقدت إدارة شركة انرجيان باور التي تستثمر في حقل كاريش اجتماعاً داخلياً خلال الساعات الأخيرة لتقييم الوضع بعدما وصلت مسيّرات "حزب الله" الى فوق منصة الانتاج الواقعة خارج المنطقة المتنازع عليها، خصوصاً وأنّ الشركة تستند في عملها إلى الوثيقة اللبنانية في الأمم المتحدة التي تعتمد رسمياً الخط 23 حدوداً بحرية جنوبية للبنان"، مشيرةً إلى أنّ المداولات بهذا الشأن خلصت إلى اعتبار ما جرى نهار السبت "اعتداءً موصوفاً من جانب لبنان على أعمال الشركة خارج حدوده ما يرتب اتخاذ إجراءات حاسمة تمنع تكرار مثل هذه الاعتداءات مستقبلاً". ومن بين هذه الإجراءات، حسبما رشح من معلومات، احتمال أن تبادر شركة "انرجيان باور" إلى المطالبة بإصدار موقف أوروبي موحّد يشمل كافة الشركات النفطية العاملة في الشرق الأوسط لإعلان مقاطعة أي نوع من أعمال التعامل مع لبنان في عمليات استثمار ثروته النفطية والغازية سواءً على مستوى الاستكشاف والتنقيب أو الإستخراج.
وعلى هذا الأساس، أتى موقف الحكومة اللبنانية ليجدّد على لسان وزير خارجيتها "تعويل لبنان على استمرار المساعي الأميركية لدعم وحفظ حقوق لبنان في ثروته المائية لاستعادة عافيته الاقتصادية والاجتماعية"، مع التأكيد في الوقت عينه على أنّ "لبنان يعتبر أنّ أي عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي الذي تجري المفاوضات في إطاره غير مقبول ويعرّضه لمخاطر هو في غنى عنها".
من جهتها، أشارت "النهار" الى ان قد يكون الأكثر بلاغة وجدية في تفسير الموقف المشترك المفاجئ لكثيرين، في الداخل والخارج، على حذره وتعميته، الذي اتخذه ميقاتي وبو حبيب باسم الدولة والحكومة من المسيّرات التي اطلقها "حزب الله " فوق حقل كاريش، وتبرؤ الدولة من تبعاتها، وتشديدهما على التمسك بالوساطة الأميركية في ملف ترسيم الحدود البحرية، انه سيتعين على الحزب الادراك ولو لم يعترف بذلك ان سوء تقدير الحسابات يقود الى نتائج مباغتة. على طريقة "الاحراج فالاخراج" حشر "حزب الله" الدولة في خانة اظهارها الزوج المخدوع في المغامرة التي ارتكبها بارسال المسيرات في وقت كانت بيروت تستقبل تظاهرة ديبلوماسية عربية طالما تاق لبنان الى استردادها وإعادة إشاعة الدفء في علاقاته العريقة السابقة مع العرب. فكانت المسيّرات أولا بمثابة التشويش الفاقع على المشهد العربي في العاصمة اللبنانية. واما الأشد وطأة في الرسائل - المهمات الخفية الأخرى لاطلاق المسيّرات فتمثل في اخطر محاولة لاجهاض الوساطة الأميركية بعدما تبلغ اركان الدولة ووزير الخارجية رسميا من السفيرة الأميركية دوروثي شيا نتائج إيجابية محفزة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين على المضي قدما في اتصالاته والتهيئة لاعادة استئناف المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل في الناقورة. بإزاء هذا الاحراج للدولة بدا "حدثا نادرا" امس ان يتلقى "حزب الله" رداً ولو على طريقة التعمية الخجولة اللغوية التي اعتمدت في بيان مقتضب، ولكنه جاء ليفصح عن عدم تمكن الدولة من القبول بتداعيات كانت لتكون خطيرة وكارثية لو صمتت الدولة والحكومة. هذا الموقف الاعتراضي على ما قام به "حزب الله" من تفرد بالفعل والقرار وحشر الدولة واظهارها فاقدة القرار تماما امام سياسات الحزب وتصرفاته الذي اعلنه بصورة مشتركة الرئيس ميقاتي والوزير بوحبيب، شكل تطورا لافتا سيكون بعده غير ما كان عليه قبله. فليس تفصيلا عابرا ان يصدر رد هو عمليا موقف "اعتراضي" مشترك لرئيس الجمهورية ميشال عون ضمنا الذي يمثله وزير الخارجية ورئيس حكومة تصريف الاعمال حول تفلت "حزب الله" على رغم الخلافات المتصاعدة بين الرئيسين حول ملف تاليف الحكومة الجديدة .